الوقت- يحبذ الرئيس الامريكي "باراك اوباما" تشبيه الشرق الاوسط بمدينة كبيرة غارقة في الفساد يسيطر عليها القتلة ويشعل "جوكر" فيها النيران قائلا ان "جوكر" هو تنظيم داعش، وقد استخدم اوباما هذه التعابير في مقابلته الاخيرة مع مجلة اتلانتيك مشبها الاوضاع في الشرق الاوسط بفيلم "فارس الظلام" وهو فيلم فيه بطل اسمه الرجل الوطواط، لكن اوباما اراد القول ان امريكا لم تعد ترغب بلعب دور الرجل الوطواط.
ويقول "اوباما" ان على حلفاء امريكا ان يتعلموا الاعتماد على ذاتهم قائلا ان بعض حلفاء امريكا في الخليج الفارسي وكذلك في اوروبا كانوا يريدون جر امريكا الى خلافات طائفية طاحنة لاتمت بصلة بالمصالح الامريكية.
وربما هذه ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها "اوباما" عن استراتيجية الانطواء على الذات في السياسة الخارجية الامريكية لكن الصراحة التي استخدمها "اوباما" في هذه المقابلة قليل الحدوث، فقد تكلم "اوباما" بصراحة عن عدم التدخل العسكري في سوريا وعدم الاصطدام مع روسيا في اوكرانيا والخطأ في دعم الهجوم على ليبيا وعدم الرغبة في التدخل العسكري في الشرق الاوسط وهنا يمكن القول ان تصريحات "اوباما" تظهر نهج السياسة الخارجية لهذا الرئيس الذي يريد تجنب التدخل في شؤون الآخرين.
ان السياسات الخارجية للبيت الابيض ابان فترة حكم الرئيس الامريكي السابق "جورج بوش" كانت مبنية على تفسيرات وسياسات المحافظين الجدد وهي سياسة كلفت امريكا كثيرا لكن "اوباما" الان يعتقد ان الانتشار الواسع للمنظومة العسكرية والامنية الامريكية سيؤدي الى انهيار هذا البلد ولذلك نرى ان الرئيس الامريكي الحالي يريد اصلاح هذا النهج.
ويشدد "اوباما" في خطاباته دائما ان امريكا يجب ان تبقى "نجمة هداية" لكل من يبحث عن الحرية، اما "هنري كيسنجر" يقول في كتاب الدبلوماسية ان هناك اتجاهين في امريكا، الأول يريد امريكا كنجمة هداية والثاني يريدها كـ "مبلّغ" يجب ان يزيد قدراته باستمرار على الساحة الدولية وفي مجال السياسة الخارجية، ان اصحاب الاتجاه الاول يؤكدون على تعزيز الديمقراطية في داخل امريكا ويحبذون ان تلعب امريكا دور نجمة الهداية لبقية العالم فيما يدعو اصحاب الاتجاه الثاني الى قيام الحكومة الامريكية بلعب دور في الترويج للافكار والقيم الامريكية في العالم، وهنا يجب التأكيد ان كلى الفريقين يريدان خدمة المصالح الوطنية الامريكية لكن هناك خلاف بينهما حول الاسلوب الأنجع للوصول الى هذا الهدف.
ويقول "اوباما" في مقابلته مع مجلة اتلانتيك ان على امريكا ان تبذل كل جهدها لتنقذ نفسها من المستنقع الدامي في الشرق الاوسط والذي ليست فيه اي مصلحة امريكية بعد الان لتستطيع امريكا التركيز على اماكن فيها أمل اكبر وسرعة في النمو مثل آسيا وامريكا الجنوبية، لكن السؤال هو هل ان الرئيس الامريكي المقبل الذي يتسلم مهامه بعد فترة وجيزة سيستمر في اتباع سياسة اوباما التي كانت مماثلة لسياسات بعض الرؤساء الامريكيين في السابق؟ وهل ان من يخلف "اوباما" سيسعى الى وضع قناع الرجل الوطواط مرة اخرى على وجه امريكا ام انه سيتابع سياسة اوباما في الانطواء على الذات؟
واخيرا يجب القول انه من الممكن ان يكون اوباما يريد صنع صورة عن نفسه مخالفة لصور الرؤساء الامريكيين الآخرين لينفرد عن الباقين ويظهر نفسه كشخص اراد اصلاح السياسات الامريكية الخاطئة.