الوقت - أشار شاعر وباحث في تاريخ إيران، إلى الجذور التاريخية العريقة لليلة يلدا، مؤكداً أن هذا الطقس القديم يرمز إلى انتصار النور على الظلام، موضحًا أن يلدا ليست مجرد ليلة احتفالية، بل تشكّل جزءًا من الهوية الثقافية المشتركة للإيرانيين وللشعوب المتقاربة ثقافيًا في المنطقة.
وقال علي أصغر حمدية، في حديث له موضحًا خلفية وفلسفة ليلة يلدا: إن كلمة «يلدا» ذات أصل سرياني وتعني «الميلاد»؛ أي ميلاد الشمس وبداية تغلّب النور على الظلام. وأضاف أن هذا العيد، المعروف أيضًا باسم «ليلة تشلة»، يتمتع بتاريخ عريق في الحضارة الإيرانية، وتشير الشواهد التاريخية إلى تسجيله في التقويم الإيراني القديم منذ العهد الأخميني، وتحديدًا في زمن داريوش الأول.
وأوضح أن طقس يلدا ينبع من المعتقدات المهرية لدى الإيرانيين القدماء، مضيفًا: كان «مِهر» أو الشمس في الثقافة الإيرانية القديمة رمزًا للنور والدفء والحياة، وكانت ليلة يلدا تمثّل محطة مفصلية للاحتفاء بانتصار الضوء على الظلمة.
وشدّد هذا الباحث في تاريخ إيران على أن يلدا لا تقتصر على الحدود الجغرافية لإيران، إذ تحييها أيضًا بلدان ومناطق ذات ثقافة مشتركة، مثل أفغانستان وطاجيكستان وتركمانستان وباكستان وإقليم كردستان العراق، تحت مسميات مختلفة كـ«تشله» أو «يلدا ياش».
وأشار حمدية إلى المصادر التاريخية قائلًا: إن أبا الريحان البيروني ذكر في كتابه «الآثار الباقية» ليلة تشلة بوصفها ليلة ميلاد النور و«الميلاد الأكبر»، واعتبرها زمن ولادة الشمس وبداية سيادتها على الظلام، وهو ما يعكس المكانة الخاصة لهذه الليلة في فكر أسلافنا.
وحول أساليب إحياء يلدا في الماضي، أوضح أن الأجداد كانوا يقضون هذه الليلة في تجمعات عائلية، يجلسون حول الكرسي، ويتبادلون القصص، ويقرأون الشعر، ويتلون «الشاهنامه». وأكد أن قراءة الشاهنامه كانت تحظى بمكانة مميزة في هذه الليلة، باعتبارها وثيقة الهوية الثقافية للإيرانيين ومرآة عميقة لثقافتهم الوطنية.
وتطرق هذا الشاعر والباحث إلى المأكولات التقليدية لليلة يلدا، قائلًا: إن المكسرات والفواكه المجففة والرمان، ولا سيما البطيخ، تُعد من العناصر الأساسية لمائدة يلدا. وأضاف أنه في الماضي، ومع غياب وسائل حفظ الأغذية، كان الناس يحتفظون بالبطيخ منذ أواخر شهر مهر داخل أكوام القش حتى يبقى صالحًا لليلة تشلة، وهو ما يعكس رمزيته الخاصة وأهميته.
وفي ما يتعلق بالمعتقدات الشعبية المرتبطة بيلدا، أوضح حمدية أن الناس كانوا يعتقدون أن تناول البطيخ في ليلة تشلة يقي الإنسان من حرّ الصيف القاسي ويجنّبه الأمراض، مؤكدًا أن هذه المعتقدات، وإن لم تكن علمية، فإنها تشكّل جزءًا من التراث الثقافي غير المادي.
وفي ختام حديثه، أشار إلى واقع هذا الطقس في الوقت الحاضر، قائلًا: رغم تغيّر أنماط الحياة، لا يزال الحراك والاهتمام بليلة يلدا واضحين قبل حلولها بعدة أيام، إذ تحييها معظم العائلات، ولا سيما في بيوت الأجداد والجدات، كلٌّ بحسب إمكاناته المادية، في دلالة واضحة على حيوية هذا التقليد العريق واستمراره في قلب المجتمع المعاصر.
