الوقت- بدأت واشنطن بالتمهيد الفعلي لبقائها في سوريا على أكثر من صعيد. ففي حين تحذّر واشنطن من أنّ الإرهاب يناور والهدف "11 سبتمبر"، كشفت مصادر عسكرية امريكية لمجلة "فورين بوليسي" اشتراط عدد من الدول المانحة تقديم أمريكا تخشى ضمانات ببقائها بعدم انسحاب أمريكي سابق لأوانه في سوريا، من أجل تقديم الدعم.
وبصرف النظر عن هذه الجهات المانحة، التي قد تكون السعوديّة أبرزها أو وحدها، لم يكن تذكير واشنطن بأحداث 11 سبمتبر عابراً، بل يأتي ضمن برنامج معدّ لإقناع الشعب الأمريكي بأهميّة البقاء في سوريا في مرحلة ما بعد داعش. يدرك الجميع حساسيّة 11 سبتمبر لدى الشعب الأمريكي والتي باتت منذ الرئيس جورج بوش الإبن شمّاعة تستخدمها الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتمرير أهدافها ومشاريعها السياسيّة.
ذرائع حقيقة بأسباب واهيّة
لا ينكر أحد الخطر الذي شكّله داعش، ولا يزال يشكّله، على الأمن القومي العالمي، إلى ان هذا الأمر لا يبرّر لواشنطن استخدام هذا التهديد لتمرير رسائلها السياسية. تقول إلين ديوك، وزيرة الأمن الداخلي الأميركي بالنيابة، أن الجماعات الإرهابية تتخذ الهجمات الصغيرة وسيلة لجمع المال وإبقاء الناس منتبهين إليها، لكنها تتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك إن تنظيمداعش وإرهابيين من جماعات أخرى، يخططون لاستهداف الطائرات بغرض تنفيذ هجوم كبير على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك.
وأوردت الوزيرة الأمريكية علم الاستخبارات بسعى "المنظمات الإرهابية، سواء تعلق الأمر بداعش أو القاعدة أو بتنظيمات أخرى، إلى إحداث انفجار كبير مثلما حصل في 11 سبتمبر".
بالتوازي مع التخويف الأمريكي الجديد، والذي نرى له أبعاد سياسيّة ضخمة، يروّج البنتاغون الأمريكي للبقاء في سوريا في مرحلة ما بعد داعش، رغم إداركه المسبق أن الأمر يعدّ انتهاكاً للسيادة السوريّة، وفق كافّة الأعراف القانونيّة والدولية، ويعطي الحقّ والمشروعية للجيش باستهداف القوّات الأمريكية. وفي حين سيستخدم البنتاغون ذريعة سبتمبر في الداخل، لا بدّ من ذريعة خارجيّة تبرّر له العدوان العسكري للبقاء في سوريا. وهنا يُبرز البنتاغون عبر "فورين بوليسي" أن تشارك القوات الأمريكية في أعمال إعادة البناء في مناطق مختلفة بسوريا وتحديداً المناطق التي أصبحت تحت سيطرة "قسد". ولكن أين الذريعة؟ هي إعراب البنتاغون عن خشية عدد من الدول المانحة من انسحاب أمريكي سابق لأوانه، ويطالبون واشنطن بتقديم بعض الضمانات بإنها ستبقى موجودة في الأراضي السورية كي تقدم الدعم.
لا نعتقد أن هذا الأمر مستبعداً على واشنطن، رغم وجود عقبات عدّة من بينها لجوء سوريا إلى الأمم المتحدة بدعم روسي-ايراني، خاصّة في ظل وجود استراتيجية أمريكية متشابهة بين سوريا والعراق، كشف عن شقّها العراقي الكاتب الأمريكي المخضرم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، جيمس جيفري، العارف بتفاصيل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، والذي كان سفيراً لدى تركيا (2008-2010) والعراق (2010-2012) وهي المرحلة التي شهدت الانسحاب الأمريكي من البلاد. فقد لخّص جيفري في مقالة نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قبل خمسة أشهر ونصف تقريباً الاستراتيجية الأمريكية في العراق. لا نستبعد وجود مشروع أمريكي مماثل تجاه سوريا في المضمون، وان اختلف الأمر كثيراً في الشكل.
واشنطن التي أعلنت أكثر من مرّة نيتها للانسحاب من أفغانستان، وقد ذكرت على هذه الزاوية زيف هذه الإدعاءات، وقلت حينها أنّ واشنطن ستعمد إلى تمديد ثاني وثالث، واليوم أقول رابع وخامس، تسعى حاليّاً لتبرير وجودها العسكري على الساحة السوريّة بأسباب "واهية" تهدف لإقناع الداخل الأمريكي تارةً كون هذا الحضور قد يتسبب في هجمات عسكرية تُفقد واشنطن جنودها، وأخرى لفرض إرادتها على الخارجين عنها بذريعة الربط بين الوجود الأمريكي ومنح الإعمار.
لن تقتصر الذرائع الأمريكي على إعادة الإعمار حيث ستعمد إلى خلق ذرائع داخلية تتمثّل بطلب الاكراد من القوّات الأمريكية البقاء هناك، وهو بالفعل ما قالته في وقت سابق "قوات سوريا الديمقراطية"، التي أعلنت عبر المتحدّث باسمها ، طلال سلو، قبل شهرين تقريبا إن لدى الأمريكيين استراتيجية لعشرات السنوات، وستكون هناك اتفاقات عسكرية واقتصادية وسياسية بين الإدارة الأمريكية وبين قيادات في شمال سوريا، مضيفاً: إن الأمريكيين لا يقدمون الدعم بلا مقابل، ولا ينوون المغادرة. قد لا تكفي مطالبات المكوّن الكردي لذلك، وبالتالي لا بدّ من مطالبات عربية، وهنا يأتي دور السعودية التي أرسلت وزير دولتها للشؤون الخليجية "الزعطوط" ثامر السبهان برفقة بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي، حيث التقى الجانبان قيادات كرديّة وأخرى عشائريّة. أي أن السعوديّة تتولّى إلزام العشائر بمطالبة أمريكا بالبقاء عبر محفّزات "بترودولاريّة".
وأما عن أسباب الاصرار الأمريكي على البقاء في العراق، وحالياً الشمال السوري، فتكفي الإشارة إلى أن واشنطن تسعى لتكريس حضورها العسكري على المثلّث العراقي-السوري-التركي، والذي لا يبعد كثيرا عن المثلّث العراقي-الايراني-التركي كون المكوّن الكردي هو همزة الوصل بين المثلثين، فكيف سيكون ردّ حلفاء سوريا؟ وهل سترضى تركيا بحضور عسكري أمريكي قد يفقدها وزن قاعدة "انجرليك"، فضلاً عن كونه مقدّمةلكنتون كردي على الحدود الجنوبيّة الشرقيّة؟