الوقت- أثار قرار الولايات المتحدة وبريطانيا بإلغاء بعض العقوبات المفروضة على الجولاني قبل لقائه بالرئيس الأمريكي السابق ترامب جدلاً واسعاً على الصعيد الدولي، فالخطوة، التي جاءت بعد سنوات من إدراجه في قوائم الإرهاب، تثير تساؤلات حول معايير السياسة الدولية ومعايير محاسبة الشخصيات المتورطة في النزاعات المسلحة والجرائم الواسعة، هذا التراجع يعكس تحولاً مفاجئاً في التعامل مع شخص يعتبره كثيرون مسؤولاً عن عمليات إرهابية واسعة النطاق وجرائم ضد المدنيين في سوريا.
إن تراجع هذه الدول عن فرض العقوبات على شخصية مثيرة للجدل بهذا الحجم يثير أكثر من علامة استفهام حول دوافع القرار، هل كان الهدف من ذلك تسهيل اللقاء السياسي بين الجولاني وترامب، أم إن هناك اعتبارات جيوسياسية أوسع تتعلق بمستقبل سوريا والمنطقة؟ الأمر يشير إلى أن القرارات السياسية الكبرى غالباً ما تتجاوز الاعتبارات القانونية والأخلاقية، وتستند بشكل كبير إلى المصالح الاستراتيجية والتحالفات المؤقتة.
مسار الجولاني السياسي وتداعيات القرار
لا يمكن قراءة هذه الخطوة بمعزل عن سجل الجولاني الطويل وتأثيراته على الوضع الأمني والسياسي، فقد ارتبط اسمه منذ سنوات بالعديد من الهجمات الإرهابية ضد المدنيين، وبتحالفات مع مجموعات مسلحة أثارت الرعب في مناطق مختلفة من سوريا، هذا السجل يجعل القرار الغربي بتخفيف العقوبات أو حذف اسمه من قوائم الإرهاب أمراً مثيراً للجدل على المستوى الأخلاقي والقانوني، حيث إن العدالة الدولية تتطلب محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الإنسانية بغض النظر عن التحولات السياسية المؤقتة.
من الناحية التحليلية، يمكن القول إن خطوة الغرب قد تفتح الباب أمام إعادة ترتيب النفوذ في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. فإزالة العقوبات عن شخصية مثل الجولاني تمنحه شرعية دولية جزئية، يمكن أن تستخدم لتعزيز موقفه السياسي في مناطق معينة، وربما لتوسيع نفوذه على الأرض، هذا الأمر يضع المنطقة أمام تحديات كبيرة، حيث يمكن أن تُهمش الجهات الأخرى المعارضة لتلك الشخصيات أو تُجبر على التعامل معها رغم سجلها الإجرامي.
البعد السياسي للموقف الغربي
تدل هذه الخطوة على أن السياسة الغربية أحياناً تتجاوز القيم والمبادئ لتخدم المصالح الاستراتيجية، فاللقاء المرتقب بين الجولاني وترامب لم يكن حدثاً عادياً، بل خطوة سياسية تحمل إشارات واضحة للمشهد الإقليمي والدولي، إلغاء العقوبات قبل اللقاء يشير إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا رغبوا في تقديم هدية سياسية لتسهيل الحوار والتفاوض، ربما بهدف ضمان موقف معين في مرحلة ما بعد سقوط الأسد، أو لضمان تعاون محدود مع فصائل متنفذة على الأرض السورية.
لكن هذا النهج يحمل مخاطرة كبيرة، فهو يرسل رسالة بأن الجرائم الواسعة ضد المدنيين قد تُغتفر مقابل المصلحة السياسية المؤقتة، وهذا قد يضعف مصداقية القانون الدولي ومعايير مكافحة الإرهاب، كما يمكن أن يُستغل من قبل شخصيات مشابهة لتقديم نفسها كعنصر سياسي قابل للتفاوض، رغم تورطها في أعمال عنف واسعة ضد المدنيين.
انعكاسات القرار على المستقبل السوري
من المتوقع أن يكون للقرار انعكاسات مباشرة على المشهد السوري الداخلي، فالاعتراف الدولي الجزئي البجولاني من خلال إزالة العقوبات يمكن أن يعزز موقفه السياسي والعسكري في المناطق التي يسيطر عليها، وربما يؤدي إلى تقليص مساحة التفاوض للأطراف الأخرى، هذا الأمر يمكن أن يفاقم حالة الفوضى ويزيد من صعوبة إيجاد حل شامل للأزمة في سوريا.
علاوة على ذلك، فإن هذا القرار قد يؤثر على صورة الغرب في المنطقة، حيث يُنظر إليه على أنه يتعامل بانتقائية مع ملفات الإرهاب والعدالة، فبينما يُحاكم أو يُعاقب البعض على أفعالهم، يتم تجاهل سجل آخرين إذا كان وجودهم مفيداً في سياق المصالح السياسية، هذا يمكن أن يقلل الثقة بالدور الغربي كمحرك للسلام أو الضامن للعدالة في الصراعات الدولية.
تداعيات القرار على المشهد الإقليمي
لا يقتصر تأثير قرار إلغاء العقوبات على الجولاني على الداخل السوري فحسب، بل يمتد ليؤثر في توازن القوى الإقليمي. فمثل هذه الخطوة قد تُشجع فصائل أخرى على البحث عن مصالح سياسية عبر تحالفات مؤقتة مع القوى الكبرى، بغض النظر عن سجلها الإجرامي، كما يمكن أن تزيد من التوتر بين الدول التي ترى في هذا القرار تغاضياً عن العدالة ضد مرتكبي الإرهاب، ما قد يؤدي إلى تعزيز الانقسامات الإقليمية، في الوقت نفسه، يتيح هذا التراجع فرصة لإعادة رسم المشهد السياسي في سوريا، لكنه يطرح تساؤلات جدية حول مصداقية الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
السياسة أم المبادئ: انعكاسات رفع العقوبات عن الجولاني
قرار إلغاء العقوبات عن الجولاني قبل لقائه بالرئيس الأمريكي السابق يعكس توازناً دقيقاً بين السياسة والمصلحة الاستراتيجية من جهة، والأخلاق والقانون الدولي من جهة أخرى، الخطوة تعتبر مثيرة للجدل، لأنها تمنح شخصية متهمة بارتكاب جرائم واسعة ضد الإنسانية نوعاً من الشرعية المؤقتة، وتفتح الباب أمام إعادة ترتيب النفوذ في سوريا بعد سقوط الأسد.
من المنظور الأخلاقي والقانوني، فإن هذه الخطوة قد تُعتبر تخلياً عن المعايير الدولية لمكافحة الإرهاب، بينما من المنظور السياسي، فهي تعكس حسابات المصالح والتحالفات العابرة للحدود، في كل الأحوال، فإن المجتمع الدولي والمراقبين الإقليميين سيبقون يقظين لمتابعة تداعيات هذه الخطوة، التي يمكن أن تكون نقطة تحول في مسار الأزمة السورية وتوازن القوى فيها.
