الوقت - تفاقمت أزمة التطرف في قرغيزستان في الآونة الأخيرة مقارنة مع الدول الأخرى في آسيا الوسطى جراء ارتفاع أعداد المبلغين السعوديين وزيادة نشاط المدارس والحركات والمنظمات الراديكالية التي تروج للفكر الوهابي الذي يحرض على التطرف والإرهاب، ما دعا الكثير من المراقبين إلى التحذير من خطورة هذه الظاهرة والتأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتطويق تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار في عموم المنطقة والعالم.
وبدأت هذه الظاهرة الخطرة بالتوسع منذ نحو سنتين عندما أصدر البرلمان القرغيزي قانوناً سمح بموجبه لمواطني دول مجلس التعاون بدخول البلاد دون الحاجة لتأشيرة دخول من أجل الارتقاء بقطاع الاستثمار من خلال استقطاب أصحاب رؤوس الأموال في هذه الدول.
وهذا القرار لم يحقق أهدافه من الناحية الاقتصادية وساهم فقط في فسح المجال للكثير من العناصر الإرهابية والمتطرفة بدخول قرغيزستان تحت عباءة الاستثمار خصوصاً الوافدة من السعودية، وبينهم العديد من المروّجين للوهابية التي هي أساس التطرف والإرهاب في العالم باعتقاد جميع المحللين والمراقبين للأوضاع الإقليمية والدولية.
وبدلاً من أن يوظف هؤلاء أموالهم لتنمية القطاع الاقتصادي في قرغيزستان استثمروها لأغراض التبليغ والترويج للأفكار الوهابية المنحرفة والمحرضة على العنف والتطرف في آسيا الوسطى عبر أنشطة قد تبدو في الظاهر اقتصادية ومالية، لكنها في الحقيقة تعمد إلى تغيير أسس التربية والتعليم بما يتناسب مع التطرف والسلفية.
وعلى أثر ذلك نمت الأفكار السلفية الهدّامة في قرغيزستان خصوصاً في مناطقها الجنوبية لاسيّما بعد أن استقطب مروّجو الوهابية إمكاناتهم المادية لإرسال الكثير من الشباب من هذه المناطق لغرض دراسة الفكر الوهابي والسلفي في عدد من الجامعات السعودية بينها جامعة "المدينة" للاستفادة منهم في نشر الفكر الوهابي التكفيري في قرغيزستان ودول أخرى في آسيا الوسطى. ومما يؤسف له أن معظم هذه البعثات الدراسية تتم دون علم الحكومة القرغيزية، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن إمكانية السيطرة على هؤلاء الشباب وما يروّجون له من فكر هدّام في داخل البلاد بعد عودتهم من السعودية.
ويهدف الوهابيون من وراء ذلك، بالإضافة إلى نشر أفكارهم الضالّة، إلى تكريس التطرف والإرهاب بين أوساط الشباب القرغيزي في المرحلة الأولى وعموم الشعب القرغيزي في المراحل اللاحقة.
ومما ساهم في تفاقم هذه الأزمة هو قيام السعودية ودول أخرى في المنطقة ببناء مدارس لترويج الفكر الوهابي والسلفي في قرغيزستان، وخير شاهد على ذلك المدرسة التي بنيت لهذا الغرض في منطقة "جلال آباد" جنوب هذا البلد. وتزامن تشييد هذه المدرسة مع بناء مسجد إلى جوارها بتمويل سعودي في نفس المنطقة. ومن المقرر أن تبنى 16 مدرسة أخرى بكلفة 30 مليون دولار لاستيعاب ما بين 150 إلى 550 طالب وطالبة في مختلف أنحاء قرغيزستان لنفس الغرض. وبرّرت الحكومة القرغيزية هذا الأمر بحاجتها لتطوير قطاع التربية والتعليم في عموم البلاد.
ولم تقف المسألة عند هذا الحد، بل سعت المدارس الوهابية والسلفية في قرغيزستان لتجنيد عناصر إرهابية وإرسالها إلى دول أخرى في المنطقة وتحديداً سوريا لتنفيذ عمليات إجرامية في هذا البلد إلى جانب الجماعات الإرهابية الأخرى. وقد تمكنت القوات السورية من اعتقال الكثير من هذه العناصر خلال العمليات التي نفذتها بدعم من القوات الحليفة ضد أوكار ومواقع هذه الجماعات.
ويعتقد أن هناك أكثر من ألفين شخص قرغيزي على صلة بالجماعات المتطرفة في الوقت الحاضر. ووفقاً للإحصائيات الرسمية سجّلت 1600 جريمة جنائية في قرغيزستان بين عامي 2010 و 2017 بسبب انتشار التطرف والأفكار الوهابية السلفية في هذا البلد.
خلاصة ينبغي القول بأن قرغيزستان ودول إقليمية أخرى باتت معرضة لخطر الإرهاب عبر دعم السعودية وغيرها للجماعات المتطرفة والسلفية، وهو ما يشكل تهديداً لكامل المنطقة الحسّاسة الممتدة من الصين إلى الشرق الأوسط مروراً بآسيا الوسطى والقوقاز وصولاً إلى روسيا، ما يتطلب تظافر الجهود واتخاذ إجراءات عاجلة والتنسيق التام بين كافة الدول التي تسعى لاقتلاع هذه الظاهرة من جذورها وإعادة الأمن والاستقرار إلى عموم المنطقة قبل فوات الأوان.