الوقت- رفعت القوّة الصاروخيّة في قوات الجيش واللجان الشعبية في اليمن من مستوى ردّها على العدوان القائم منذ عامين ونيّف. الردّ العسكري هذه المرّة كان نفطيّاً، الورقة الاقتصاديّة الأقوى على الإطلاق، والتي سمحت للرياض بالتزوّد بصفقات عسكرية بمئات المليارات خلال السنوات الأخيرة.
فبعد رسالة "السيد الحوثي" نحو الإقليم التي تحدّث عنها في الخطاب الأخير، رسائل عدّة حملها صاروخ بركان -2 الذي استهدف مصافي تكرير النفط غرب السعودية بصاروخ باليستي، تبدأ بالردّ على جريمة ذبح الأسرى في موزع بتعز ولا تنتهي بمرحلة ما بعد الرياض كما أسماها الجانب اليمني.
هذه الرسائل وِجهَتُها نحو اكثر من طرف إذ لا تقتصر على الجانبين السعودي والإماراتي بل تطال الجانب الأمريكي أيضاً الذي أعطى الضوء لأخضر للرياض بالتصعيد العسكري وفق ما أوضح زعيم حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي عندما قال في خطابه الأخير أن اليمن "على أعتاب مرحلة تصعيد عسكري جديد ضد الشعب اليمني وأن ذلك يأتي بإيعاز من وزير الحرب الأمريكي عندما قدم إلى المنطقة الأسبوع الماضي حيث شدد على ضرورة التصعيد حتى نهاية العام".
الجانب السعودي، وتحديداً الأمير الشاب محمد بن سلمان حاول الهروب من فشله في العدوان نحو قطر عبر افتعال الأزمة الخليجية التي نصّبته وليّاً للعهد، إلا أن العديد من المراقبين يؤكدون أن بن سلمان، وبعد فشله في حصار قطر، سيعمد إلى الانتقال إلى ساحة أخرى، ربّما تكون هذه الساحة اليمن، أو ساحة أخرى.
الضوء الأخضر الأمريكي وطموح بن سلمان في الوصول إلى كرسيّ أبيه، بأسرع وقت ممكن ودون خلافات عائلية تعكّر صفوة التنصيب قد تدفعه للدخول في معركة الحديدة والسيطرة على مينائها، بما يعزّز أوراق بن سلمان على الصعيدين الداخلي والخارجي.
اذاً، تأتي هذه الضربة وسط استعدادات سعودية واماراتية واسعة للبدء بعملية ميناء الحديدة. هدف السعودية من هذه العملية إغلاق المنفذ الوحيد وشريان الحياة لـ١٩ مليون يمني، وبالتالي الضغط على قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية للرضوخ للشروط السعودية.
لم تتوقّف رسائل البركان اليمني عند هذا الحدّ، ففي حين ذكر بيان صدر عن القوة الصاروخية، عقب ساعات من إطلاق صاروخ بركان 2-H الباليستي على مصافي تكرير النفط السعودي في محافظة ينبع أن العمليات الصاروخية سوف تستمر في تصاعد ردا على استمرار العدوان والحصار، نصحت القوة الصاروخية الشركات الأجنبية العاملة لدى تحالف العدوان أن تحزم حقائبها وتغادر مواقعها، معلقة على محاولة الرياض التغطية على إنجاز الصاروخ وما أحدثه من خسائر بأن ما حدث كان بفعل حرارة الشمس، بالقول"نعِد العدو بأن حرارةَ الطقس التي تحدث عنها سوف يلاقيها في عز الشتاء".
مراقبون وجدوا في الصاروخ رسالة واضحة للأمم المتحدة التي أصبحت جزء من العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، بسبب مواقفها الأخيرة المبررة لمساعي السيطرة على الحديدة مقابل الرواتب.
عوداً على بدء،يعدّ استهداف مصافي تكرير النفط في ينبع (مصفاة بترول تابعة لشركة أرامكو السعودية، تقع في مدينة ينبع، وتعمل بطاقة تكرير تبلغ 250،000 ألف برميل يومياً) رسالة واضحة بأن أي خطوة تجاه الحديدة تعني استهداف مناطق ذات طابع حيوي في السعودية، هذه المناطق قد تكون على صلة بالشركات الأمريكية والبريطانية المستثمرة في النفط السعودي، خاصّة أن ما تتعرض له البلاد من ضربات يمرّ عبر الذخائر الأمريكية والبريطانية.
باختصار، رسائل المنشآت النفطية، أو تدشين مرحلة ما بعد الرياض، كما أسماها الجانب اليمني تتعلّق بالحديدة التي كانت خطّاً أحمراً روسياً عبر بوابة مجلس الأمن، إلاّ أنّها في الوقت عينه خطّ أحمر يمني قد يطال مواقع حسّاسة في الرياض أو حتّى في الإمارات التي عمل الجانب اليمني على تحييدها منذ بدء العدوان.
قوات الجيش واللجان الشعبية حاولت الضغط على السعودية عبر ورقتها الأقوى، النفط، وقد تستخدم الأسلوب نفسها مع الإمارات، أي ضرب ورقتها الاقتصاديّة الأقوى في دبي سواء ميناء جبل علي، بن راشد او غيرها من المنشآت الاستراتيجية في الإمارات. من هذا المنظار، فإن إطلاق الصاروخ البالستي الثالث "بركان 2" في العمق السعودي يعدّ إجراءاً ردعيّاً ذكيّاً من القوات اليمنية التي تمسك بحبال استراتيجية غيّرت موازين الحرب.