الوقت - كلمة شهيرة لرئيس الوزراء اللبناني الأسبق سليم الحص يقول فيها في لبنان الكثير الكثير من الحرية ولكن لا ديمقراطية. فيحق لأي مواطن كان أن يُعلن رأيه جهارا نهارا فيتظاهر ويقطع الطرقات وقد يشتم الدولة من أعلى الهرم نزولا وكذلك الأحزاب والتجمعات والقوى الفاعلة على الأرض. ولكن الكلام الذي قد يصدر والمطالبات تبقى رهينة القرار السياسي وبازار المساومات بين مختلف قوى الفساد التي تتحكم بالبلاد والعباد.
وجديد موضة الفساد اللبناني ما طالعنا به وزير الصحة وائل أبو فاعور مؤخرا حيث أعلن في مؤتمر صحفي أن فريقا من مراقبي وزارة الصحة كان قد أجرى فحوصا على سبع عينات من القمح الموجود في إهراءات مرفأ بيروت وذلك بتاريخ 12/02/2016 ليتبين أن 4 عينات من أصل 7 غير مطابقة للمواصفات حيث بلغت نسبة الاوتراتوكسين 15 ميكروغرام في الكيلوغرام، بينما المعدل المسموح هو 5 ميكروغرام في الكيلو الواحد. وأضاف ابو فاعور أنه بتاريخ 24/02/2016 أخذ الفريق نفسه 24 عينة من دفعتي قمح، 12 عينة من كل دفعة وبعد اجراء فحص الاوتراتوكسين تبين أن هناك دفعة مطابقة للمواصفات وأخرى أتت نتائج 5 عينات غير مطابقة بنسبة 26 ميكروغرام من الاوتراتوكسين في الكيلوغرام.
وحسب أبو فاعور فان هذا الأمر خطير للغاية لأن الاوتراتوكسين عبارة عن سموم فطرية مسرطنة وزيادة نسبها قد تؤدي إلى نشوء خلايا سرطانية كما أنها من مسببات داء الزهايمر. مؤكدا أن الأمر ليس عابرا أن تبلغ النسب في عينات القمح أرقاماً تتراوح بين 11 و14 و17 و26 ميكروغرام في الكيلو. مشدداً على أنه من المطلوب اتخاذ اجراءات لضمان أن القمح الذي سيدخل لبنان مطابق للمواصفات بما أن الدفعات السابقة قد انتشرت ويتعذر ضبطها، أما عن امكانية أن يكون للتخزين دور في ذلك فقد أكد أبو فاعور أن هذه المواد موجودة في القمح من المصدر. وعن المصدر فقد أشار في معرض إجابته عن اسئلة الصحافيين بأنه وبعيدا عن السياسة فان القمح الأمريكي أتى مطابقا والقمح الروسي غير مطابق.
بدوره أعلن وزير الاقتصاد "الان حكيم" عن تفاجئه بما قام به وزير الصحة حيث كان من المقرر أن يجمعهما لقاء بحضور وزير الزراعة "أكرم شهيب" للتباحث في الموضوع ولكن أبو فاعور حسب قول حكيم أجل اللقاء ليفاجأ الجميع بعقد مؤتمر صحفي يحمل الكثير من المغالطات حول المعلومات التي قدمها. مؤكدا أن ما جرى ليس سوى دعاية اعلامية لأبو فاعور. أما حول القمح غير المطابق للمواصفات فقد أكد أنه أوعز في وقت سابق لفريق من وزارة الاقتصاد لأخذ عينات وفحصها في معهد البحوث الصناعية وهو المختبر الأول والأهم لدى الدولة اللبنانية وقد أتت النتائج سلبية إذ لا مواد مسرطنة في العينات المفحوصة، كما أن كل دفعات القمح التي تدخل لبنان تخضع لفحوص دقيقة في بلد المنشأ للتأكد من مطابقتها المعايير العالمية المنصوص عليها في اتفاقية الـ"GATS" والتي تؤكدها منظمة التجارة العالمية. متسائلا هل نقبل بنتائج مختبر صغير في الفنار أم بنتائج معهد البحوث الصناعية. مضيفا ولو فرضنا وجود هكذا مواد فهل نشر الهلع والخوف بين المواطنين هو الحل لهذا الموضوع أم أن السبل القانونية هي التي يجب أن تتبع.
هذا وقد انعكس هذا الخلاف على أجواء جلسة الحكومة الأخيرة حيث هاجم حكيم أبو فاعور متهما اياه بالشعبوية واستخدام المواطنين من أجل الدعاية لنفسه. فرد أبو فاعور متهما حكيم بأن تصرفه طعن بالظهر، مما دفع برئيس الحكومة تمام سلام إلى الدعوة للقاء يجمع الوزراء الثلاثة المختصين أي "الصحة" "الاقتصاد" و"الزراعة" لحل الأزمة والتأكد من وجود هذه المواد في القمح.
نعم هذه هي السياسة والحرية التي يتحدث عنها الرئيس الحص، فكل شيئ في لبنان هو مادة للتسييس والاتهام والاتهام المقابل. فحتى لقمة الخبز التي يتناولها الشعب اللبناني أصبحت موضوع بحث وجر وتقاذف مسؤوليات بين المعنيين. فبدل أن تتضافر الجهود للبحث عن حلول لأزمات الناس الاقتصادية والمعيشية تقوم الدولة بإلهاء الرأي العام بهذه المهاترات دون أن تجد الحلول الناجعة للكوارث التي تتهدد صحة اللبنانيين من الخبز إلى اللحوم مرورا بأنهار النفايات كلها ملفات سرطانية تتآكل البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للبنان.