الوقت- في قلب الحرب الدامية على غزة، حيث تتساقط القنابل على المدنيين وتُهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها، خرجت قصة إنسانية غير متوقعة من بين الركام، بطلها القائد الفلسطيني يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في غزة، الذي اتخذ قرارًا أنقذ حياة رهينة إسرائيلية تُدعى شاني بيباس.
الحدث لم يكن مجرد تفصيل صغير في مجريات الحرب، بل تحول إلى رمز أخلاقي وإنساني قلب الرواية الإسرائيلية رأسًا على عقب، وأثبت أن المقاومة التي يصورها الغرب كـ"إرهاب" قادرة على إظهار إنسانيةٍ لا توجد حتى في سلوك المحتل.
إنقاذ شاني بيباس.. رسالة إنسانية وسط النار
حين انتشرت أنباء عن أن يحيى السنوار أمر بإنقاذ حياة الرهينة الإسرائيلية شاني بيباس، وهي أم شابة كانت أسيرة لدى فصيل مسلح في غزة، شكك الكثيرون في الخبر بدايةً. لكنّ الأدلة والشهادات أكدت لاحقًا أن القرار كان حقيقيًا، وأن السنوار تدخّل شخصيًا لإيقاف عملية قد كانت ستنتهي بمقتلها.
القصة لم تكن مجرد "رحمة" عابرة، بل موقف مبدئي يعكس فلسفة المقاومة التي تؤمن أن الصراع مع الاحتلال لا يلغي القيم الإنسانية. السنوار، الذي يعيش مطاردًا ومهددًا بالاغتيال في كل لحظة، أصرّ على أن تُعامل الرهينة الإسرائيلية بما يليق بإنسانيتها، رغم أنها تمثل عدوًا بالمعنى العسكري. بهذا التصرف، قدّم السنوار صفعة أخلاقية مدوية لجيش الاحتلال الذي يقصف المستشفيات ويقتل الأطفال بحجة "الدفاع عن النفس".
المقاومة التي لا تفقد إنسانيتها
حين يُقارن هذا الموقف بمجازر الاحتلال في غزة، يصبح الفرق شاسعًا بين من يدّعي التحضر ويمارس الإبادة، وبين من يُتهم بالإرهاب لكنه يحمي امرأة من العدو لأنها بشر.
لقد أظهر السنوار – ومعه قادة المقاومة – أن البطولة ليست فقط في إطلاق الصواريخ أو مواجهة الدبابات، بل في التمسك بالقيم الإنسانية حتى في أشد لحظات الحرب قسوة.
حماس، التي لطالما تعرّضت لحملات تشويه إعلامية غربية، استطاعت من خلال مثل هذه المواقف أن تفرض نفسها كقوة مقاومة أخلاقية قبل أن تكون عسكرية. لقد تحولت في نظر الملايين حول العالم إلى رمز للكرامة الإنسانية، والدفاع عن الأرض، والتمسك بالحق مهما كان الثمن.
قادة يصنعون الأسطورة
لم يكن يحيى السنوار وحده من رسم هذه الصورة، بل إلى جانبه قادة كبار جسّدوا معنى الصمود حتى الرمق الأخير. من محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، الذي أصبح أسطورة في التخطيط العسكري والمواجهة الميدانية رغم إصاباته العديدة ونجاته من محاولات اغتيال لا تُحصى، إلى مروان عيسى، ورائد سعد، وأحمد الجعبري الذي استشهد بعد أن قاد صفقة شاليط التاريخية.
هؤلاء القادة يعيشون تحت القصف والتهديد الدائم، ومع ذلك لا يغادرون مواقعهم، ولا يتخلون عن مبادئهم، ويواصلون القتال حتى لو اضطروا لاستخدام عصا في وجه دبابة، كما قال أحد المقاتلين في تسجيلٍ مؤثر من أنقاض خان يونس. إنهم يمثلون جيلًا من الرجال الذين لم يرضخوا للهيمنة ولا للمساومات، والذين يرون في المقاومة حقًّا طبيعيًا وواجبًا مقدسًا.
البطولة التي لا تُشترى
ما يجعل هذه الشخصيات ملهمة هو أنها لا تبحث عن المجد الشخصي أو المناصب. السنوار نفسه يعيش في السر منذ سنوات، لا يظهر في وسائل الإعلام، ولا يملك رفاهية "الزعامة التقليدية".
