الوقت- الانتخابات البرلمانية العراقية بين موعدها المقرر وفوضوية منتظرة. رغم أن ملامح نتائج هذا الجدل القائم في الداخل العراقي بدأت تتضح اكثر مع بروز آراء زعماء المشهد السياسي، وتميل الى حسم أمرها بالاعلان عن الالتزام بتوقيت الانتخابات البرلمانية المقررة دستوريا، بعد مطالبات البعض بتأجيلها.
السبب الاهم الذي يتشبث به المعارضون لاجراء الانتخابات بموعدها، هو انتظار عودة النازحين الى محافظاتهم، ليتمكنوا من الادلاء بأصواتهم، هذا ما يقال في العلن. واذا ما سلمنا بجدية مطلبهم، فما هي علاقة الانتخابات بالنازحين؟ في الوقت الذي تشير فيه معادلة اعداد مقاعد البرلمان الى عدم امكانية تغيير حصصها حسب انتمائات المكونات الموزعة جغرافيا في العراق.
قد يختلف البعض في تفسير بنود الدستور، وربما يتفق الجميع على أن الدستور العراقي لا يخلو من مشكلات، ولعل اختراقه لا يعد كفرا في الحياة السياسية العراقية وصفقات عملية الحكم التوافقية لدى البعض، ولكن يبقى لكل خرق ثمن.
وهنا حسب الدستور من اللازم تنظيم الانتخابات في الموعد المحدد لها، فولاية مجلس النواب تنتهي بانقضاء مدة الاربع سنوات المحددة للدورة البرلمانية، ولا يوجد في القانون ما يمنح أي سلطة في البلاد حق تمديد ولاية المجلس ولو ليوم واحد، وهذا ما يُبقي البلد على حافة الهاوية اذا ما تعطل المجلس التشريعي في البلاد.
ومن اشد المؤيدين للالتزام بتوقيتات مواعيد الانتخابات هو رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي اعلن موقفه مرارا وتكرارا ازاء تلك المطالب، بان الانتخابات ستجرى في موعدها وأن حكومته قد وضعت جدولا زمنيا لعودة النازحين ليساهموا بالانتخابات المرتقبة، واذا ما اثبت الرجل بأنه ملتزم بما يعد به الشارع، فانه قد وعد فيما سبق بالنصر على المجموعات التكفيرية "داعش" في المناطق الغربية (نينوى وصلاح الدين والانبار) وتحققت الانتصارات، ووعد بعدم انقطاع رواتب الموظفين رغم ما يعصف بالبلد من ازمة اقتصادية خانقة وتأكدات تشير الى نفاذ خزينة الدولة لكن الرواتب جارية والوضع سار على ما يرام وغيرها مما وعد به العبادي ونفذه بهدوءه، وها هو يعد بعود النازحين.
مما لاشك فيه ان ديمقراطية العراق هي العامل الاساس في مسيرة تنامي استقراره، وحصن استقلاله الوحيد امام مطامع الخارج، فديمقراطية العراق نشأت وسط محيط اقليمي جله لا يدرك معنى الانتخابات ولا يعي ماهية صناديق الاقتراع، وتنامي ظاهرة الديمقراطية هذه في محيط كهذا تعد خطرا على مشروعية حكام تلك البلدان.
اذن يقف العراق اليوم بكل ما يملك من قوة من خلال التزامه بقراره "موعد الانتخابات"، امام مؤامرات زعزعة استقراره، التي تهدف بخطوات متتالية الى هدم عملية الحكم فيه. انطلاقا من تأجيل انتخابات مجلسه التشريعي "البرلمان" تحت يافطة مشكلات البلد وازماته، وتأجيل الانتخابات من دون مسوغ دستوري، سيصبح العراق بلا برلمان ولا حكومة شرعية، الامر الذي سيؤدي الى فراغ دستوري وازمة في ادارة البلد، وعندها سيكون المخرج الوحيد لفوضى البلد هو تدويل القضية العراقية من خلال مجلس الامن الدولي، أي عودة المشهد السياسي القائم الى المربع الاول، وهذا ما يعد ضربة قاضية الى ديمقراطية العراق وتجربته الفتية.