الوقت- تكذب امريكا عندما تقول أنها تحارب "تنظيم داعش الارهابي", بل تعمل وفقاً لخطة شبيهة بافغانستان، ولكن قراءة متأنية لواقع المنطقة ومجريات الأحداث فيها تؤكد أن ما تفعله أمريكا ليس هدفه القضاء على طفلها المدلل "داعش الارهابي"، فلن تستغني عن خدمات هذا الوحش المتطرف التي زرعته شوكة في ظهر العالم الاسلامي، بل تسعى من خلاله الى تمزيق المسلمين والمنطقة بعد ان عجزت عن ذلك بوسائلها التقليدية, وجعله فزاعة بوجه الجميع حتى الدول المتآمرة معها.
فما كتبته الاقلام الصحفية في الاونة الاخيرة عن دعم امريكا لداعش الارهابي لم يات من فراغ انما هو حقيقة الواقع المر, وهذا ماتحدثت عنه صحيفة « « the tribune التابعة لنيويورك تايمز في مقالة نشرتها مؤخرا" بتاريخ 28/1/2015 تحت عنوان "تصريحات مثيرة للاستغراب" والتي تناولت فيها دعم امريكا لتنظيم داعش الارهابي في كل من سوريا والعراق, متحدثة عن مبالغ ضخمة من الاموال دفعت للتظيم بالاضافة الى التدريب وتسيهلات انتقال الدعم الذي يعتمد عليه التنظيم.
داعش باكستان
فليس جديدا ما طرحته الصحيفة حول دعم امريكا لتنظيم داعش الارهابي لكن الجديد في الموضوع هو المعلومات التي اوردتها بما يتعلق بباكستان فبحسب الصحيفة في ۲۳ يناير/ كانون الثاني ۲۰۱۵ كشفت السلطات الباكستانية، عن اعتقالها "يوسف السلفي"، مسؤول «داعش الارهابي» في مدينة لاهور "( ثاني ) مدن البلاد مع اثنين من مساعديه، مشيرة إلى أنهم كانوا يعملون على تجنيد شباب باكستانيين للقتال في سورية, واعترف السلفي أثناء التحقيقات أنه كان يحصل على التمويل و التوجيه من الاستخبارت الأمريكية لتشغيل التنظيم في باكستان وتجنيد الشباب للقتال في سوريا.
وقالت الصحيفة ان يوسف السلفي قد التقى وزير الخارجية الامريكي جون كيري خلال الزيارة التي قام بها الاخير الى اسلام اباد, بالاضافة الى اللقاء الذي حدث بين السلفي وبين قائد القيادة المركزية الامريكية الجنرال "لويد اوستن" في العاصمة الباكستانية.
مضيفة" ان السلفي اعترف ايضا" انه كان يعمل مع شريك باكستاني أخر وهو "امام مسجد" على تجنيد اشخاص يتم تدريبهم على الاراضي الباكستانية لارسالهم الى سوريا مقابل الحصول على 600$ شهريا" وكل ذلك تحت نظر وكالة الاستخبارات الامريكية.
وفي معرض انتفاضها لسياسة امريكا قالت الصحيفة ان امريكا كانت تدين انشطة داعش الارهابية في مكان, وفي مكان أخر تعمل على تدريبهم وتمويلهم في باكستان لارسالهم الى سوريا, وكان من المفروض تبديد الانطباع لدى الراي العام حول تمويل داعش الارهابي ودعمها لكن ما تقوم بها امريكا مغاير للواقع مع ضربها التنظيم الارهابي في العراق دون سوريا واللافت بحسب الصحيفة كان خطاب الرئيس اوباما حول احتواء داعش الارهابي وليس الانتهاء منه وهذا ما يعزز الشكوك حول نشأة هذا التنظيم.
وفي سياق متصل قالت صحيفة Global Research Newsletter الروسية الناطقة بالانكليزية, "أن هناك معطيات تكشف العديد من الجوانب المثيرة للقلق بشأن عمليات داعش الارهابي في سوريا, وخاصة قدرتهم على الانتقال من باكستان تحديدا" الى سوريا من خلال عضو حلف شمال الاطلسي تركيا، ثم الفرار والعودة مرة أخرى، اضافة الى عدم اعتماد التنظيم على العائدات النفطية من الحقول السورية التي استولى عليها اوالفديات التي ياخذها مقابل الرهائن، وانما من السيل الهائل من الاموال والمعدات والافراد التي يتم تزويده بها عبر تركيا.
