الوقت - يبدو ان موضوع استقلال كردستان اصبح بمثابة الورقة الرابحة التي تخدم المصالح الغربية. فمن جانب كسب الغرب امتيازات من الاقليم مقابل دعمه لموضوع الاستقلال، ومن جانب اخر عمل على مساومة الحكومة المركزية في بغداد بواسطة الاكراد.
منذ عقود والملف الكردي لايزال من أهم القضايا والتحديات التي تواجهها منطقة غرب اسيا. وفي الواقع ارتبط الملف الكردي بشكل متعاقب بالمصالح الغربية في المنطقة ولطالما استخدمه الغرب كوسيلة للضغط على الحكومة المركزية في بغداد بعد عام 2003 لكسب امتيازات اكثر.
وفي هذا الصدد قام مؤخرا رئيس الاقليم مسعود البارزاني بالاعلان عن الاستعداد لاجراء استفتاء استقلال كردستان في 25 سبتمبر 2017 وقال: ان هذا الاستفتاء ليس بمثابة الانفصال عن العراق وهو فقط من اجل استفتاء اراء الناس في هذه المنطقة الجغرافية لتكون وثيقة لدى السياسيين للمطالبة بإستقلال الاقليم.
ولم تكن هذه المرة الاولى التي يطالب فيها مسؤولو الاقليم باجراء الاستفتاء ففي عام 2014 ايضا جرت محاولات بشأن القيام بإستفتاء لاستقلال الاقليم لكن الغي هذا الامر بعد مفاوضات المسؤولين الاكراد مع الحكومة المركزية.
الموقف الامريكي والاوروبي بشأن استقلال اقليم كردستان العراق
تتلخص السياسة الامريكية في العراق بمشروع نائب الرئيس الامريكي "جو بايدن" عام 2006 الذي يسعى لتقسيم العراق الى ثلاث مناطق هي: اقليم كردستان، الاقليم السني والاقليم الشيعي. وفي الواقع ان تقسيم الدول الاسلامية يصب في خدمة امن الكيان الإسرائيلي وهذا ما تسعى له امريكا. ولكن نظرا لوجود المعوقات الكثيرة لتحقيق هذا المشروع لذلك تتلاعب امريكا بهذا الملف لتحقيق اهدافها بشكل او بآخر. والموقف الغربي تجاه اقليم كردستان ايضاً لطالما ارتبط بمصالحها وهي تتبع الحيلة في التعامل مع هذا الموضوع لتحقق مكاسب اكثر من خلال استغلال الاكراد.
لكن بشكل عام امريكا منذ عام 2003 وحتى الان تظاهرت بدعم بقاء اقليم كردستان ضمن العراق وبالرغم من وجود مطالبات في واشنطن بشأن اعادة النظر في هذه السياسة لكن السلطات الامريكية تدعم عدم تغيير خارطة الحدود العراقية وتتفق الدول الغربية في هذا الشأن مع السياسة الامريكية تجاه كردستان.
ردود الافعال بشأن الاستفتاء الاخير
واجه مشروع الاستفتاء الذي اعلن عنه البارزاني ردود افعال سلبية من قبل الدول الغربية. فقد حذر وزير الخارجية الالماني "سيغمار غابرييل" من تبعات هذا المشروع واعتبره خطوة غير صحيحة ممكن ان تؤدي الى تردي الاوضاع في بغداد واربيل معاً. كما عبرت وزارة الخارجية الامريكية عن قلقها من هذا الاستفتاء وادعت انه اجراء خاطيء في مسير محاربة تنظيم داعش التكفيري واكدت هذه الوزارة في بيان لها دعم الحكومة الامريكية لعراق ديموقراطي موحد ومستقر. كما صرح القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني اريز عبدالله: ان 18 قنصل من الدول الاوروبية عبروا عن رفض دولهم لمشروع انفصال كردستان خلال اللقاء مع المكتب السياسي للحزب المذكور.
اما الموقف الروسي ازاء الاكراد فهو معقد. تاريخيا لروسيا علاقات ودية مع الاكراد وكانت روسيا من اوائل الدول التي افتتحت لها قنصلية في اربيل. مع ذلك موسكو ترفض اتخاذ اربيل قرارا فرديا بشأن استقلال كردستان واكدت ان دعمها للانفصال يتوقف على تأييد حكومة بغداد لذلك.
اسباب مخالفة امريكا واوروبا لمشروع الاستفتاء
بشكل عام فالمتوقع من امريكا ان تدعم استقلال كردستان بحكم سياستها الرامية الى تقسيم الدول الاسلامية ومنها العراق وبمخالفتها لهذا المشروع اثارت استفهامات عدة. من جانب اخر الدول الاوروبية التي لديها تبادل اقتصادي وعسكري ممتاز مع كردستان العراق ايضا كان من المفترض ان تسير مع الاقليم في مسير الانفصال. لكن هناك بعض المتغيرات حالت دون دعم مشروع الاستفتاء ابرزها الموقف التركي الذي يعتبر وجود مايقارب 20 مليون كردي في تركيا تهديدا لأمنه. وهذه الاهمية التي تتمتع بها تركيا لدى الغرب دفع بالغرب الى التعامل بحذر مع موضوع استقلال الاقليم.
يضاف الى ذلك الدور المؤثر لتركيا في "الناتو" الذي يدعم المصالح الغربية والموقع الجيوسياسي لهذا البلد المجاور للاتحاد السوفيتي السابق في فترة الحرب الباردة جعلها تتمتع بمكانة خاصة لدى امريكا واوروبا. وفي الواقع ان امريكا بحاجة ماسة الى تركيا بشأن ادارة الازمات في المنطقة وحتى التدخل العسكري واستقرار المقاتلات الامريكية في "اينجرليك" يتطلب التنسيق مع تركيا.
وعلى هذا الاساس وبعد ان عارضت تركيا موضوع الاستفتاء بشدة ترتب على ذلك الموقف الغربي في مخالفة مشروع الاستفتاء. لكن وبالرغم من تصريح الخارجية الامريكية بمخالفة الاستقلال لكنها اعتبرته غيرمناسب في هذه المرحلة على الاقل نظرا للانشغال في محاربة تنظيم داعش ولكنها تعترف بالحق القانوني للشعب الكردي بالاستقلال وفي المقابل تدعي دعمها لعراق ديموقراطي موحد.
وبالنظر لما ذكر فمن المحتمل ان يلغى استفتاء 25 سبتمبر ويعتقد الكثير من المتابعين ان امريكا هي وراء هذا الاستفتاء لتفاجئ به الحكومة العراقية بعد تحرير الموصل ولتحسم به موضوع كركوك المحافظة التي طالبت بها اربيل لضمها للإقليم بعد تحريرها من داعش.