الوقت- ليس الخلاف على تسليح الجيش اللبناني، فهو من الأمور شبه المتفق عليها، فقد سبق المسعى اللبناني فيما يتعلق بالهبة السعودية، هبة روسية في العام 2008 في عهد وزير الدفاع المر والتي وقفت بوجهها آنذاك امريكا وعارضتها، هذه الهبة كان من المقرر أن تشمل 10 طائرات من نوع ميغ 29، أما بخصوص ايران فهي لطالما ابدت استعدادها في مساعدة الجيش اللبناني ولكن كان الرفض الأمريكي وأعوانه سيد الموقف. الحاجة اللبنانية لتسليح الجيش تكمن بضرورة الحصول على امكانية في التصدي للكيان الاسرائيلي بوجه اعتداءاته وتجاوزاته، والحاجة لدفع خطر الجماعات الإرهابية عن لبنان، لكن السؤال المطروح لطالما كان كالتالي، من يسلح الجيش ولماذا؟ وهل سيشهد الجيش یوما تصله اعتدة وأسلحة مناسبة لمواجهة التحديات؟
في معرض الإجابة عن السؤال المطروح حول من يسلح الجيش ولماذا، نعرض سلسلة من النقاط كالتالي:
أولاً: الهبة السعودية جاءت في سياق الحديث بين عبدالله بن عبد العزيز وسعد الحريري عن السبب الذي يمنع الجيش من الوقوف بوجه المقاومة في لبنان بخصوص تحركها في سوريا لمنع الإرهابيين من الإنتقال بمشروعهم إلى لبنان، وبغض النظر عن صحة دعوى الحريري من أن الجيش اللبناني لا يمتلك الإمكانيات لذلك متجاهلاً تنسيق الجيش والمقاومة في ملف الدفاع عن لبنان سواء بوجه الجماعات الإرهابية أو الكيان الاسرائيلي، فإن الهبة كانت رد عبدالله باستعداده منح لبنان الثلاث مليارات دولار لتزويد الجيش. بناءً عليه فإن الهبة مشروط الإستفادة منها بما يقف بوجه تطلعات الشعب اللبناني، ولما يخدم المشروع الإرهابي التكفيري. في مقابل هذه الهبة لا نرى ممانعة غربية طالما أنها وضعت في النصاب الذي يرمو إليه المشروع الغربي الإستعماري. ومع هذا بقيت الهبة كلاماً في الهواء لم يتحقق منها شيئاً، بل المطلوب نسيانها.
في المقابل فإن الهبة والمساعدة التي طرحتها ايران، والإستعداد الإيراني بمد الجيش اللبناني بما يحتاجه من وسائل ومعدات واسلحة لمواجهة التحديات لا شروط عليها ابداً، وهي لم تأتِ الاّ في سياق المسعى اللبناني للحصول على الدعم والإمكانات لا غير. ولأن هكذا هبة من شأنها أن تعطي دعماً وقوة حقيقية للبنان، وتضع الجيش اللبناني في موقع المستعد للمواجهة والوقوف بوجه العدو سواء الاسرائيلي أو الجماعات الإرهابية، ولأن هذا الإستعداد من شأنه أن يفشل المشروع الغربي الإستعماري الذي لا يريد قوة تقف في وجه مشروعه، فإن المعارضة بدت واضحة حتى أن الرغبة في الذهاب إلى النقاش حول الهبة كان مرفوضاً.
ثانياً: الهبة السعودية للبنان والتي لم تبصر النور كانت مشترطة بشراء الأسلحة من فرنسا لا غير والتي تعتبر صفقات الأسلحة فيها من أغلى الأسعار، وبالتالي فإن البعض ذهب لإعتبار أن الهبة هدية سعودية لفرنسا في سياق السياسة السعودية بفتح اسواق تصريف السلاح الغربي في مقابل تمتين علاقاتها معه وكسب الرضا والحماية منه. كما أن الخلفيات التي كانت وراء افساد هذه الهبة من عجز في الموازنة السعودية نتيجة السياسات الخاطئة إلى الخلافات الحادة داخل العائلة الحاكمة على مختلف القضايا، تعكس أن مثل هكذا هبات انتفاعية بإمتياز من جهة ولا ترتكز على ثوابت وأصول، فجواب العائلة الحاكمة في قبال عدم ايفائها بمنح الهبة كان بالقول أنه مرتبط بالمانح وكأنه اشارة إلى موت المانح وبالتالي الهبة دفنت معه. كما وأن الهبة السعودية للبنان والتي لم تبصر النور إنما جاءت في سياق البحث عن وسائل ممكنة لتلميع صورة الحريري بعد أن فقد كل الخيارات من اثبات نفسه في لبنان.
في المقابل فإن ايران في الفترة التي كانت تشهد أصعب الظروف الإقتصادية لجهة الحصار الذي فرض عليها نرى أن الهبة كانت حاضرة وما بعد رفع الحصار لا تزال اليد لتقديم المساعدة ممدودة، وهذا إن كان يعكس فهو ثبات الموقف والخيارات والرؤية الواضحة من أن طرح موضوع المساعدة والهبة الإيرانية للبنان مرتبط بالتحديات التي يواجهها لبنان والجيش اللبناني، وتأتي في ظل القلق والمسعى اللبناني والبحث عن مانح لجيشه وتعزيز امكانياته.
وهل سيشهد اليوم الذي تصل الجيش اللبناني اعتدة وأسلحة مناسبة لمواجهة التحديات؟
بناءً على وجود شروط ورؤية سعودية ومن وراءها أمريكية اسرائيلية حول تسليح الجيش اللبناني، فمن المستبعد أن تبصر أي هبة من هذا الطرف للجيش اللبناني، وإذا ما كان من مساعدات فهي التي ستأتي بلا شك في الإطار الذي سينتزع من لبنان وجيشه مزيداً من حقوقه وبالتالي مصادرة قراره، أما الهبة الإيرانية فلا مجال لها للنجاح وهي المتطلعة إلى خيارات الشعب اللبناني وجيشه، والموضوعة في سياق الحاجة والضرورة التي يستشعرها الجيش اللبناني ويطلبها، لكن الجدير ذكره ما صدر مؤخراً من سلامة رئيس الوزراء اللبناني من أن لبنان لا يمانع قبول المساعدة من ايران في سياقها الذي لا يفرض شروطاً. هذا ما يأتي في أجواء من الإستياء اللبناني حيال منهج السعودية وخصوصاً فيما يتعلق بموضوع هبة ال 3 ملیار التي لم تبصر النور.