الوقت- عندما يعلن الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصورهادي نقل الثقل السياسي للعاصمة صنعاء الى محافظة عدن كعاصمة بديلة وإعلان عدد من السفارات إعادة فتح سفاراتها هناك، فإن هذا يعكس بشكل جلي أن الرئيس الذي فُرض على اليمنيين عبر المبادرة الخليجية، إما جاهلاً بالدستور أو يريد جر البلد إلى نفق مظلم تنفيذاً لأوامر خارجية عبّدت له الطريق عبر نقل سفاراتها إلى عدن، وفي كلتا الحالتين يرسخ الرئيس المستقيل مزاعم خصومه السياسيين بأنه لم يكن أهلاً للرئاسة.
إعلان هادي الأخير يدخل الأزمة اليمنية منعطفاً أكثر تعقيداً ويقسم البلاد شمالاً وجنوباً، كما يؤكد "هستيرية" الرئيس المستقيل الذي يسعى لعزل أنصار الله وفي أحسن الأحوال تحسين شروطه التفاوضية خاصةً أنه غدا فار من الشمال، وغير مرحب به في الجنوب، ولا سبيل له إلا الإمتثال لأوامر الشقيقة الكبرى عبر جر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه.
لا شك أن قرار الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته قبل عام، لأنه أنتخب لمدة عامين وتم التمديد له من قبل الأحزاب وليس من قبل الشعب اليمني، يثير فتنة وضجة في الداخل كما أنه يؤثر على البنية الإجتماعية. وما يؤكد تبعية هادي لأجندة خارجية تريد إبقاء اليمن كحديقة خلفية هو سكوته، بل دعمه لنقل السفارات، مع إدراكه المسبق أنه ليس من حق أي دولة تأسيس أو إنشاء سفارة لها في أي دولة أخرى إلا في عاصمة الدولة التي يراد إنشاء السفارة فيها، وهذا الفعل غير المسؤول يرسخ أن هادي ليس بـ"رجل دولة".
الخطوة الخليجية بنقل السفارات الى عدن والتي مهّدت لقرار هادي، فضلاً عن كونها تتجاوز الأعراف الدبلوماسية وتعتبرسابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الثنائية بين الدول، تؤكد أن بعض دول الخليج الفارسي تتعاطى مع الشان اليمني وكأنه غير ذي أهمية قياساً على نظرتها العامة لليمن كحديقة خليفه لا تستدعي الإلتزام بأي أعراف دبلوماسية أو إحترام للعلاقات الثنائيه بين كيانيين معترف بهما دولياً من ناحية، وكذلك تؤكد صحة الأنباء التي يتم تداولها حول سعي هذه الدول لتفكيك اليمن وإعادته الى ما قبل الوحدة وربما إلى ما أبعد من ذلك.
دستورياً، يدرك هادي جيداً أن قرار تغيير العاصمة رمزيا ليس أكثر ولا يتعدى إطار الحبر على الورق، لأن ذلك يتطلب تعديل الدستور الذي ما زال ينص على أن صنعاء هي عاصمة البلاد، وتنص المادة (157) من الدستور اليمني على أن مدينــة صنعــاء هـي عاصمـة الجمهوريــة اليمنيــة، كما أن صلاحيات نقل العاصمة تعود الى السلطة التشريعية أي البرلمان الذي يحق له إجراء تعديلات على مواد الدستور بموجب مقترح من الرئيس كون إسم العاصمة ورد في مادة دستورية ولا يمكن مخالفتها.
أما على الصعيد السياسي، يسعى هادي لنيل ثقة الجنوبين بعد هروبه من صنعاء عبر بعض "المجاملات" التي لا تسمن ولا تغني من جوع كإرجاع بيت الرئيس علي سالم البيض أو إعطائه بعض المناصب لقيادات من الجنوب، لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر فقد إعترض الجنوبيون على قرار هادي الغير دستوري كما جددت قيادة "المجلس الوطني الأعلى للنضال السلمي لتحرير واستعادة دولة الجنوب" رفضها المطلق لإعلان عدن عاصمة لما وصفتها بدولة الاحتلال اليمني وحذرت سلطات الاحتلال من الاقدام على ذلك، كما وصف بيان المجلس الرئيس هادي برئيس دولة الاحتلال اليمني واكد رفضه وعدم الترحيب بهادي في عدن أو في أي مدينة جنوبية.
اذاً قرار هادي السياسي ليس له غطاء شرعي ولا دستوري ولا قانوني ولا شعبي، وتوصيفه لصنعاء كعاصمة محتلة يعد خطأ "مميتا" لأن المحتل لا بد أن يكون أجنبياً وليس واحداً من أبناء البلد.
عوداً على بدء، كما أخطأ هادي في قرار إستقالته التي هدفت للضغط على أنصار الله وفرض الأقاليم الستة، وقد زاد طينته بلة بالعودة عن الإستقالة والدعوة لنقل الحوار إلى عدن ومن ثم إلى الرياض، يخطئ أيضاً اليوم في هذا القرار الذي يسلبه ما تبقى من أنصار على الساحة الداخلية في اليمن من ناحية، ويخالف نص الدستور وبالتالي يحيله إلى المحاكمة وفقًا لقانون اتهام ومحاكمة شاغلي السلطة العليا من ناحية اخرى، لذلك على الرئيس المستقيل العودة إلى صوابه والتصرف بحكمة ووطنية لأن مستقبل اليمن بيد اليمنيين أنفسهم ولا مكان لأتباع الخارج وأصحاب "الخيانات العظمى" في خريطة اليمن الجديد.