الوقت- يبدو المشهد السوري أكثر تعقيداً وأقلّ سخونة. كثرة الأطراف الفاعلة في المشهد السوري منذ سنوات، وتضارب مصالحها، جعل من الأزمة الأكثر تعقيداً، بل حقيقة صعبة الحلّ دون تراجع أحد (عدّة) أطرافها أو خسارته.
لا شكّ أن تصاعد التوتر بين السعودية وقطر، وبالتالي انقسام المحور المعادي لحل الأزمة السورية، سيلقي بظلاله على المشهد السوري بشقّيه السياسي والعسكري، خاصّة أن هذه الدول لا تعتمد سياسية تفكيك قواعد الاشتباك وحصرها في الإطار الخليجي.
شرارات المواجهة على الأراضي السوريّة قد تطّورت، ومفاوضات الأستانة قد تمّ تأجيلها إلى 20 يونيو/حزيران بسبب الأزمة الخليجية حتى لا تكون أجواؤها عرضة للتأثر بتطورات الأزمة، وقدّ تؤجلّ مرّة جديدة في حال استمرت الأزمة كما هو متوقّع، الاهتمام الإعلامي يتركّز اليوم على هذه الأزمة دون الأزمة السوريّة، ما يدفعنا لطرح جملة من التساؤلات: كيف سيؤثر الخلاف السعودي القطري على المشهد السوري ودور الجماعات المسلّحة وتلك المتواجدة في العاصمة الكازاخيّة؟ وهل سنكون أمام مرحلة اصطفافات جديدة؟
لسنا في وارد الخوض في مسألة دعم الإرهاب فكافّة الدول الداعمة للجماعات المسلّحة قد تورّطت في الأمر، كما أوضح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي أكّد أن الواقع السوري في ضوء الأزمة الخليجية "جيد ونحن متفائلون"، معتبرا أن "المهزلة التي تشهدها منطقة الخليج الفارسي توضح للجميع أننا على حق".
إن الزلزال السياسي الخليجي يستبطن هزات ارتدادية تطال الأراضي السوريّة، لتنزل برداً وسلاماً على سوريا، وناراً وشنّاراً على المشروع الأمريكي في بلاد الشام.
البعض تحدّث عن فاتورة ستدفعها الجماعات المسلّحة التابعة لأطراف الأزمة الخليجيّة باعتبارها تقوِّض الدعم الموجه إلى المسلحین على الأرض. صحيح، إلا أن التعبير الأدقّ أن هذا الزلزال هو إحدى فواتير زيارة ترامب والقمّة العربية الأمريكية، وبذلك تضاف هذه الفاتورة إلى الفاتورة الاقتصادية السعوديّة التي ناهزت الـ500 مليار دولار.
لا يستبعد خبراء ارتفاع حدّة المواجهات بين المجموعات المسلحة المرتبطة بالسعودية من جهة و بقطر وتركيا من جهة أخرى، لاسيّما أن هذه المجموعات تمتلك باعاً طويلاً من المواجهات الدامية، الأمر الذي قد يدفع بأحد الأطراف، السعودية أو قطر، لإعادة التموضع. إحدى الهزات الارتدادية الخفيفة في سوريا تمثّلت في سيطرة جبهة النصرة على مقار فيلق الشام المدعوم من قطر في ريفي حلب الشمالي و إدلب الجنوبي، فهل سنكون قريباً أمام حربٍ على الأرض السورية، تحرق ما تبقى من أخضرها ويابسها؟
وباعتبار أن الجانب التركي على خلاف عميق مع واشنطن بسبب قضيّة الأكراد، واليوم قد أعلنت السعوديّة نيّتها بناء قاعدة عسكرية في كردستان العراق ردّا على موقف أردوغان الداعم لقطر، يبدو أن تركيا، مع قطر، هي الطرف الأقرب لإجراء عملية التموضع هذه. وبالطبع، لن تكون في صالح السعوديّة وأمريكا.
وفي حال عمدت السعودية إلى مواجهة الأتراك عبر دعم الأكراد في سوريا، سنكون أمام زلزال سياسي وعسكري في المشهد السوري يكون على حساب الأكراد وجماعات السعودية المسلحة من ناحية، والجماعات المسلّحة الموالية لتركيا، والأكثر نفوذاً في الشمال السوري من ناحية أخرى.
بعبارة أخرى لم يبق للجانب السعودي أي حليف في الأزمة السورية عدا واشنطن بشكل مباشر والكيان الإسرائيلي بشكل غير مباشر، خاصّة أن الحليف المصري في الأزمة الخليجية يمتلك موقفاً مؤيداً للحل السياسي بخلاف السعوديّة. البعض تحدّث عن احتمال انعكاس الهزات الارتدادية في سوريا على الأزمة الخليجية نفسها، عبر وضع هذه الأزمة على سكّة اللاعودة وربّما الصدام الخش، إلا أنّه أمر مستبعد في ظل الظروف القائمة.
هنا لابدّ من الإشارة إلى نقطة جوهرية حيال المواقف السعودية والقطرية في سوريا، فعنوان الدوحة والرياض في سوريا يتشابهان في الشّكل، إلا أنّهما يختلفان في المضمون. فالطرفان يطمحان لدور سياسي أكبر، إلا أن قطر غير معنية بتحويل الصراع إلى طائفي أو عرقي، بخلاف السعوديّة التي تعتمد هذه السياسة منذ عقود. في الحقيقة تستخدم قطر سياسة "أنا مع الجميع" للحصول على هذا الدول، في حين أن السعودية تستخدم سياسة "الجميع يجب أن يكون معي"، ولعل هذا الأمر هو أحد بطون الخلاف السعودي القطري في كافّة الملفات، والأزمة السوريّة من ضمنها.
لقد وُضِعت الأزمة السورية على طريق الانفراج منذ انتصار حلب وما تلاه من حراك سياسي، ولعل الضربة الأخيرة للمشروع الأمريكي المتمثّلة بوصول القوّات السورية وحلفائها إلى الحدود السوريّة العراقيّة قد زادت من سرعة قطار الحل. كذلك الأمر بالنسبة للأزمة الخليجية التي ستشكّل دفع جديد لقطار الحل السياسي بسبب انشغال السعودية بأزمات بعيدة بدلاً من دعم الجماعات الإرهابيّة.
ما يمكن استخلاصه، أن السعودية تثبت مرّة أخرى أن الهمجية هي عنوان سياستها الخارجيّة، وهذا الأمر ينطبق على قراراتها تجاه قطر، في حين أن واشنطن تدأب اليوم على إدارة كافّة الأطراف الموالية لها، والمتنازعة فيما بينها، بما يخدم المصلحة الأمريكية في المنطقة.