الوقت- يبدو أن الهدوء لم يكتب لسيناء المصرية منذ اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة مروراً بعهد مبارك، وليس آخراً في عهد الرئيس السيسي الذي شهد عهده صولات وجولات من الصراع بين الجيش المصري والجماعات التكفيرية، امثال "بيت المقدس" المرتبطة بتنظيم داعش الارهابي. هذا التقاتل يأخذ حالياً منحى جديداً بعد دخول القبائل السيناوية المعركة الی جانب الجيش المصري، علهما يغيران في المشهد المتأزم شیئاً او اقله تحجيم "بيت المقدس" وانهاء الحلم الاسرائيلي باقباء سيناء الخاصرة التي تؤلم مصر وتستنزف جيشها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا يستفيد الكيان الاسرائيلي من ازمة سيناء؟
وقبل الاجابة على هذا السؤال لا بد من الاشارة الى جوانب هامة تدخل في صلب الواقع السيناوي من اتفاقية كامب ديفيد الى مسالة القبائل المستجدة والتي لها من الاهمية ما يجعل سيناء في وضعها الحالي.
سيناء بين اتفاقية كامب ديفيد والحزام الامني
وفقاً لهذه الاتفاقية تم وضع قيود على انتشار القوات المصرية في سيناء، وحُدد حجم القوات والأسلحة في ثلاث مناطق في شبه الجزيرة المصرية.
عند توقيع اتفاقية السلام مع الکیان الإسرائيلي، قال الرئيس المصري انور السادات أن «حرب أكتوبر» العام 1973 هي آخر الحروب، غير أن عيد تحرير سيناء يمر هذا العام فيما الحرب لا تزال دائرة في سيناء، وإن كان الکیان الإسرائيلي ليس الطرف الآخر فيها هذه المرّة.
الأنباء الواردة من سيناء تكاد تكون محصورة اليوم في أخبار العمليات المسلحة التي تشنّها الجماعات التكفيرية ضد قوات الشرطة والجيش في شبه الجزيرة المصرية.
وبالرغم من ابتعاد سيناء عن أذرع الجماعات المسلحة التي تنشر الإرهاب، سواء في مصر أو في الوطن العربي عامة، إلا أنها، ومنذ أكثر من عام، باتت تتصدّر المشهد في العمل الإرهابي.
ويقول كثيرون ان الوضع في سيناء عائدٌ الى نص الاتفاقية التي حددت نوع وعدد الاسلحة التي ينبغي وضعها هناك بالاتفاق مع الجانب الاسرائيلي، ويذهب البعض الاخر الى القول بان الجيش المصري استخدم الاسلحة المناسبة ومنها الثقيلة كالطيران مثلاً، ولكن دون ان يصل الى نتائج حاسمة تقضي على تنظيم "بيت المقدس"، بل ادت في بعض الاحيان الى ردة فعل عكسية عن اهالي سيناء من جراء الحظر الموجود والحالة الامنية الصعبة التي ضيقت على المواطنين الذين كانو اصلاً ناقمين على سياسة الحكومات المصرية التي أهملت تلك المنطقة.
عمد الكيان الاسرائيلي من خلال الاتفاق مع مصر الى الحد من تواجد الاسلحة المناسبة وحتى تحديد عديد الجيش المصري لكي لا يتسنى للاخير تشكيل اي خطر على حدودها، ومستفيدةً من الفراغ الجغرافي على طول سيناء، مما ادى الى تنامي الجماعات الارهابية بالتوازي مع اهمال الحكومات المصرية، وجاعلة من المنطقة حزاماً امنياً خالياً من المعادين لها بل ايجاد ودعم جماعات تفتك بالجيش المصري، والا كيف يفسر قدرة جيش الاحتلال الاسرائيلي على مراقبة الحدود في الجولان عندما ارادت مجموعة من المقاومين منذ ايام الاقتراب من الخط الفاصل فاستهدفهم واستشهدوا جميعاً.
والغريب ايضاً أن الكيان الإسرائيلي صاحب أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم، والذي اعتبر وجود سيارتين لحزب الله في القنيطرة السورية وعلى بعد ۶ كلم من الحدود مع الجولان تهديداً، كيف يخفى عليه وجود هذه التنظيمات الإرهابية في سيناء رغم أن هذا الجهاز معروف بتغلغله هناك، مما يؤكد أنه وكما يستخدم الكيان "جبهة النصرة" كجيش لحد جديد على الحدود السورية، هو أيضاً يستخدم ما يسمى بـ"أنصار بيت المقدس"، التي لا تعلم وجهة بيت المقدس ولم تواجه العدو الحقيقي للأمة في يوم من الأيام، كجيش لحد جديد على الحدود المصرية، ولكن من تحت الطاولة بغية تحقيق مآربه على أكمل وجه، ولا أستغرب فرار بعض المنفذين الى الكيان، للعودة لاحقاً خدمةً للمشروع الصهيوني.