بطولته تُقاس بقدرته على التحمل والبقاء في الميدان، وعلى اتخاذ قرارات صعبة تحت النار، وعلى حماية أبناء شعبه في وجه آلة حرب لا تعرف الرحمة.
حين أنقذ السنوار حياة الرهينة الإسرائيلية، لم يكن بحاجة إلى التصفيق أو الدعاية. فعل ذلك لأنه يرى في الإنسانية مبدأ لا يمكن التفريط به حتى مع العدو. هذه الرسالة وحدها جعلت الملايين في العالم العربي والغربي يعيدون النظر في رواية الاحتلال التي تصوّر المقاومة كقوة ظلامية.
العالم أصبح يرى الحقيقة
في الأشهر الأخيرة، ومع تراكم صور المجازر الإسرائيلية في غزة، بدأ الرأي العام العالمي ينقلب. الجامعات الغربية تشهد احتجاجات غير مسبوقة دعماً لفلسطين، والفنانون والمثقفون يتحدثون علناً عن ازدواجية المعايير الغربية.
في خضم هذا التحول، جاءت قصة السنوار لتدعم الصورة الجديدة للمقاومة الفلسطينية: مقاومة تدافع عن حقها لكنها لا تفقد أخلاقه. لقد رأى العالم أن من يُتهم بـ"الإرهاب" يحرص على حياة رهينة إسرائيلية، بينما من يدّعي "التحضر" يدفن مئات الأطفال تحت الركام.
وبين هذين المشهدين، انحازت الضمائر الحرة إلى الحقيقة: أن العدالة ليست في القوة، بل في الموقف الأخلاقي.
حماس... رمز للصمود والحق
اليوم، لم تعد حماس مجرد فصيل فلسطيني، بل أصبحت في نظر شعوب كثيرة رمزاً للكرامة والحرية والإنسانية.
رغم الدمار والحصار والتجويع، ما زالت تقاتل وتفاوض وتحافظ على وحدة مجتمعها الداخلي. وفي كل مرة يحاول الاحتلال كسرها، تنهض من جديد، لتثبت أن القضية ليست قضية جغرافيا، بل قضية هوية وكرامة ووجود.
إن القادة الذين يسيرون على نهج السنوار يدركون أن الصراع مع الاحتلال ليس فقط عسكريًا، بل قيميًا وأخلاقيًا. فحين يقتل الاحتلال الأطفال في المستشفيات، يثبت أنه فقد إنسانيته، وحين تنقذ المقاومة حياة رهينة، تُثبت أنها ما زالت تحمل روح الإنسان الحر.
البطولة في زمن القسوة
قد يختلف الناس في السياسة، وقد تتباين المواقف حول أساليب المقاومة، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن في غزة اليوم رجالًا يصنعون التاريخ. رجالًا يواجهون الطائرات بصدورهم، والجوع بالعزيمة، والموت بالأمل. رجالًا يثبتون أن البطولة ليست في السلاح وحده، بل في الإيمان بعدالة القضية، والتمسك بالحق حتى النهاية.
إن ما فعله يحيى السنوار ليس حادثة معزولة، بل تعبير عن جوهر المقاومة الفلسطينية التي لا ترى تناقضًا بين الصمود والرحمة. فمن يناضل من أجل الحرية لا يمكن أن يتخلى عن إنسانيته، ومن يقاتل من أجل الحياة لا يمكن أن يقتل لمجرد الكراهية.
الإنسانية أقوى من السلاح
لقد أنقذ السنوار حياة رهينة إسرائيلية، لكنه في الحقيقة أنقذ شيئًا أكبر من ذلك بكثير: أنقذ صورة الإنسان الفلسطيني أمام العالم. أثبت أن في هذا الشعب – رغم الجراح والدمار – روحًا لا تنكسر، وأن المقاومة ليست مشروع موت كما يروّج العدو، بل مشروع حياة وعدالة وكرامة. وفي زمنٍ غابت فيه القيم، يظل أمثال يحيى السنوار ومحمد الضيف وغيرهما من قادة المقاومة رموزًا للبطولة النقية التي لا تُقاس بالانتصارات العسكرية فقط، بل بالثبات على المبدأ حتى آخر نفس.
إنهم يقاتلون لأجل الأرض، لأجل الحق، لأجل العرض، لأجل كل معنى للإنسانية، وحتى لو لم يبقَ في أيديهم سوى عصا في وجه الاحتلال، فإنهم سيظلون واقفين، مؤمنين بأن النصر في النهاية لمن يحمل الحق لا لمن يملك القوة.