نتنياهو بين ضغوط الداخل وحسابات السياسة: دلالات تشكيل لجنة تحقيق غير رسمية في أحداث 7 أكتوبر
في خطوة تحمل أبعاداً سياسية وأمنية معقدة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه تشكيل لجنة تحقيق غير رسمية لبحث ظروف وملابسات ما جرى في 7 أكتوبر. ويأتي القرار في وقت يتصاعد فيه الجدل داخل إسرائيل حول طبيعة الإخفاقات الاستخباراتية والعسكرية التي سبقت الهجوم، وحول الجهة التي يجب أن تُحاسَب. اختيار نتنياهو لجنة غير رسمية وليس لجنة تحقيق رسمية يشير بوضوح إلى رغبة في التحكم بمسار التحقيق واتجاه نتائجه، بعيداً عن المسارات القانونية التي قد تضعه أو أعضاء حكومته في دائرة اللوم المباشر. ورغم أن الإعلان يحمل طابع الاستجابة للمطالب الشعبية، إلا أنه يمثل أيضاً محاولة لإعادة صياغة السردية التي ستُكتب لاحقاً حول تلك اللحظة المفصلية في تاريخ الصراع.
الأهداف التي يسعى نتنياهو إلى تحقيقها
يبدو أن نتنياهو يسعى من خلال هذه اللجنة إلى عدة أهداف، أبرزها إدارة الغضب الشعبي وتخفيف ضغوط عائلات القتلى والمفقودين الذين يطالبون بتحقيق شفاف. كما يهدف إلى تأطير النقاش العام بطريقة تتيح له تأجيل أي تحقيق رسمي قد يضع حكومته أمام مسؤوليات مباشرة. لجنة غير رسمية تمنحه هامشاً أوسع في تحديد طبيعة المعلومات التي ستُعرض للرأي العام والزمن الذي ستُعلن فيه النتائج. كذلك يحاول نتنياهو إثبات أنه لا يخشى التحقيق، لكن ضمن قواعد هو من يضعها، وبذلك يتحرك بين مسارين متناقضين: إظهار الاستجابة، والحفاظ على السيطرة. ومن الواضح أن هذا الإجراء يخدم أيضاً هدفاً سياسياً أعمق، وهو تعزيز موقعه داخل الائتلاف عبر منع أي شقوق جديدة قد تُضعف حكومته.
دوافع داخلية وضغوط خارجية
تشكيل اللجنة يأتي في سياق داخلي مضطرب تعيشه إسرائيل منذ أشهر. الشارع الإسرائيلي يعيد طرح الأسئلة ذاتها: من المسؤول؟ كيف حدث الاختراق؟ ولماذا فشلت المنظومة الأمنية والعسكرية في التنبؤ أو الرد السريع؟ ومع تصاعد نبرة الاحتجاجات، خصوصاً من عائلات الضحايا، بات نتنياهو بحاجة إلى خطوة سياسية تهدّئ الأجواء دون أن تهدد مستقبله الشخصي. في المقابل، تضغط المعارضة معتبرة أن أي تحقيق غير رسمي هو محاولة للهروب من الحقيقة. وعلى الصعيد الخارجي، تحرص الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على رؤية تحقيق موثوق يوضح مكامن القصور، ما يُضيف طبقة جديدة من الضغوط، تجعل نتنياهو بحاجة إلى خطوة تظهر جدية شكلية دون المساس بمصالحه.
الاعتراضات الواسعة على طابع اللجنة واستقلاليتها
لم تمرّ خطوة نتنياهو دون انتقادات حادة. فالكثيرون داخل إسرائيل يرون أن لجنة غير رسمية لا تمتلك صلاحيات الاستدعاء والإلزام، ولا يمكنها التحقيق مع مسؤولين كبار أو مطالبتهم بالكشف عن وثائق حساسة. هذا يعني أن نتائجها، مهما كانت، ستظل محدودة وغير قادرة على الإجابة عن الأسئلة الجوهرية. المعترضون يعتبرون أن نتنياهو يحاول إفراغ مطلب التحقيق من مضمونه، عبر تقديم نسخة مخففة منه لا تملك القوة الكافية للوصول إلى الحقيقة الكاملة. كما يرى آخرون أن القرار محاولة لشراء الوقت، ريثما تتغير الظروف السياسية والأمنية، بما يسمح للقيادة الحالية بتفادي أي اتهام مباشر أو توصيات صريحة قد تؤدي إلى استقالات أو محاكمات مستقبلية.
انعكاسات القرار على تماسك الحكومة ومستقبل المشهد السياسي
إلى جانب الجدل المرتبط بمصداقية اللجنة، يبرز تأثير هذا القرار على تماسك الحكومة الإسرائيلية التي تعاني أصلاً من انقسامات حادة بين مكوّناتها اليمينية والدينية والقومية. فبعض شركاء نتنياهو يخشون أن يؤدي فتح ملف 7 أكتوبر إلى الكشف عن قصور قيادات عسكرية أو وزارية مقرّبة منهم، ما قد ينعكس سلباً على مكانتهم. في المقابل، ترى أطراف أخرى أن التحقيق فرصة لتوجيه اللوم نحو المؤسسة الأمنية أكثر من تحميل القيادة السياسية المسؤولية. ومن هنا، يتحرك نتنياهو بين هذه التيارات المتعارضة، محاولاً منع انفراط العقد الحكومي الذي قد يقوده إلى انتخابات مبكرة. وعلى المدى الأبعد، يعتقد محللون أن طريقة إدارة التحقيق قد تُعيد رسم خريطة التحالفات داخل إسرائيل، وتجعل اللجنة عاملاً مؤثراً في مستقبل المشهد السياسي خلال المرحلة المقبلة.
خطوة تكتيكية أم تمهيد لمعركة سياسية أطول؟
في المحصلة، يعكس إعلان نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق غير رسمية مزيجاً من التكتيك السياسي وتقدير المخاطر. فهو يدرك أن أي تحقيق رسمي في هذه المرحلة قد يشكل تهديداً مباشراً لاستمراره في الحكم، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع تجاهل موجة الغضب التي تعصف بالشارع الإسرائيلي. وبين هذين القطبين، اختار صيغة تمنحه مساحة للمناورة، وتسمح له بإدارة الرواية بدل أن يكون موضوعاً لها. ومع ذلك، فإن السؤال الأكبر يبقى مفتوحاً: هل ستتمكن هذه اللجنة من امتصاص الغضب وتأجيل الحساب الحقيقي، أم أنها ستكون مجرد محطة قصيرة في طريق طويل نحو تحقيق رسمي لا يمكن تجنبه؟ الواقع يشير إلى أن ما بعد 7 أكتوبر ما زال مفتوحاً على احتمالات كثيرة، وأن السجال حول الحقيقة والمساءلة سيظل حاضراً في قلب السياسة الإسرائيلية لوقت طويل.
