الوقت- تأسست العلاقة بين الجناحين السعودي والوهابي في بلاد الحجاز على جدلية العلاقة بين الدعوة والدولة، وذلك بناءً على "ميثاق الدرعيّة" الموقّع بين الملك محمد بن سعود والداعية محمد بن عبد الوهاب الذي أغدق بالفتاوى التي تشير إلى وجوب اتباع السلطان وحرمة الخروج عليه، برّاً كان أم فاجراً ما لم يأمر بمعصية الله، وفق ما ورد في "الدرر السنيّة في الأجوبة النجديّة".
"ميثاق الدرعيّة" جعل الدين رهن السلطان أو الملك، وسمح لأحفاد آل سعود بتجيير فتاوى أحفاد عبد الوهاب، أي آل الشيخ (ما عدا الشيخ عبد العزيز بن باز الذي لم يكن من ذريّة عبد الوهاب في منصب المفتي العام) لصالحهم بناءً على مبايعة الفقيه للسلطان، إلاّ أن ما صدر مؤخراً عن الهيئة العامة المَعنية بالترفيه عن السعوديين، ضمن رؤية عام 2030، تؤكد نقض آل سعود لبيعة الدرعيّة، وفق أراء المذهب الوهابي، فهل سيرد "آل الشيخ" بالمثل؟
الهيئة المعنيّة بالترفيه قدّمت قائمة طويلة بالأنشطة المختلفة في العام الجديد بما في ذلك إنشاء السينما، وإقامة الحفلات الغنائية التي تتعارض ورؤية المذهب الوهابي والمؤسسة الدينية التي تحكم البلاد مُناصفة مع القيادة السياسية، ناهيك عن بعض الفعاليات الدينية التي تقام كلّ عام.
مُفتي المملكة السعودية عبدالعزيز آل الشيخ، دعا إلى التروّي وتناول الملف بحكمة وهدوء، فهو الذي يمتلك باعاً طويلاً في الدفاع عن القرارات السياسيّة للملك، وإضفاء البعد الشرعي عليها، ليس أخرها تحذيره السعوديين من مصير مشابه لسوريا واليمن إن فكروا بالاعتراض على أوامر الملك سلمان التقشفية بتخفيض الرواتب، وقبلها وصف عاصفة الحزم بـ"الخطوة المباركة والعمل الصالح داعياً إلى مساندة الجنود المرابطين (عند الحدود اليمنية)".
لكن ما هو مقلق للحكومة وجود العديد من الأصوات الدينية أكثر تطرفاً من مثيلاتها في المدرسة الوهابيّة، وهنا قد تعمد إلى استخدام الخطاب الديني "القوي للغاية" ضد ثورة الحكومة على منظومتها الدينية، وبالتالي يتحدّث مراقبون عن تعزيز الرياض اليوم لدور مشايخ الوسط الذين يهتمون بالداخل السعودي وبعيدين عن النهج المتطرّف، إضافةً إلى تعزيز دور التيار اللبيرالي الذي يبدو فرحاً بذلك التغيير، علّه ينجح في تأسيس مجتمع مدني لا ديني.
انقسام المؤسسة الدينيّة
ما هو مرجّح اليوم أن نتقسم المؤسسة الدينية في السعودية بين اتجاهين الأول مؤيد للتغييرات المرجّحة للارتفاع تدريجياً في بلد تحكمه قوانين الشريعة الإسلامية منذ أكثر من 80 عاماً، تلك المُستمدّة من تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وآخر مخالف لها قد يقوم بردود أفعال عكسية لم تحسب لها السلطات السياسيّة حساباً.
المهمّة السعودية ليست بالسهلة، وربّما تلجأ إلى تأجيل ملف "الترفيه" إلى وقت لاحق باعتبار أن السلطات السعودية لم تنجح في التعاطي مع أزمة التطرف والتعصب داخل المملكة، لاسيّما فيما يخصّ الخطاب المتعصّب الذي قد يضع الرياض على مفترق داخلي خطير جداً. وحتى لو نجحت الرياض من محاصرة الجناح الأكثر تطرّفاً في المؤسسة الدينية، فإننا سنكون أمام مجتمع منقسم إلى ثلاثة أقسام، الأوّل مؤيد للعائلة الحاكمة، والثاني مؤيد للتيار الوهابي وهذا الشق لا يستهان به خاصّة أنّه تغذّى على "لبن" المناهج الوهابيّة التربويّة التي تحضّ على العنف والتكفير والكراهية، بناءً على أفكار كتاب "التوحيد" لمحمد بن عبد الوهاب، ليس ذلك فحسب، بل هذا الشق درس تشريع العنف والقتل في المرحلة الثانوية، فضلاً عن الجامعات التي قدّموا فيها رسائل ماجستير ودكتوراه تتضمّن بعضاً من فنون القتل و"الذبح الشرعي" للمرتدين والكفّار، وأما الشق الثالث فهو مخالف للشقين الأولين معاً، فلا يريد هذا، ولا يؤيد ذاك.
هنا تجدر الإشارة إلى أن فصل الترفيه لم يكن الأول في النقض السعودي لبيعة الدرعيّة، بل شاهدنا في الأيام الماضية خطاباً وسطياً لم نعتد عليه سابقاً، من قبيل مُعايدة "أهل الكتاب" بأعيادهم، وغيرها من الملفات التي تؤسس لنفض غبار عشرات السنين من قوقعة المجتمع تحت كتب الفقه والتوحيد الوهابيّة التي أنتجت القاعدة وبقيّة التنظيمات التكفيرية التي تضرب عالمنا العربي والإسلامي.
اليوم، تعيش المملكة حال ترقّب حيال التروّي فيما يخص الترفيه، وفي حين تنظر المؤسسة الدينيّة بحالة من الترقّب إلى ما ستؤول إليه الأمور، هناك توجّه لبيرالي مدعوم من شريحة سياسيّة وشعبية واسعة، وكذلك بعض أبناء العائلة الحاكمة على إيجاد تغييرات ثورية قد تؤدي إلى ثورة "وهابيّة" في حال فشلت السلطة السياسيّة في تطويقها. لا يستبعد متابعون للشأن المحلي، حدوث تصادم بين المؤسستين السياسية والدينية، فالمجتمع السعودي منخور حتى العظم من التطرف الفكري الذي يتغذّى بمناهج دراسيّة تحث على القتل وقطع الرؤوس، فهل يتنصّل أحفاد عبد الوهاب من بيعة جدّهم في الدرعيّة كما فعل آل سعود؟