هذه المعطيات تؤكد ان الادارة الامريكية وبعض دول المنطقة هي المصدرالتي انتجت هذا المخلوق الوحش خدمة لمصالح التقسيم و التفتيت, و بهذه الطريقة تکون امريكا انتقلت من سياسة خوض المعارك بنفسها الى سياسة خوض المعرك عبر الوكلاء.
عيون المراقبة الامريكية "انتقائية"
إن الاحداث التي يشهدها العالم وخاصة الشرق الاوسط لا يمكن التصديق ان الاجهزة الاستخبارية الامريكية لا تعلم بها, فالقنبلة التي فجرها ادوارد سنودن حول التجسس الامريكي في العالم الذي طال اصدقاء امريكا قبل اعدائها, ماهي الا غيض من فيض التجسس ذاك. فعيون امريكا الاستخبارية في المنطقة تراقب كل شئ, من تنقل الافراد الى الاموال حتى وصلت بها الحال مراقبة الاتصالات في كل دول العالم. كيف يمكن لامريكا ان ترصد قبلا حركة الاموال التي كانت ترسل الى القاعدة من السعودية وغيرها, ولا يمكنها رصد التحويلات الخاصة بداعش الارهابي, فمن المؤكد رصد تلك التحويلات التي تتم عبر حدود امريكا الالكترونية (تحويل الاموال عبر الانترنت تمر جميعها بامريكا) مع عدم اتخاذ اي اجراء ضدهم، وعطفا على ذلك ماذكرته صحيفة در شبيغل الالمانية في صيف عام 2010، بعد كشفها وثائق سرية تابعة للاستخبارات الامريكية تتضمن معلومات عن كيفية تتبع التدفقات العالمية للنقود وتخزين المعلومات في قاعدة بيانات قوية. مستشهدة بتحويلات مالية بقيمة 50000 $ (37500 €)، لرجل اعمال في الشرق الاوسط وكانت هذه التحويلات تتم من حسابه الى حساب اخر داخل منطقة واحدة.
اذا" كيف يمكن رصد مبلغ صغير وداخل بلد واحد, ولا يمكن ملاحقة ملايين الدولارات التي ترسل من بلدان صديقة لامريكا, او عبر دولة عضو حلف شمال الاطلسي التي لها الباع الطولى فيه.
وعليه فان امريكا لا تريد القضاء على التنظيم مستفيدة من النتائج السلبية لانتشاره في العالم الاسلامي والعربي. وأن كلا من امريكا نفسها وأقرب حلفائها في المنطقة المحيطة بسوريا هي متواطئة بشكل مباشر في التمويل.
امريكا تبني جيش التنظيم منذ العام 2007
لقد اعتمدت امريكا سياسة استخدام الجهاديين اجل انهاك وضرب اعدائها مستفيدة من الايديلوجية المشبعة بالعنف لدى هؤلاء, منذ حرب افغانستان عبر ما يعرف بالعرب الافغان, الى سوريا منتجة" جيشا من المرتزقة تحارب به كل الدول والمنظمات المتحررة من سيطرتها, وهذا ما ذكر عام 2007 في مقالة الصحفي سيمور هيرش الحائز على جائزة "بوليتزر" الذي تحدث عن سعي أمريکا انشاء جيش من الجهاديين منذ عهد ادارة بوش التي "قررت العمل على تقويض إيران، ذات الأغلبية الشيعية، لإعادة تكوين أولوياتها في الشرق الأوسط وإضعاف حزب الله، المنظمة الشيعية التي تدعمها إيران من خلال تعاونها مع السعودية السنية" وكل ذلك عبر تعاون مشترك وعمليات سرية . وكان محصلة هذا التعاون الامريكي السعودي انشاء ودعم المجموعات السنية المتطرفة التي تعتنق رؤية متشددة للإسلام و معادية للشيعة في العالم ومتعاطفة مع القاعدة .
