الوقت- ترفع "إسرائيل" من مستوى تهديداتها ضدّ لبنان. وفي حين اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمام أعضاء بالبرلمان حزب الله بتدبير عمليات قصف عبر الحدود في مرتفعات الجولان بهدف إشعال حرب بين سوريا والكيان دون أن يُفصح عن مصدر معلوماته، كشفت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن الوسط السياسي الإسرائيلي مشغول، اليوم، بموضوع الحرب المقبلة مع لبنان و"حزب الله"، كما أن إسرائيل تدرس سيناريوهات الحرب المختلفة والأسباب التي ستشعلها.
لطالما كان هناك جملة من العقبات أمام أي عدوان عسكري على لبنان. هذه العقبات التي تبدأ بالقرار السياسي الإسرائيلي والحصول على إجماع بشأن الحرب، تمرّ عبر الموافقة الأمريكية، لينتهي الأمر بتحديد الجهات العسكريّة والأمنيّة الإسرائيلية لساعة الصفر بعد أن توافق على العملية العسكريّة.
منذ العام 2006 وحتّى الآن، كان هناك توجّه إسرائيلي سياسي للحرب، إلا أن العقبات الثانية (الأمريكي) والأخيرة (العسكرية والأمنيّة) كانت قائمة، لكنّ المفارقة اليوم، تتمثّل في ارتفاع العقبة الثانيّة في ظل وجود دعم أمريكي، أو بعبارة أدقّ توجّه أمريكي لدعم أي حرب إسرائيلية على لبنان حيث تعمل إدارة ترامب على رفع مستوى تهديداتها الاقتصاديّة والسياسيّة للحزب، ليس آخرها ما كتبه الرئيس الأمريكي على صفحته في "تويتر": لن ننسى أبداً 241 جندي أميركي قتلوا على أيدي حزب الله في بيروت.
توضح المجلّة الأمريكي نقلاً عن مصدر عسكري إسرائيلي أن "إسرائيل لا تحاول بالضرورة تجنّب الحرب مهما كانت بشاعتها، وأنّ الإسرائيليين يجمعون عموماً على أنه لا مفرّ من الاشتباك بل إنه قد يكون فرصة نظراً للوضع الراهن في لبنان"، لتؤكد اعتمادها القوة الفائقة والضربات المسبقة باعتبار أن حزب الله قد كسب خبرات قتاليّة خلال الحرب في سوريا وضاعف قدراته الصاروخيّة أكثر من 20 ضعفاً من العام 2006.
ولكن رغم كل الخطوط الحمراء التي تعلن عنها السلطات الإسرائيلية، وكذلك تهديدها بالمواجهة العسكريّة، إلا أنّها ستفكّر ألف مرّة قبل البدء بهذه الحرب التي تبحث عن شرارتها الأولى. وهنا يمكن اختصار الموقف الإسرائيلي تجاه الجبهة الشماليّة بجملة من النقاط:
أوّلاً: تدرك السلطات الإسرائيلية، السياسيّة منها والعسكريّة، حجم الضرر الذي سيلحق بكيان الاحتلال في الحرب القادمة، لاسيّما أنّه في حال اندلاع الحرب، فلن تكون محصورة بالشريط الحدودي اللبناني الإسرائيلي، بل ستُفتح الجبهة السوريّة في الجولان على مصرعيها. سنكون أمام جبهة ناريّة واسعة تبدأ من الجولان، وتنتهي برأس الناقورة مروراً عبر مزارع شبعا، على أن تساندها قوّات صاروخيّة "استراتيجية" من العمقين السوري واللبناني.
ثانياً: برزت خلال الأشهر الماضيّة أصوات إسرائيلية كثيرة، يتزعّمها وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله، وتتوعّده بردّ قوي، ومن هذا المنطلق فإن محاولة الزجّ بالجيش اللبناني لا تخلو من أمرين. إما ومحاولة وضع الحزب في مواجهة داخليّة مع الحزب بعد فشل أمريكا في توريط اليونيفل بحرب داخليّة مع حزب الله، وهو أمر مستبعد، أو مقدّمة للحرب جديدة تهدف لكسر الدول اللبنانية عبر ذريعة تعاون الحزب والجيش.
ثالثاً: يبدو أنّ هناك رضى أمريكي إزاء أيّ تحرّك عسكري إسرائيلي محدود من الناحية الزمنيّة، تماماً كما كان الحال في العام 2006، إلا أن المفارقة بين "حرب لبنان الثانية"، وأيّ حرب ثالثة يتمثّل في وجود عدم استراتيجية أمريكية تجاه المنطقة تلخّصت في الشرق الأوسط الكبير الذي كشفت عنه وزيرة الخارجية السابقة كوندليزا رايس، في حين أنّه بعد انكسار المشروع الأمريكي في سوريا حالياً، وخسارة واشنطن للكثير من قدراتها على الساحة العراقية، بما فيها الكرديّة، فإن إدارة ترامب تفتقد لرؤية استراتيجية تجاه الأوضاع، ومن هنا لا يستبعد خبراء أن يضغط صهر ترامب، جاريد كوشنر، لوضع ثقل هذا الملف بيد نتنياهو.
رابعاً: هناك من يتحدّث عن وجود تضارب في الأراء السياسيّة الإسرائيلية بشأن الحرب في ظل وجود معارضة قويّة من ناحية، وضعف نتنياهو بسبب قضايا الفساد من ناحية أخرى. فرغم قول وزير الدفاع المتهوّر ليبرمان أن "إطلاق الصواريخ على هضبة الجولان كان بأوامر من حسن نصر الله، ودون علم نظام الأسد"، إلا أنّ مصادر من مكتب رئيس الحكومة الأسرائيلية نفت وبالتنسيق مع الجيش واكدوا عدم علمهم بما قال "ليبرمان" وانها تعبر عن تقديراته الشخصية". توضح مصادر مطّلعة أن ليبرمان أحد أبرز المتحمّسين للدخول في الحرب، تماماً كما كان متحمّساً للمفاوضات في أيّام تولّيه لوزراة الخارجيّة، وتوعز السبب في ذلك لتكريس نفسه زعيماً إسرائيلياً عبر الوصول من خلال هذه الحرب على الجبهة الشماليّة إلى منصب رئاسة الوزراء.
خامساً: في المقابل، يستبعد خبراء الحرب حالياً موعزين السبب لـ"صفقة القرن" التي يحضّر لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع ابنته ايفانكا وصهره كوشنير، إلا أنّ هذه الصفقة تبدو بعيدة المنال لأسباب تتعلّق بالعقلية الإسرائيلية الرافضة لأي تنازل ولو حتّى على حدود العام 1968، بل 2015، وربّما 2016 من ناحية، ورفض فصائل المقاومة، ومن خلفها الشعوب العربية.
ليس بعيداً عن الأسباب الآنفة الذكر، يبقى الردع العسكري والتعادل الاستراتيجي الذي يمتلكه حزب الله أحد أهمّ العقبات القائمة أمام أيّ تحرّك إسرائيلي ضدّ لبنان في الوقت الراهن، خاصّة أن اتساع الجبهات قد يجعل من هذه الحرب، حرباً إقليمية واسعة.