وفي سياق متصل قالت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إنه لا يوجد جيش يقف أمام الکیان الإسرائيلي حاليًا سوى الجيش المصري، الذي لم يتعرض للانهيار والتفكك مثل جيوش أخرى بالمنطقة. وأضافت الصحيفة: "هناك 4 دول بمنطقة الشرق الأوسط تعاني من التفكك؛ هي العراق وسوريا وليبيا واليمن، والأنظمة الحاكمة فشلت في فرض سلطتها وسيادتها على كل أراضي الدولة وجيوشها فقدت قوتها وقدرتها، والجيش الأكبر الذي يقف أمام إسرائيل هو الجيش المصري، وهذا الأخير وقوات الأمن المصرية الأخرى منشغلة بمحاربة الإرهاب الجهادي في سيناء ومواجهة الحدود الليبية التي تشكل تهديدًا، وهو ما تقوم بهما القاهرة بنجاح". وأوضحت أنه "علاوة على ذلك، فمنذ وصول الجنرال عبدالفتاح السيسي للحكم في مصر، زاد التعاون الأمني والاستخباراتي بين القاهرة وتل أبيب، لأن الاثنتین لهما عدوان مشتركان هما: "ولاية سيناء"، التابعة لـ(داعش) وحركة حماس في قطاع غزة".
القبائل السيناوية طرف جديد في الصراع
الجديد في ما يحصل في سيناء هو دخول بعض القبائل السيناوية على خط المواجهة بعد الحديث عن تنسيق بين عدد من القبائل والجيش المصري لمواجهة الجماعات الإرهابية. وفي خطوة قد تدخل المنطقة الحدودية الملتهبة في مرحلة من الاقتتال القبلي والصراعات المسلحة، هاجمت قبيلة الترابين، وهي أكبر القبائل البدوية في شمال سيناء، مواقع لتجمعات «ولاية سيناء» التابعة لـ «داعش»، ردا على قيام التنظيم الإرهابي، في مطلع الاسبوع الماضي، بقتل أحد أبناء القبيلة، ويدعى عبد الباسط الجلادين، بعد رفضه توزيع بيان لـ «داعش» داخل القبيلة، ومن ثم ذبح فتى يبلغ من العمر 16 عاماً، وتفجير منزل أحد رجال الأعمال من أبناء القبيلة بعد سرقة سيارته.
وقالت مصادر في قبيلة الترابين ان «القبيلة ليست في صراع مع أحد في شمال سيناء، ولكن ما قامت به (ولاية سيناء) استوجب الرد، ثأراً لكرامة القبيلة.
وأشارت الى ان اجتماعاً عقد في القاهرة بين قيادات من قبائل سيناء وقيادات من الجيش، للتنسيق بين الطرفين لمحاربة الجماعات الإرهابية في سيناء.
هذه الاحداث تذكرنا بما حصل في العراق عندما تم تأليف الحشد الشعبي، الذي استطاع مع الجيش العراقي تحقيق انتصارات هامة ادت الى تراجع الإرهابيين في كثير من المناطق العراقية، وايضاً ما حدث في سوريا بعدما ساندت اللجان الشعبية الجيش السوري مما أدی الی النتيجة ذاتها. وقد تكون هذه الطريقة الاكثر نجاحاً من الطرق الاخرى خاصة ان الجيش المصري يخوض حرب عصابات غير معروفة النهاية، والمعروف ان معارك العصابات التي يخوضها اي جيش تؤدي الى استنزاف القوات ذات النمط الكلاسيكي وهذا ما یريده الکیان الإسرائيلي بالجيش المصري.
أسباب الرغبة الاسرائيلية في استمرار ازمة سيناء
تعد نجاحات الجيش المصري مصدر قلق للجانب الاسرائيلي لعدة اسباب:
اولها: ان اي هدوء في سيناء سيعزز دور الجيش المصري ويقويه ويعيده الى حالته السابقة، بأن يبقى عدوه الاول هو الكيان الاسرائيلي.
ثانياً: حالة الاستقرار على الحدود المصرية الفلسطينية تخفف من اجراءات الجيش المصري، وبالتالي تخفيف الضغط عن حركات المقاومة في فلسطين خاصة في مجال نقل الاسلحة عبر الانفاق او الاغذية وبالتالي تخفيف الضغط عن غزة وفتح المعابر.
رابعاً: ان الهدوء في سيناء وعلى الحدود يحتم على الكيان الاسرائيلي المراقبة بنفسه لتلك الحدود من تهريب الاسلحة وبالتالي بذل جهد اضافي لدى اجهزة الاستخبارات.
خامساً: ان واقع سيناء الحالي وبفعل العمليات الارهابية والتي اتهمت بها حماس خاصة بغير حق، أوجد حالة من النفور في الشارع المصري اتجاه حركات المقاومة في فلسطين وقد ساعد على ذلك الاعلام المعادي، وهذا ما سعی اليه الكيان الاسرائيلي في ايجاد شرخ بين المقاومة وجماهيرها.
بناءً على ما تقدم فلسيناء واقع جغرافي وتاريخي مهم جداً يجعلها من الاولويات الاسرائيلية التي تسعى جاهدةً الى ابقائها تحت سيطرتها ولو بالوكالة، من اجل تشديد الخناق على المقاومة الفلسطينية وسد كل منافذ إمدادها بالسلاح والعتاد. فعندما عجزت عن ذلك بنفسها أوكلت ذلك الى الجماعات التكفيرية ضاربة اكثر من هدف في الوقت نفسه، منها إنهاك الجيش المصري، وزيادة الضغط على المقاومة الفلسطينية، وحماية نفسها.