ويضيف الكاتب(سيمور هرش) "فمن الواضح، أن الفترة الممتدة بين العام 2007 حتى 2015 حيث تآمرت امريكا و السعودية والكيان الاسرائيلي علنا من اجل انشاء وتسليح جيش إرهابي لخوض حرب بالوكالة ضد سوريا وإيران، مضيفا" ان تلك الفترة الزمنية انتجت هذا الجيش وقد تجلى أخيرا باسم "الدولة الإسلامية او داعش " مع تمويل كامل، وأسلحة، واعداد هائلة من المقاتلين الذين يتدفقون من وعبر أعضاء حلف شمال الأطلسي،
جذور التنظيم تاريخيا"
حرصت امريكا على دعم الجماعات المسلحة، منذ الحرب الأفغانية-السوفييتية فأنشأت معسكرات تدريب في باكستان، وجنَّدت خلال عشر سنوات (1982-1992) قرابة 35 ألف جهاديّ من 43 دولة إسلامية؛ للقتال في صفوف الجهاد الأفغاني. ”ودفعت الـ CIA ثمن الإعلانات التي ظهرت في الصحف والنشرات الإخبارية في جميع أنحاء العالم لتوفير الإغراءات وتقديم المحفزات للانضمام إلى الجهاد”.
ففي عام 1979 جندت وكالة الاستخبارات المركزية مؤسِّس تنظيم القاعدة، ورجل الفزع الأمريكي، أسامة بن لادن، في بداية الحرب الجهادية، التي حظيت برعاية أمريكية ضد أفغانستان. كان عمره حينها 22 عامًا، وتلقى تدريبًا في مراكز تدريب حرب العصابات التابعة لـ CIA . ولم يكن تنظيم القاعدة هو الذي يقف وراء هجمات 11 سبتمبر 2001، بل استخدم الهجوم كذريعة لشن حرب ضد أفغانستان باعتبارها دولة راعية للإرهاب، وداعمة للقاعدة. وكان لهجمات سبتمبر دور فعال في صياغة “الحرب العالمية على الإرهاب”.
ولم يكتمل المسلسل الامريكي لتفكيك الدول عند عتبة افغانستان والعراق بل تعداه الى الدول التي تعتبر حجر عثرة في وجه المشاريع الامريكية مثل سوريا, لذلك اعيد رص صفوف هؤلاء الارهابيين بمساعدة تركيا وحلف شمال الأطلسي تحت ما يسمى ب “داعش” و”النصرة” منذ بداية التمرد السوري في مارس 2011.
ولم يكتفوا بهذا الحد بل سعوا الى اوسع حملة تجنيد لآلاف المتطوعين المسلمين من دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي للقتال إلى جانب المتمردين السوريين، ولذلك عمدت القيادة العليا التركية بإيواء هؤلاء المتطوعين، وتدريبهم، وتأمين مرورهم إلى سوريا, على ان يقوم الناتو بمنح المتمردين أسلحة وخاصة" تلك المضادة للدبابات”- ديبكا، 14.
وبالفعل هكذا حصل فاعتمدت تركيا الشريان الحيوي للارهابيين في سوريا الذي يمدهم بالمال والسلاح الاطلسي والمقاتلين الذين انضووا تحت مشروع الجهاد العالمي الامريكي. وتزامنا "مع ذلك افرجت السعودية عن السجناء المحكوميين بالاعدام شريطة الانضمام الى مرتزقة “داعش الارهابي”.
ولم يتوقف الامريكيون عند هذا الحد ففي تقرير لشبكة CNN ، 9ديسمبر2012 ذكرت فيه ان متعهدو العقود العسكرية مع البنتاكون دربوا الإرهابيين على استخدام الأسلحة الكيماوية، ليصار بعدها الى اتهام الجيش السوري بضرب المدنيين بالكيمائي مما يعطي ذريعة لاعداء دمشق للقيام بضربات جوية تكون حاسمة في كسر ظهر النظام في سوريا ما يعطي الارهابيين فرصة للانقضاض عليه.
لذلك كله فالحرب التي تقودها امريكا ضد داعش الارهابي مجرد كذبة كبرى.
وما ملاحقة “الإرهابيين الإسلاميين”، وشن حرب وقائية في جميع أنحاء العالم، لـ”حماية الوطن الأمريكي”، سوى ذريعة لتبرير أجندة عسكرية..
“داعش الارهابي” صنيعة المخابرات الأمريكية، وأجندة واشنطن لـ“مكافحة الإرهاب” في العراق وسوريا تتمثل في دعم الإرهابيين.
ولن يستمر ظهور هذا الوحش الا لوقت تكون فيها قد مزقت العالم العربي وان لم يتمزق تكون قد جهزت دواعش جدد يعلم الله كيف يكون الحال عندئذ.