الوقت- في اللحظات الأخيرة من يوم الجمعة، انتشر مقطع فيديو صادم على منصة «تلغرام» يُظهِر وزير الأمن القومي في الكيان الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، واقفًا أمام صفٍّ من الأسرى الفلسطينيين الممدّدين على الأرض وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، وهو يوجّه إليهم تهديدات صريحة تدعو إلى إعدامهم. ووفقًا لتصريحاته في المقطع، فإن هؤلاء المحتجزين ينتمون إلى وحدة نخبة في الجناح العسكري لحركة حماس، وقد “جاؤوا لقتل الأطفال والنساء والرضّع” داخل مناطق يسيطر عليها الكيان، وفق زعمه، وأنهم ـ رغم أنهم مُنحوا حدًّا أدنى من “الحياة” داخل السجون ـ لا يزال هناك ما يستوجب فعله: إعدام “الإرهابيين”.
كما أشار في حديثه إلى أن هؤلاء الأسرى لا يحصلون على أشياء بسيطة مثل الشوكولاتة أو المربى، هذا المشهد يأتي في وقت تتقدّم فيه في الكنيست تشريعات مقترحة تُجيز عقوبة الإعدام بحق فلسطينيين يُدانون بقتل إسرائيليين أو ارتكاب “أعمال إرهابية”، وهي تشريعات مدعومة علنيًا من نتنياهو نفسه.
تُشير وسائل إعلام عربية إلى أن لجنة الأمن القومي في الكنيست قد صوّتت بالقراءة التمهيدية لمشروع قانون يُمكّن من تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين تُصنّفهم السلطات كـ “إرهابيين”، وأُحيل المشروع للهيئة العامة في الكنيست لمناقشة التصويت عليه في الجلسة العامة، كما أشاد بن غفير بدعم رئيس الوزراء نتنياهو، وصرّح بأن “الشاباك لن تكون له صلاحية تقديرية في هذا القانون” لأن العقوبة يجب أن تكون إلزامية في الحالات المقررة، بعض وسائل الإعلام العبرية تحدثت عن أن المشروع يتضمن تعديلًا في القانون بحيث يُمكن إصدار عقوبة الإعدام بأغلبية بسيطة من القضاة، وليس بالإجماع، وأنه لا يجوز التخفيف من العقوبة لمن صدر بحقه حكم بالإعدام نهائيًا.
ردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية جاءت ساخطة، وزارة الخارجية الفلسطينية وصفت المشروع بأنه “جريمة حرب مكتملة الأركان”، واعتبرت أن التشريع يمنح غطاء قانونيًا لقتل الأسرى خارج إطار العدالة، ودعت الدول والمنظمات الدولية إلى اتخاذ مواقف عملية لوقفه ومحاسبة القائمين عليه، من جهتها، نددت حركة حماس بالمشروع، معتبرة أنه تجسيد للوجه القبيح للاحتلال واستمرارًا في انتهاك القوانين الدولية، ودعت الأمم المتحدة إلى التدخل لوقفه فورًا، وفي بيانات نادي الأسير الفلسطيني، وُصف المشروع بأنه محاولة لترسيخ “إعدام ممنهج” للأسرى، وكشف عن اعتياد الكيان في الماضي على ممارسات إعدام بطيء داخل السجون.
في الماضي، سبق أن اجتاز بن غفير حدًّا من الخطاب الاستفزازي داخل السجون؛ فقد اقتحم زنازين بعض الأسرى، ووجّه تهديدات مباشرة لهم، ما أثار انتقادات داخلية وخارجية على حدٍّ سواء، الإعلام نقل مقاطع له وهو يدخل سجنًا يضم أسرى يُصنفهم من “مقاتلي نخبة” تابعين لحركة حماس، ويعلن أمامهم أن العقوبات الأشدّ، بما في ذلك الإعدام، هي السبيل إلى الردع.
لا يمكن النظر إلى هذه الإجراءات على أنها تصرّف عشوائي، بل هي جزء من توجه تشريعي وسياسي متصاعد داخل الكيان، يسعى إلى تحويل خطاب العنف الموجَّه ضد الفلسطينيين إلى قاعدة قانونية يُحتذى بها، من الناحية القانونية، فإن الدعوات إلى قتل أسرى، بمن فيهم من لم يُحاكموا بعد، تشكّل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف التي تحمي حقوق المحتجزين، وتجرّم القتل خارج نطاق المحاكمة والعقوبات التعسفية، كما أن القانون المقترح يتعارض مع مبدأ المحاكمات العادلة وضمانات القضاء المستقل، لأنه يقترح أن تكون عقوبة الإعدام إلزامية في حالات معينة، دون خيار للقاضي أو إمكانية التخفيف أو الاعتراض.
على الصعيد السياسي، يبدو أن بن غفير يستثمر هذا الخطاب لإظهار نفسه كمن يدافع عن “أمن الداخل الإسرائيلي” بشدة، وللمساومة داخل الائتلاف الحكومي، مهددًا بسحب دعمه إذا لم تُدرج هذه التشريعات في جدول الأعمال، وهو أسلوب رفع سُمعة سياسية في أوساط يمينية متشددة، دعم نتنياهو العلني للمشروع يرسّخ أن الفكرة ليست مجرد طموح هامشي، بل إنها تلقى تأييدًا داخل أجنحة القرار.
دوليًا، فإن تشريعًا كهذا يعرض الكيان لمزيد من العزلة والضغط، ويضعه في مواجهة مع هيئات مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، التي قد تعتبر تنفيذ الإعدام بحق أسرى فلسطينيين جريمة تدخل ضمن ولاية القضاء الدولي. كما أن خطر التصعيد كبير، إذ قد تستخدم الفصائل الفلسطينية مثل هذه الإجراءات ذريعة لعمليات انتقامية أو تصعيد عسكري، مما يزيد دائرة العنف والردّ.
في ضوء هذه المعطيات، فإن ما فعله بن غفير ليس حادثًا عرضيًا أو خطأً لفظيًا متسرعًا، بل هو محاولة لتطبيع العنف داخل المنظومة القانونية الإسرائيلية، وتحويل ما كان يُمارَس كخطاب متطرّف إلى تشريع رسمي، ورغم أن تنفيذ مثل هذه الإعدامات قد يواجه معضلات قانونية ودولية، فإن مجرد وجود هذا القانون على جدول الكنيست يشكّل خطرًا على حقوق آلاف الأسرى الفلسطينيين، ويُرسّخ مفهوم أن القيد على الحقوق والكرامة قابل للتعديل بمزاج صناع القرار.
من الأرجح أن المشروع لن يُنفَّذ بالكامل على نطاق واسع في المدى القريب بسبب التبعات الدولية والداخلية، لكن وجوده وحده يُعدّ تطورًا خطيرًا، المطلوب من الفلسطينيين والدول الداعمة والمؤسسات الحقوقية تعزيز الجهود لمواجهة هذا المسار، ومطالبة المجتمع الدولي بفرض آليات مراقبة ومحاسبة، لمنع تحوّل القمع إلى قانون يُطبَّق باعتباره قاعدة، في نهاية المطاف، الحقوق التي تُسلب اليوم بأسلوب قانوني قد تفتح الباب لانهيار المبادئ الأخلاقية في النزاع، فإذا لم يُوقف هذا التوجه الآن، فقد نصحو غدًا إلى واقع مرّ لا عودة عنه.
                            