الوقت- أعادت حركة حماس، في بيان حديث، مطالبتها الدول العربية والإسلامية بقطع جميع أشكال العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل ما تصفه الحركة بالتصعيد المستمر ضد الشعب الفلسطيني، ووسط توسّع مسار التطبيع في المنطقة، وقد أكدت الحركة أن التضامن اللفظي لم يعد كافياً، وأن المرحلة الحالية تتطلّب خطوات عملية تُترجم على أرض الواقع، وجاء البيان في وقت تتزايد فيه الانتقادات الشعبية والحقوقية للانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين في غزة والضفة، ما يجعل الدعوة العربية لقطع العلاقات موضوعاً يعيد فتح ملف التطبيع وأبعاده السياسية والإنسانية من جديد.
دعوة مباشرة وتصعيد في الخطاب
أشارت الحركة في بيانها السياسي إلى ضرورة «قطع كل أشكال العلاقات» مع الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة أن من شأن ذلك إرسال رسالة واضحة بأن السياسات العدوانية لن تمرّ دون ثمن سياسي، ونددت حماس بانضمام دول جديدة لمسار التطبيع، واعتبرت ذلك خطوة تمنح الاحتلال مكاسب مجانية رغم استمرار الانتهاكات، وقد سبقت هذا البيان تصريحات أخرى لقيادات في الحركة طالبت بطرد سفراء الاحتلال من العواصم العربية، والتعامل مع التطبيع باعتباره تناقضاً مع الالتزام الأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني، ويأتي هذا كله في ظل واقع سياسي عربي متباين، حيث تستمر بعض الدول في توسيع تعاونها مع الاحتلال، بينما تحافظ دول أخرى على مواقف أكثر تحفظاً.
إمكانيات الضغط العربي: قوة معطّلة
يُنظر غالباً إلى الدول العربية باعتبارها تمتلك أدوات سياسية واقتصادية قادرة على تشكيل ضغط فعلي على الاحتلال الإسرائيلي، لو تم استخدامها بصورة جماعية ومنسّقة، فتمتلك هذه الدول قدرة على إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والتجارية، وتجميد اتفاقيات ثنائية، وفرض قيود على الشركات المتعاملة مع الاحتلال، كما تمتلك قدرة دبلوماسية واسعة يمكن تسخيرها في المؤسسات الدولية لدعم التحقيقات المتعلقة بالانتهاكات وتعزيز المسار القانوني ضد الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، وتُظهر اتجاهات الرأي العام العربي، وفق تقارير ودراسات ميدانية، أن المزاج الشعبي لا يزال ينحاز بقوة إلى الشعب الفلسطيني، ما يعني أن دعم التحركات السياسية قد يجد صدى اجتماعياً واسعاً.
حسابات سياسية وأمنية مركّبة
لكن هذه الإمكانات النظرية تصطدم بواقع معقّد تتحكم فيه الحسابات الأمنية والاقتصادية والعلاقات الدولية، فعدد من الدول التي طبّعت في السنوات الأخيرة ترى أن علاقتها مع الاحتلال جزء من رؤية استراتيجية أكبر تشمل ملفات الأمن الإقليمي والتكنولوجيا والاستثمار، كما تخشى بعض الحكومات من الضغوط الدولية أو من التأثير المحتمل على علاقاتها مع القوى الكبرى، وهو ما يجعل اتخاذ قرارات جذرية مثل قطع العلاقات أمراً بالغ الحساسية، أما الدول التي ما تزال خارج مسار التطبيع، فبعضها يفضّل الحفاظ على موقع وسطي دون الدخول في مواجهة مباشرة قد تؤثر على استقرارها الداخلي أو علاقاتها الخارجية، ويبدو أن هذا التباين العربي يُضعف إمكانية تبنّي موقف جماعي صارم، رغم إدراك الجميع لرمزية القضية الفلسطينية.
بين الضغط الأخلاقي وتحريك الجمود
تحاول حماس من خلال بيانها إعادة توجيه البوصلة العربية نحو البعد الأخلاقي والسياسي للقضية الفلسطينية، وإعادة فتح النقاش حول جدوى التطبيع في ظل غياب أي تقدّم سياسي أو إنساني لصالح الفلسطينيين، وتراهن الحركة على أن الضغط الشعبي العربي، المتنامي في الأعوام الأخيرة، يمكن أن يدفع الحكومات إلى إعادة تقييم مواقفها، كما تهدف الدعوة إلى تحريك حالة السكون التي أصابت الملف الفلسطيني في عدد من العواصم العربية، وإعادة التذكير بأن استقرار المنطقة مرتبط بشكل مباشر بالعدالة للفلسطينيين، وفي الوقت ذاته، يمكن لهذه الدعوة أن تُستخدم كورقة سياسية لإحراج الدول التي تسعى لموازنة علاقتها مع الاحتلال بحد أدنى من الدعم للقضية الفلسطينية.
قرارات كاملة أم إجراءات جزئية؟
من غير المتوقع أن تستجيب الدول العربية بشكل كامل وفوري لدعوة قطع العلاقات، لكن من الممكن أن تظهر خطوات تدريجية أو جزئية لها تأثير ملموس، مثل تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو تعليق بعض المشاريع المشتركة أو اتخاذ مواقف أكثر تشدداً في المحافل الدولية، وتاريخياً، لم تكن القرارات العربية الجماعية أمراً سهلاً، لكن الإجراءات الجزئية غالباً ما لعبت أدواراً مهمة في توجيه الرسائل السياسية، وفي حال تمكنت حماس من حشد دعم شعبي وإعلامي واسع حول موقفها، فقد يدفع ذلك بعض الحكومات إلى إعادة النظر في سياساتها أو اتخاذ مواقف أكثر تحفظاً تجاه التعاون مع الاحتلال، أما على المدى الطويل، فقد تسهم مثل هذه الدعوات في إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام العربي، وخصوصاً إذا اقترنت بتحركات دولية تندد بالانتهاكات المستمرة.
في النهاية، تبدو الدعوة إلى قطع العلاقات أكثر من مجرد رد فعل نابع من حالة الإحباط الفلسطيني؛ فهي تكشف أيضاً حدود المواقف العربية الرسمية التي كثيراً ما تكتفي بالبيانات الإنشائية دون أن تُترجم ذلك إلى سياسات ملموسة، ومع أن القطيعة الشاملة قد تبدو خياراً صعباً في ظل الواقع السياسي الراهن، فإن الاستمرار في النهج الحالي لم يثبت فاعليته، بل ساهم في ترسيخ شعور فلسطيني واسع بأن بعض الأنظمة العربية تتعامل مع القضية باعتبارها عبئاً سياسياً لا التزاماً أخلاقياً، ومن هنا، فإن الحديث عن «موقف عربي جماعي منسّق» لم يعد ترفاً دبلوماسياً، بل ضرورة فرضتها سنوات طويلة من التردد والمساومات.
