الوقت- بعد فترة من الفتور بين السعودية وتركيا، يبدو أن هناك محاولات جديدة لرأب الصدع بين البلدين. تصدّع العلاقات بين تركيا والسعودية وصل إلى مرحلة متقدّمة بعد سلسلة من المواقف التركيّة التي تمثّلت بالتخلي عن مطلب "رحيل (الرئيس) الأسد"، ولاحقاً تجاهل السعودية في "الآستانة"، الأمر الذي تُرجم عملياً بمواجهات عنيفة بين الجماعات المعارضة التي تدين بالولاء لتركيا، وأخرى تتبع للرياض.
الاستقبال السعودي كان لافتاً حيث حضر الملك سلمان إلى مطار قاعدة الملك سلمان الجوية بالرياض ليلتقي بالرئيس التركي القادم من البحرين ضمن جولته الخليجية التي سينهيها في قطر، والباحث عن استثمارات اقتصادية جديدة للبلاد.
وأما عن الأسباب المتعلّقة بالزيارة وأبعادها، خاصّة أنّها تأتي قبل يوم واحد من انطلاق الجولة الثانية من مفاوضات الآستانة المنعقدة برعاية روسيّة تركيّة إيرانيّة وغياب واضح للسعودية، تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أوّلاً: يؤكد مراقبون أن السبب الرئيسي وراء هذه الزيارة هو كسب ود السعودية والحصول على مكاسب اقتصادية بسبب أوضاع بلاده الصعبة، مقابل تقديم جملة من المكاسب السياسيّة للأخيرة. في الواقع، إن عدم إصرار أنقرة على الحضور السعودي في مفاوضات الآستانة أحدث نوع من الشرخ في العلاقة بين البلدين، ولاسيّما في الملف السوري.
ثانياً: الشرخ السياسي بين أنقرة والرياض تُرجم عملياً على الأرض عبر مواجهات أكثر من دامية بين بين "فتح الشام" (النصرة سابقاً) وأحرار الشام المدعومة تركياّ. الشرعي السعودي لجيش الفتح عبدالله المحيسني أعلن وقوفه إلى جانب هئية تحرير الشام التي تشكلت الشهر الماضي بقيادة هاشم الشيخ مقابل حركة أحرار الشام التركية التي اتهمت الداعية السعودي بالتواصل مع قيادات الحركة للانضمام إلى هيئة تحرير الشام.
ثالثاً: يبدو واضحاً العرقلة السعودية لمسار مفاوضات الأستانة والحل السياسي للأزمة دون شرط رحيل الرئيس الأسد، خاصّة أنّها تتجنب الحديث عن جبهة النصرة كحركة إرهابية، معرقلة مسار الفصل بين مختلف التنظيمات المسلّحة، بخلاف تركيا التي تضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب. فهل سيتمخض عن هذه الزيارة تقارباً بين فتح الشام وأحرار الشام؟ وهل سيكون المحيسني السعودي عرّاب هذا التقارب؟
رابعاً: تشير مصادر مطّلعة إلى أن الغياب السعودي عن مؤتمر الأستانة ووفدها الذي يترأسه رياض حجاب زاد من حدّة الاشتباك الميداني بين الفصائل في إدلب وحلب حيث عمدت السعوديّة إلى استخدام كافّة أوراقها لعرقلة مسار المفاوضات والوصول إلى حل سلمي.
خامساً: بالتأكيد، إن أي دور تركي برغماتي جديد يتعلّق بالتقارب مع الرياض بما يعدّ تراجعاً عن مواقف سابقة صدرت في الأستانة أو غيرها، لن يكون بالمجان حيث ستحاول أنقرة جذب الرياض نحوها فيما يتعلّق بالملف الكردي. لا بد من الإشارة إلى أن وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير أكّد الأسبوع الماضي اعتبار الرياض الـ"بي كاكا" منظمة إرهابيّة، وهذا ما وجده البعض حسن نيّة تجاه تركيا.
سادساً: بطبيعة الحال، فإن السعودية التي خسرت مصر اللاعب الإقليمي الصاعد، تسعى من خلال هذا التقارب مع تركيا اللاعب البارز في الأزمة السورية إلى جانب روسيا وإيران، لتحقيق جملة من المكاسب السياسية في الملف السوري قبيل مفاوضات جنيف الشهر الجاري. بالتأكيد لن تكون أي مكاسب سياسيّة سعوديّة بالمجان، فقد صرح مسؤول تركي، أمس الاثنين، بأن حجم الاستثمارات السعودية في تركيا بلغت 6 مليارات دولار. كما أكد القنصل التركي لدى السعودية "فكرت أوزر" أن زيارة الرئيس التركي للمملكة العربية السعودية ستشهد توقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية.
لا نستبعد أن يعود المحيسني مجدّداً إلى سمفونيّة اندماج بين الفصائل المسلحة، وربّما تعمد تركيا إلى تغيير موقفها بشكل غير مباشر تجاه النصرة خشية الصدام مع روسيا. ربّما تحاول التفريق بين "فتح الشام" و"هئية تحرير الشام" التي تضمّ الأولى، إلا أن الدماء التي سالت في إدلب وحلب لن تمنح القوى السياسة هامشاً من التقارب.
باختصار، إن الزيارة التركيّة للسعوديّة ذات وجهين الأول سياسي سعودي والآخر اقتصادي تركي، حيث يحاول الطرفان رأب الصدع وتجاهل الخلافات القائمة بين البلدين، فهل سيجد كل طرف ضالّته في الآخر فعلاً؟