الوقت- في ظل الصراع المستمر والمعقد في قطاع غزة، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب إقليمي مهم أثار جدلاً واسعاً بسبب دورها الذي يُعتبره كثيرون مناقضًا للمواقف التقليدية. إذ لم تكتفِ أبوظبي بدعم الكيان الصهيوني سياسيًا، بل تضافرت جهودها على توفير دعم أمني وتنظيمي لعناصر تُصنّف على أنها مرتزقة يعملون لصالح الاحتلال داخل القطاع. هذا الدور يمس جوانب متعددة من الصراع، ويثير تساؤلات حول أهداف الإمارات الحقيقية ومنافعها من وراء هذا التورط. سنتناول في هذا المقال تفسير دور هؤلاء المرتزقة، العمليات التي يقومون بها، وأسباب دعم الإمارات لهم، بالإضافة إلى استشراف مستقبل السياسة الإماراتية في غزة.
المرتزقة كأداة تشغيلية في غزة: ما الذي تقوله المصادر؟
تقارير صحفية ويمنية نقلت عن مصادر أمنية أن عددًا من الضباط الإماراتيين المنتشرين في محافظات يمنية مثل شبوة والریان غادروا إلى قطاع غزة في مهام تراوحت — وفق المصادر — بين التدريب وإدارة مجموعات مسلّحة تعمل ضد فصائل المقاومة. هذه الروايات تشير إلى نمط عمل اعتمدته أبوظبي سابقاً في ساحات أخرى، حيث خُصصت أطر تدريبية وإدارية لوكلاء محليين أو أجانب بدل نشر قوات نظامية مباشرة. من ناحية المصادر، الهدف العملي هو تجهيز وحدات قادرة على العمل الميداني وفقاً لمتطلبات الطرف المتعاقد أو الحليف، مع إبقاء بصمة الدولة الرسمية أقل ظهوراً. إن صحّت هذه التقارير، فإن استخدام ضباط لتنسيق أو «تشغيل» هذه المجموعات في غزة يضع علامات استفهام حول خط الفصل بين العمليات الاستخباراتية والدعم اللوجستي المباشر من جهة، وبين المشاركة في أعمال قتالية أو إدارة حملات عن بعد من جهة أخرى. أبوظبي عادةً ما تنفي أو تتجنّب الإدلاء بتصريحات مفصّلة حيال مثل هكذا اتهامات
دور المرتزقة الإماراتيين في غزة
وفقًا لتقارير متعددة، تُرسل الإمارات ضباطًا أمنيين وخبراء تدريب إلى غزة لتولي مهام تنظيم وتدريب مجموعات داخلة في أطر مرتبطة بالكيان الصهيوني، بهدف إضعاف المقاومة الفلسطينية. هؤلاء المرتزقة المكلفون بإدارة وحدات مسلحة غير نظامية يقومون بعمليات استخباراتية وتحريضية، ويعملون على زعزعة الأمن الداخلي عبر إثارة الفتن ونشر الفوضى بين السكان. التدريب والأساليب التي ينقلها الضباط الإماراتيون ترتكز على أحدث تكتيكات الحرب غير التقليدية، ما يعزز قدرة هذه المجموعات على مواجهة الفصائل الوطنية. إذ بدا واضحًا أن أبوظبي تسعى من خلال إدارة هذه الشبكات إلى المساهمة مباشرة في الصراع، بما يتوافق مع مصالح التحالفات السياسية والأمنية التي تربطها بإسرائيل.
المنافع الاستراتيجية للإمارات
تسعى الإمارات من خلال دعمها للمرتزقة إلى تحقيق مكاسب استراتيجية عدة. أولًا، يعزز هذا الدعم نفوذها الإقليمي ويضعها كشريك رئيسي في الملف الفلسطيني والمعادلات الإقليمية، مما يقوي موقعها التفاوضي مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وأوروبا. ثانيًا، توفر السيطرة على هذه الشبكات فرصة لرصد تحركات المقاومة ومنع توسع نفوذها، ما يشكل عنصر أمان حيوي لمصالح أبوظبي. ثالثًا، تتيح هذه السياسات للإمارات توسيع علاقاتها معالكيان الصهيوني، لترسيخ تحالف استراتيجي يتضمن تبادل معلومات وأعمال مشتركة تفيد الجانبين اقتصاديًا وأمنيًا. علاوة على ذلك، تسهم المشاركة في الملف الفلسطيني في تحسين صورة الإمارات كدولة مركزية في الأمن والاستقرار بالمنطقة، رغم الانتقادات.
تأثير المرتزقة على الوضع الداخلي في غزة
يدفع الوجود الفاعل لعناصر مدعومة إماراتيًا إلى تفاقم الأزمات داخل غزة، إذ تُنذر هذه المجموعات بزيادة الفرقة الداخلية وتقويض الوحدة الوطنية. يواجه السكان المدنيون ضغوطًا متزايدة نتيجة تصاعد أعمال التجسس والتعاون مع الاحتلال، ما يؤدي إلى تراجع الثقة بين المواطنين والفصائل. المجتمعات المحلية ترى في هذه المرتزقة تهديدًا مباشرًا لمقاومتها ولحقوقها الوطنية، ما يخلق حالة من الحقد والاحتقان الشعبي تجاه الإمارات وحلفائها داخل القطاع. التوترات المستمرة تعزز ظروف عدم الاستقرار السياسي، وتعيق جهود المصالحة والإنقاذ، وتزيد من معاناة القطاع المحاصر.
المستقبل والديناميكيات السياسية
من المتوقع أن يستمر النفوذ الإماراتي في غزة مع محاولات توسيعه عبر تشكيل مجموعات مسلحة وسياسية قادرة على النفوذ داخل القطاع. الإمارات تسعى لأن تكون قوة محورية في إعادة إعمار غزة وإدارة ما بعد الحرب، مستغلة تحالفاتها مع الكيان الصهيوني والغرب لتعزيز مكانتها. لكن هذه السياسات تواجه تحديات جمة، إذ قد يؤدي انكشاف الدعم لهذه المرتزقة إلى انتقادات حادة وعزلة سياسية، بالإضافة إلى رد فعل شعبي فلسطيني قوّي، ما يوجب على أبوظبي الحذر في موازنة مصالحها مع تبعات التدخلات الأمنية الخطيرة. المستقبل يحمل احتمالات معقدة لإمكانية إعادة تشكيل مشهد المقاومة وسياسات الصراع بالقطاع.
في النهاية،يلعب دعم الإمارات للمرتزقة في غزة دورًا حاسمًا في تغيير ميزان القوى وإدارة الصراع الداخلي، لكن هذا الدعم يأتي بثمن اجتماعي وسياسي مرتفع. من خلال هذه السياسات، تحقق أبوظبي منافع استراتيجية تتعلق بتعزيز نفوذها السياسي والأمني، لكنها تواجه في المقابل أزمات شعبيّة تتحدى مشروعها في غزة والمنطقة. إن نجاح أو فشل هذا الدور الإماراتي سيكون له آثار بعيدة المدى على مستقبل السياسة الإقليمية، وعلى العلاقات الفلسطينية-الإماراتية، وعلى مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل عام. تبقى الاستراتيجية الإماراتية محط أنظار المراقبين في ظل استمرار الصراعات والتغيرات السياسية في الشرق الأوسط
 
                            
 
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
     
            
            
            
         
                
                
                
             
                     
                     
                         
                         
                         
                 
                 
                 
                 
             
             
             
            