الوقت - أسئلة كثيرة طرحت حول زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الأخيرة إلى السعودية، أسئلة وملاحظات حول الزيارة إن من حيث الشكل أو المضمون، أسئلة قد لا تكون إجاباتها الكاملة في متناول اليد حاليا، ولكن ومع امتلاك بعض المؤشرات السعودية الواضحة التي سبقت الزيارة يمكن تجميع جزء مهم من الصورة التي تتكفّل الأسابيع المقبلة بإكمال تفاصيلها.
أما من حيث الشكل (الذي لن نقف عنده كثيرا) فاللافت أن الحريري وبشكل مفاجئ قطع كل جداول أعماله والتزاماته ليتوجه ودون تأخير إلى الرياض وهو ما لا يليق برئيس حكومة دولة ذات سيادة. طبعا العارف بحال الحريري وفريقه السياسي والعلاقة الاستثنائية مع الرياض يغفر له ذلك خاصة أن الآمر الناهي اليوم في السعودية هو محمد بن سلمان وما أدراك ما بن سلمان!
أما المضمون واستنادا إلى شكل الاستدعاء السعودي على عجل فمن شبه المؤكد أن الزيارة تأتي لإبلاغ الأخير كلمة السرّ التي تختصر عنوان المرحلة سعوديا، وهي عند "الزعطوط" ثامر السبهان الذي التقاه الحريري بعد لقاءه بمحمد بن سلمان. وما التغريدات التي أطلقت بعد اللقاء وخاصة من قبل السبهان إلا تأكيد على التوجه السعودي المعلن والمؤكد لمواجهة نفوذ حزب الله.
السؤال الأهم يتضح هنا وهو ما الدور الملقى على عاتق الحريري خلال المرحلة القادمة، وهل يمكن للأخير الخوض للنهاية في لعب هذا الدور. يجيب بعض المتابعين للشأن اللبناني بالقول إن الحريري هرول بهذا الشكل إلى السعودية سعيا لاستعادة مكانته السياسية السابقة لدى آل سعود كرجلهم الأول في لبنان من جهة، ومن جهة أخرى طمعا بإعادة ترتيب أموره الاقتصادية داخل المملكة. إضافة إلى محاولة تأمين دعم مادي ومعنوي للجبهة السياسية التي يقودها في لبنان (14 آذار) خاصة أنهم أمام استحقاق انتخابات برلمانية تتطلب برنامجاً انتخابياً ضخماً ومكلفاً للغاية (بسبب تراجع شعبية الحريري و14 آذار بشكل عام وازدياد شعبية حزب الله والأحزاب السنية والمسيحية المؤيدة للحزب).
أمّا فيما يخص دور الحريري في عنوان المرحلة سعوديا أي مواجهة حزب الله، فيؤكد المتابعون أن العارف بسياسة السعودية وخاصة في ظل حكم محمد بن سلمان يُدرك أنهم رسموا له دورا أساسيا في هذه الخطة، ولكن المشكلة أن الحريري وكرئيس للحكومة اللبنانية التي يشارك فيها حزب الله وأطراف أخرى مؤيدة للحزب يبقى مكبّل اليدين وأضعف من أن يتخذ مواقف حادّة اتجاه الحزب، خوفا من انجرار الأمور إلى إقالة الحكومة التي يرأسها وهو ما ليس بمصلحته وبالتالي بمصلحة السعودية.
إذاً هي زيارة أرادها الحريري بكل جوارحه لأنه لا يجد غير السعودية حضناً يمكن اللجوء إليه في هذه الأوضاع، ولكن في نفس الوقت يخشى الحريري من الدور المرسوم له في مواجهة حزب الله لأنه أكثر من يدرك حقيقة صعوبة بل استحالة مواجهة الحزب بالأسلوب السلماني السبهاني، والسبب الشعبية العارمة للحزب في لبنان من جهة، ومن جهة أخرى الدور الأساسي والمهم الذي يلعبه الحزب في حفظ واستقرار الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية.
من المؤكد أن الحريري عاد من السعودية أكثر توترا وحيرة من ذي قبل، حيث يريد إرضاء آل سعود بأي ثمن ويخشى في المقابل المواجهة الخاسرة مع الحزب. ويعلم أنه بدون السعودية لا يمتلك ما يحقق استقراره الاقتصادي ومع الخوض في مواجهة غير معلومة الأفق قد يخسر كل شيئ أيضا. هي إذاً معادلة خاسر-خاسر يجرّ الحريري نفسه إليها.
الصحافة اللبنانية نقلت في هذا الإطار ما مفاده أن الحريري حاول اللعب بذكاء مع السعودية، بحيث يحصل على دعمهم المادي والمعنوي دون أن يكون رأس حربة في مواجهة حزب الله (الرقم الصعب) في الداخل اللبناني، وقد سعى لتقديم وجهة النظر هذه للسعودية خلال زيارته على اعتبار أن الخطر يتهدّد حكومته في حال مواجهة مباشرة مع الحزب وهو ما لا يصب في مصلحة أحد سوى الحزب. طبعا يبقى مدى نجاح الحريري في هذه اللعبة منوطاً بمدى قبول السعوديين بهذه المعادلة وهذا ستظهره تطورات الأمور خلال الفترة القادمة.
المشكلة الرئيسية التي يعاني منها سعد الحريري ومنذ بداية حياته السياسية أنه ربط نفسه ومستقبله دائما بغير وطنه الأم لبنان، فلم يعتقد يوما أن بإمكانه التحرّر من هيمنة السعودية ولذلك بنى كافة برامجه السياسية على هذا الأساس. في الواقع حاول أن يكون وطنيا سعوديا أكثر من السعوديين أنفسهم، هذا الأمر جعله لعبة رخوة بأيدي آل سعود الذين يريدون أتباع لا حلفاء. الحلّ الوحيد للحريري الذي لم يفكّر به يوما أن يعود إلى لبنانيته فيعمل بصدق مع القوى الوطنية المستقلة الفاعلة في الداخل والتي تريد قوة لبنان وأمنه واستقلاله.