الوقت - انکشف غبار المعرکة الانتخابية الأهم في تاريخ تونس,وانكشف معها جدل كبير في الداخل التونسي بحيث تباينت ردود أفعال التونسيين عقب إعلان نتائج الإنتخابات الرئاسية، بين معبرا عن سعادته أملا في تحسين الأوضاع، ومعربا عن خشيته من انتكاس الثورة, اما خارجيا "فلقد اتى الرد سريعا" بالترحيب بهذه النتائج التي نصبت الباجي القائد السبسي رئيسا" لتونس لمدة خمس سنوات.
وتعد هذه الانتخابات نهاية الانتقال الديمقراطي في تونس الذي بدأ بعد الثورة التونسية وسقوط نظام زين العابدين بن علي وتعتبر أيضا" أول انتخابات رئاسية بعد إقرار دستور تونس 2014 الجديد تكون نزيهة وديمقراطية وشفافة ومتعددة الأحزاب.
فقد جرت هذه الانتخابات على دورتين فاز في الدورة الأولى الباجي قائد السبسي بنسبة 39.46% والمنصف المرزوقي بنسبة 33.43% بعيدا عن بقية المترشحين, اما نتائج الدورة الثانية اسفرت عن تقدم الباجي قائد السبسي على منافسه المنصف المرزوقي بفارق 10 في المئة،بحسب ما أعلنته «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» بصفة رسمية, ليصبح السبسي (88 عاماً) أول رئيس منتخب بعد «الثورة».
اذا" تكون تونس قد طوت صفحة من تاريخها السياسي بعد هذه الانتخابات, لتبدأ بحسب مراقبين مرحلة جديدة سيکون السبسي فيها امام تحديات جمة ابتداء من الملف السياسي و الاقتصادي الی الملف الامني الذي قد يواجه فيه مشاکل عديدة.
ففي المشهد السياسي حیث معالم حکومة السبسي المرتقبة باتت شبه واضحة؛ سيكون حزب النهضة خارج الحكم، بحسب ما أكد أكثر من مرة مسؤولون كبار في حزب نداء تونس. فالحزب الفائز نسج تحالفات سمحت له توفير الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة من دون النهضة. إن حزب نداء تونس بحاجة إلى 109 مقاعد من أصل 217 لتشكيل الحكومة، فاز بـ 86 مقعداً، ثم تحالف مع أحزاب عدة، وفي مقدمها الاتحاد الوطني الحر الذي حصل على 16 مقعداً، وحزب آفاق تونس الفائز بـ 8 مقاعد، وحزب المبادرة الذي نال 3 مقاعد. ولكن العقدة الغامضة المثيرة للجدل تتعلق بمنصب رئاسة الوزراء، فهل سيرشح نداء تونس قيادياً من حزبه ويكون بذلك قد أحكم قبضته بشكل مباشر على السلطات الثلاثة في البلاد؟ أم سيفسح المجال أمام قيادات حليفة له، ليبدد قلق الخائفين من عودة النظام الشمولي؟ وسط هذه المعادلات يحضر الحديث عن خيارات النهضة، تحديات كثيرة تفرض نفسها على الحركة الإسلامية، منها المشاكل الداخلية الكبيرة التي تعاني منها وخصوصاً بعد استقالة أمينها العام حمادي الجبالي، ودورها في المرحلة المقبلة، وإذا ما كانت ستستطيع تشكيل جبهة معارضة وازنة إذا ظلت الحسابات كما هي، وأقصيت عن السلطة, بالاضافة الى المعارك السياسية المنتظرة مع المرزوقي الذي اعلن عن تاسيس حركة جديدة تهدف الى "منع عودة الاستبداد." هذا داخليا", اما خارجيا" فهناك تحديات قد یواجهها الرئيس المنتخب, أهمها إعادت ترتیب علاقته مع دول المنطقة, وخاصة مع سوريا وما يترتب عليه من اثار سياسية.
أما علی الصعيد الاقتصادي فتقول مراجع اقتصادية إن مهمة السبسي ستصطدم بصعوبات كثيرة لتحسين الوضع العام وان مهمته ليست مستحيلة أبدا",مشيرة ايضا" إلى أن هناك عوامل إيجابية يمكن أن يستفيد منها السبسي وكذلك الحكومة التي سيشكلها حزبه "نداء تونس" الفائز في الانتخابات التشريعية. أبرزهذه العوامل هي نجاح المسار الانتخابي والرئيس الجديد و مدة عمل الحكومة المنتخبة القادمة التي ستمتد إلى خمس سنوات وهي فترة كافية نسبيا للشروع في إجراء إصلاحات جوهرية على المستوى الاقتصادي. الى ذلك فإن هناك ملفات عاجلة يتعين على السبسي والحكومة القادمة أن يعملا على معالجتها هي إنعاش الاقتصاد, جذب الاستثمار, دفع التنمية والتحكم في الأسعار وغيرها.
وأخيرا على الصعيد الامني الذي يعتبر من الملفات الكبيرة التي سيواجهها السبسي ,فعليه اولا" إعادة الأمن إلى البلاد بعد حالات الاغتيال التي طاولت العديد من القيادات التونسية والتي تبنتها منظمات جهادية التي هددت بمواصلة الاغتيالات وزعزعة الاستقرار في تونس. ثانيا" مواجهة صعود داعش الذي يضم عدداً كبيراً من التونسيين في صفوفه والذي تبنى في فيديو اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي. ثالثا" والاهم هو أن آلاف المقاتلين التونسيين المتواجدين في سوريا وليبيا قادرون على التسلل إلى تونس عبر الحدود من أجل شن هجمات مسلحة وهذا ما قد يشغل الحكومة التونسية عن ملفاتها الاساسیة. كلها ملفات شائكة ستتضح معالمها وتاثيراتها على الحكم الجديد في الايام المقبلة.