الوقت- إنتشرت في الأسابيع الأخيرة أخبار عن سعي تركي للتواجد في محافظة إدلب، مما يثير علامات استفهام عديدة. فما هي الأهداف التركية من خطوة كهذه؟ وما هي تداعياتها على الأوضاع في المنطقة؟
تقسم محافظة إدلب إلى خمس مناطق إدارية هي منطقة إدلب منطقة أريحا، منطقة معرة النعمان، منطقة جسر الشغور، ومنطقة حارم. مدينة إدلب هي مركز المحافظة وتبعد عن مدينة حلب 59 كم، وعن دمشق العاصمة 309 كم. يزيد ارتفاعها عن 400م فوق سطح البحر، ويبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة. تقع إدلب في الشمال السوري، تحدها تركيا من الشمال والغرب، ومن الشرق حلب، ومن الجنوب محافطة حماه، وفي جنوب غربها تقع اللاذقية. وتشتهر أيضا بجمالها وجبالها ومرتفعاتها، وتحوز على أهمية استراتيجية لأسباب عديدة منها:
1- حدودها المشتركة مع تركيا، وخصوصا محافظة هاتاي المتنازع عليها.
2- كونها نقطة وصل لحلب مع دمشق واللاذقية.
3- مرتفعاتها الإستراتيجية المطلة على حلب واللاذقية.
الأهداف
ونظرا لأهميتها الإستراتيجية، شهدت منذ بداية الأزمة السورية مناوشات بين الدولة والمجموعات المسلحة المدعومة تركيا. فقد سعت قوات الأمن التركية إلى توجيه ومساعدة تلك المجموعات عبر حضورها الدائم هناك، وفي الآونة الأخيرة تقدم الجيش أيضا إلى منطقة حارم. وتتمثل الأهداف التركية من هذه الخطوة بـ:
1- السيطرة على الأوضاع في المناطق الحدودية والعمل على منع تمدد الأزمة إلى أراضيها.
2- ومن الاهداف التركية قصيرة الأمد من التواجد العسكري في إدلب، السيطرة على الأوضاع الميدانية فيها، حيث أثبتت الأزمة السورية أن القيام بأي عمليات من قبل المسلحين أو الجيش السوري في المناطق المحاذية لتركيا، يؤدي إلى زيادة كبيرة في عدد اللاجئين إليها. وقد بلغ عدد النازحين، ثلاثة مليون نازح، وهم يشكلون ضغطا كبيرا على الدولة التركية، التي لم يعد باستطاعتها تحمل المزيد منهم.
3- الحد من التمدد الكردي عبر قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة ، والتي تقدمت بشكل ملحوظ في شرق وشمال شرق سوريا، ويخشى الأتراك من أن يتقدموا غربا، خصوصا بعد بعض التصريحات لمسؤولين أكراد كـ"سيبان حمو"، مما يشكل تهديدا لأمنهم القومي.
4- ملئ الفراغ الناتج عن الغياب القطري حاليا، فمن المعروف أن المجموعات المسلحة في سوريا مدعومة من الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات وقطر حيث تدعم الأخيرة المجموعات التابعة للقاعدة والإخوان، وبالتالي ونظرا للأوضاع القطرية الراهنة، من الممكن أن ينخفض أو ينقطع دعمها لهذه المجموعات، لذلك تعمل تركيا كونها حليفا لها على سد الفراغ المحتمل، لكي لا ترجح كفة المجموعات المدعومة سعوديا.
مواقف الأطراف من تدخل كهذا
تختلف وجهات النظر والمواقف من دخول القوات التركية إلى محافظة إدلب، وفيما يلي تفصيل لذلك:
1- الدولة السورية: منذ بداية الأزمة رفضت الدولة السورية أي تدخل تركي على أراضيها، ولطالما كانت تنظر إلى تركيا نظرة سلبية، وبالتالي إن أي خطوة كهذه سيراها السوريون اعتداءا على أراضيهم، إلا إذا استطاعت روسيا إقناعهم بذلك، وتمكنت من أخذ ضمانات جدية من الأتراك.
2- إيران: ترى إيران أن على الجميع دعم الدولة السورية للقضاء على الإرهاب، وبعد ذلك يقوم الشعب السوري بتحديد مستقبل بلاده. وبالتالي إن إيران ترفض أي تدخل تركي من شأنه تعزيز المجموعات المسلحة.
3- روسيا: تسعى الأطراف المتنازعة في سوريا إلى تقديم ضمانات لروسيا تتعلق بالحفاظ على النظام السوري الحالي والحد من دعم المجموعات التكفيرية، وذلك للحفاظ على مصالحها. وبالتالي يبدو أن تركيا قدمت ضمانات للدولة الروسية، تتعلق بدخولها إلى إدلب، إلا أن الأخيرة لازالت تتردد في ذلك على ما يبدو.
4- الولايات المتحدة الأمريكية: تعمل السياسة الأمريكية على تبديل النظام السوري، وتسعى إلى الحد من قوة إيران ومحور المقاومة، وبالتالي من الواضح أنها لن تعارض هذه الخطوة التركية، التي تساعدهاعلى حفظ علاقتها الإستراتيجية معها، وتمكن الطرفين من معالجة بعض الخلافات السابقة، حول دعم الأكراد. ومن البديهي أن تقوية الدور التركي في سوريا، سيكون سببا في تضعيف الأطرف المقابلة.
التداعيات
أما حول التداعيات، ولأن الدولة السورية وقوات محور المقاومة لن تتواجد في إدلب في الوقت الحالي(باستثناء كفريا والفوعا)، فلن يكون للموضوع أي تأثير، لكنه يمتلك رسائل مهمة للمستقبل منها:
1- الحد من النفوذ السوري ومحور المقاومة في محافظة إدلب.
2- الحصول على منطقة نفوذ دائمة عند الحدود، كما حصل شمال قبرص.
3- السيطرة على الطرق الإستراتيجية التي تربط حلب باللاذقية ودمشق، وعلى بعض المعابر الحدودية كباب الهوى في محافظة إدلب.
4- مضاعفة الدعم اللوجستي والعسكري للجموعات المسلحة المدعومة تركيا وقطريا.
في الختام، يجب القول أن أي سعي تركي للتواجد على الأراضي السورية سيتعارض مع مصالح محور المقاومة، ويؤدي إلى تطور الأزمة، وبالتالي يجب الوقوف في وجه فكرة كهذه، لأنها إذا أصبحت نمطا ثابتا ستؤدي إلى إضعاف الدولة السورية ودور محور المقاومة فيها.