الوقت- نددت حركة أنصار الله اليمنية بقرار مجلس الأمن الدولي تمديد العقوبات المفروضة على اليمن لمدة عام إضافي، معتبرة أن المجلس تحول تدريجيًا إلى منصة لحماية المصالح الغربية بدلاً من أن يكون هيئة دولية تتولى تحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الشعوب، وفي خضم هذا الجدل المتصاعد، أكد محمد الفرح، عضو المكتب السياسي للحركة، أن اليمن لن تتراجع أمام«الضغوط السياسية الممنهجة»، وأنها سترد بالمثل على أي مساس بسيادتها أو محاولة للنيل من قرارها الوطني، وتأتي هذه التصريحات في سياق أوسع من الانتقادات التي توجهها الحركة للمجلس، متهمةً إياه بالتقاعس المزمن عن مواجهة «جرائم إبادة» في غزة، وباعتماد معايير مزدوجة عند التعامل مع القضايا الإنسانية والسياسية في المنطقة.
قرار التمديد وخلفيات السياسة الدولية
صدر قرار مجلس الأمن بتمديد العقوبات بأغلبية 13 صوتاً وامتناع روسيا والصين، فيما تضمن القرار الإبقاء على تجميد الأصول وحظر السفر على أفراد وكيانات محددة حتى نوفمبر 2026، إضافة إلى تمديد تفويض لجنة الخبراء حتى نهاية العام ذاته، هذه الخطوة أثارت موجة انتقادات واسعة من قبل أنصار الله، التي ترى أن هذا النوع من العقوبات لم يعد وسيلة للضغط المشروع، بل أصبح جزءًا من منظومة سياسية تهدف إلى إضعاف القوى المناوئة للغرب في المنطقة، وفي الوقت ذاته، ينظر المجلس إلى التمديد باعتباره ضرورة أمنية تهدف إلى تقليص قدرات أنصار الله العسكرية ومنع تدفق الأسلحة إلى اليمن، وخصوصًا بعد ارتفاع منسوب الهجمات في البحر الأحمر.
دور دولي منحاز وازدواجية معايير
اتهم الفرح مجلس الأمن بانتهاج سياسة «انتقائية» في تطبيق القانون الدولي، قائلاً إن المجلس يغض الطرف عن الحرب على غزة، وعن استمرار الحصار والمعاناة الإنسانية، بينما يتعامل بشدة مفرطة مع اليمن، وترى حركة انصار الله أن هذا التناقض يؤكد هيمنة الولايات المتحدة على عمل المنظمات الدولية، وأن القرارات المتعلقة بالعقوبات ليست سوى امتداد لسياسات عقابية تستهدف منع اليمن من اتخاذ مواقف مستقلة على الساحة الإقليمية، ولا سيما موقفه من القضية الفلسطينية، ويذهب الفرح أبعد من ذلك باتهام بعض المنظمات الدولية العاملة في اليمن بأنها انحرفت عن مهماتها الإنسانية، وانخرطت في أنشطة «تجسسية» لمصلحة "إسرائيل".
روسيا والصين… حليفان في وجه الضغوط الغربية
رحبت أنصار الله بموقف روسيا والصين واعتبرته موقفًا يعكس إدراكًا لحجم الانحياز الغربي في التعامل مع الملف اليمني، الامتناع عن التصويت من قبل هاتين القوتين يُقرأ لدى الحركة على أنه رسالة سياسية مفادها بأن العقوبات لم تعد وسيلة فعّالة لدفع الأطراف نحو التسوية، بل أصبحت إحدى أدوات إدارة النفوذ الدولي في المنطقة، وترى الحركة أن الدعم الروسي–الصيني يشكل عاملًا مهمًا في كسر ما تصفه بـ«الاحتكار الغربي» في مجلس الأمن، وأنه قد يساهم على المدى البعيد في إعادة التوازن إلى توزيع النفوذ داخل المنظومة الدولية.
تداعيات العقوبات على المشهدين السياسي والإنساني
مع مرور أكثر من عقد على الحرب في اليمن، تبدو آثار العقوبات متداخلة مع الأزمة الإنسانية التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن الأسوأ عالميًا، بينما يؤكد مجلس الأمن أن العقوبات تستهدف أفرادًا وكيانات بعينها، تقول منظمات محلية إن تأثيرها يمتد عمليًا إلى الاقتصاد اليمني، ويخلق مزيدًا من التعقيدات أمام وصول بعض الموارد المالية والتجارية.
بين الضغوط الدولية وفرص التسوية
رغم تأكيد المجتمع الدولي أن العقوبات تهدف إلى دفع الأطراف اليمنية نحو التسوية، إلا أن التجربة خلال السنوات الماضية أظهرت محدودية قدرة هذه الأدوات على خلق اختراق سياسي حقيقي، فالعقوبات -مهما كانت أسبابها أو مبرراتها- لم تنجح في وقف التصعيد العسكري أو في إنهاء الهجمات عبر الحدود، ولم تُحدث تغييرًا ملموسًا في مسار النزاع، بل يرى بعض المحللين أن استمرار هذه السياسة قد يفاقم تعقيدات الأزمة، لأن الأطراف المستهدفة تميل إلى اتخاذ مواقف أكثر صلابة كلما زادت الضغوط عليها، وفي المقابل، يشدد خبراء أمميون على أن أي مسار سلام جاد يجب أن يضمن إشراكًا حقيقيًا لكل الأطراف، بما في ذلك أنصار الله، ضمن إطار يعالج القضايا السيادية والاقتصادية والأمنية بعمق، وليس مجرد إدارة للعقوبات أو الرقابة على الأسلحة.
بين قرارات المجلس وخيارات اليمن
في نهاية المطاف، تكشف ردود فعل أنصار الله تجاه قرار تمديد العقوبات حجم الفجوة بين رؤية الحركة لموقع اليمن في المعادلة الإقليمية ورؤية المجتمع الدولي لطبيعة التهديدات في المنطقة، وبينما يراها المجلس ضرورة أمنية، تراها الحركة محاولة لتقويض سيادتها ومعاقبتها على مواقفها السياسية، ومع استمرار التوترات وتصاعد الخطاب بين الجانبين، يبدو أن الأزمة ستبقى مفتوحة على احتمالات متعددة، قد تتراوح بين التصعيد الميداني في البحر الأحمر وبين محاولات لإعادة إطلاق مسار سياسي أوسع، ومن الواضح أن أي حل مستدام يتطلب إعادة تقييم حقيقية لفعالية العقوبات، وتوفير بيئة دولية أقل انحيازًا، ومسارًا سياسيًا يأخذ في الحسبان التعقيدات اليمنية دون الافتراض أن الضغط وحده قادر على إنتاج سلام دائم.
