الوقت- التطورات في الأشهر الأخيرة في المنطقة، بدءاً من العراق وسوريا وصولاً إلي اليمن، أثارت مرة أخرى موضوع عمق النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل جديد. وفي هذا السياق تطرقت مجلة أمريكية إلي موضوع محاولة بعض الحكومات الاقليمية لاحتواء إيران، معتبرة ذلك "مهمة مستحيلة ".
حيث ذكرت مجلة "نشنال اينترست" الأمريكية أنه علي الرغم من أن الاتفاق النهائي بين إيران وP5 + 1 سيؤدي إلي حل القضية النووية الإيرانية، ولكن هذا لا يعني انتهاء نفوذ إيران في الشرق الأوسط. ووفقاً للمجلة فإن إيران هي أقوى من أن يستطيع أحد احتواءها، واحتواء إيران "مهمة مستحيلة ".
وقالت المجلة إن الجهود المبذولة لمنع إيران من الحصول على الاتفاق النووي، أدت إلي تشكيل تحالفات غير متوقعة. حيث أعلنت السعودية سراً رغبتها في التعاون مع الكيان الإسرائيلي لوقف اتفاق إيران النووي، علي الرغم من ترحيبها علي المستوي الرسمي بالتفاهم بين إيران وP5 + 1 في نفس الوقت. ولا يخفى على أحد أن بعض الدول المجاورة لإيران في منطقة الخليج الفارسي وكذلك الكيان الإسرائيلي، ليس لديها وجهة نظر ايجابية تجاه البرنامج النووي الايراني. إنهم يخشون من أن الاتفاق النووي سوف يفتح الباب أمام صداقة إيران وأمريكا وزيادة القوة الإيرانية في المنطقة وابتعاد أمريكا عن حلفائها في المنطقة .
ولكن سواء تم الاتفاق أو لم يتم، فإن إيران قوة بارزة في المنطقة. والاتفاق الشامل سيحد عملياً من تقدم وتنمية البرنامج النووي الايراني وسيتيح المجال لمشاركة ايران البناءة مع الشركاء الإقليميين والدوليين .
الدول العربية في الخليج الفارسي قلقة من أن الاتفاق النووي مع إيران يتم على حسابها ويوسّع من دائرة نفوذ إيران في المنطقة. وبالنسبة إلي السعودية تحديداً امتزجت هذه المخاوف بالتطورات الأخيرة في الشرق الأوسط والتي ليست في صالحها. فمهما كان، أصبحت إيران بالفعل القوة المهيمنة في لبنان وثبّتت موقع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ولديها سبب مبرر للتواجد في العراق .
وفي الواقع، في حين أن بقية الدول الإقليمية عجزت أمام تهديدات داعش، دخلت إيران إلي الساحة بنشاط وحاربت هذا التنظيم الإرهابي بنجاح. والتطورات الأخيرة في اليمن قد عقّدت الأوضاع في المنطقة .
إن كابوس الدول العربية المتمثل في تخلي أمريكا عنها ليس جديداً. وفي الحقيقة يزعم البعض أن هذا الأمر هو جانب هيكلي من تحالف الطرفين، ولكن الآن قد ظهر بشكل أكثر وضوحاً .
الكيان الإسرائيلي أيضاً أعرب عن قلقه إزاء الاتفاق النووي الإيراني. رئيس وزراء هذا الكيان اتهم المفاوضين الأمريكيين بالتراجع عن وقف برنامج إيران النووي. وادعى في خطابه أمام الكونغرس أن من شأن الاتفاق النووي أن يمهد الطريق لحصول إيران على الأسلحة النووية. ولكن هذه الاستراتيجية كانت مرتفعة التكاليف وقليلة الفوائد للكيان الإسرائيلي. وحالياً أصبحت العلاقة بين بنيامين نتنياهو والبيت الأبيض متوترة والفجوة بينهما واضحة بشكل متزايد .
وفي هذه الأثناء وفي الوقت الذي يركز فيه حلفاء أمريكا في المنطقة على منع حصول الاتفاق النووي بين إيران وP5 + 1 ، تواصل إيران تعزيز مكاسبها في منطقة الشرق الأوسط. والاتفاق النووي لا يضمن مكانة إيران الإقليمية، لأن إيران هي القوة المهيمنة في الشرق الأوسط الآن، وهي بلد عظيم وغني بالموارد الطبيعية وهي دولة قوية في منطقة الشرق الأوسط غير المستقرة .
إيران لديها عدد كبير من السكان أيضاً - ضعفي عدد سكان السعودية -، ولكن ربما الشيء الأهم من هذه الأمور هو أن إيران قادرة علي متابعة نهج وسياسة دولية جادة سواء داخل المنطقة أو خارجها .
وفي الساحة العراقية، بعد صعود داعش، سارعت إيران إلى الدخول علي خط المواجهة وقامت بكل ما هو ضروري لاحتواء هذا التنظيم الإرهابي .
اليوم، إيران هي الفاعل الوحيد في العراق، وفي أفغانستان، كانت السعودية واحدة من ثلاث دول اعترفت بحكومة طالبان، ولكن إيران طالبت بإبعاد طالبان من السلطة .
في الوضع الحالي، إيران لا تحتاج إلي الاتفاق النووي لتمكين وتعزيز موطئ قدم لها في المنطقة. ففي الوقت الذي يحاول فيه اللاعبون الإقليميون ضرب المحادثات النووية لإضعاف إيران عبر ذلك حسب زعمهم، تستمر إيران في تعزيز وجودها ونفوذها في المنطقة .