الوقت- شهدت الساعات الماضية محاولة جديدة من قبل المستوطنين الصهاينة للعبور من الأراضي المحتلة إلى داخل الأراضي السورية بهدف إنشاء مستوطنة جديدة في منطقة الجولان، هذه الخطوة تمثل امتداداً لسياسة إسرائيلية قديمة تقوم على فرض الأمر الواقع في المناطق المحتلة، عبر بناء مستوطنات مدنية وزراعية وعسكرية، ثم تكريس وجودها لاحقاً بقرارات داخلية رغم الرفض الدولي.
دخول المستوطنين إلى أراضي الجولان ليس مجرد تصرف فردي أو تحرك محدود، بل يعكس استراتيجية مستمرة هدفها تغيير التركيبة السكانية والهوية السورية للمنطقة، وتحويلها مع مرور الزمن إلى كيان مفروض يسهل ضمّه لاحقاً.
البعد العسكري: توغل في قرى القنيطرة
بالتزامن مع التحرك الاستيطاني، أقدمت قوات الاحتلال على التوغل في بعض قرى محافظة القنيطرة السورية، وقامت بتفتيش منازل المدنيين، هذه الممارسات العسكرية تؤكد أن الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة على الأرض، بل يسعى أيضاً إلى إرهاب السكان القاطنين بالقرب من خط وقف إطلاق النار، وفرض حالة من القلق والخوف المستمر.
التوغل في القنيطرة له دلالات عسكرية واضحة، فهو رسالة بأن "إسرائيل" لا ترى في الحدود أي التزام حقيقي، وأنها قادرة على تجاوزها متى شاءت، ما يعكس استهتاراً بالاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
الجولان: أرض سورية تحت الاحتلال
منذ عام 1967 والجولان يشكل أحد أبرز الملفات العالقة في الصراع العربي–الإسرائيلي، الاحتلال الإسرائيلي لهذه المنطقة لم يعترف به أي قرار دولي، بل على العكس صدر القرار رقم 497 عن مجلس الأمن عام 1981 ليؤكد أن ضمّ "إسرائيل" للجولان لاغٍ وباطل ولا أثر قانوني له.
ومع ذلك، استمرت تل أبيب في فرض سيطرتها العسكرية والإدارية، وأقامت عشرات المستوطنات، وحاولت تجنيس بعض السكان الأصليين، لكنها اصطدمت برفض شعبي سوري قاطع، التحرك الأخير لإنشاء مستوطنة جديدة يأتي في هذا السياق التاريخي، وكأنه محاولة لإحياء سياسة قديمة بوسائل جديدة.
دلالات التوقيت والتحرك
اختيار هذا التوقيت لمحاولة التوسع الاستيطاني يثير العديد من التساؤلات، فالمنطقة تشهد اضطرابات إقليمية وصراعات متعددة الأطراف، و"إسرائيل" تدرك أن انشغال العالم بملفات أخرى قد يوفر لها فرصة لتثبيت وجود استيطاني جديد دون أن تواجه ضغطاً جدياً، كما أن التوغل في القنيطرة يحمل رسالة بأن الاحتلال مستعد لاستخدام القوة العسكرية إلى جانب المستوطنين المدنيين لتحقيق أهدافه، هذا الربط بين المسارين، الاستيطاني والعسكري، يشير إلى خطة متكاملة لإعادة رسم المشهد على الأرض.
انعكاسات على المدنيين السوريين
المدنيون في محافظة القنيطرة هم المتضرر الأكبر من هذه التطورات، فالتفتيش واقتحام المنازل يعمّق الشعور باللا استقرار ويزيد من معاناتهم اليومية، بينما يشكل المشروع الاستيطاني تهديداً مباشراً لحقوقهم في الأرض والملكية، سكان الجولان السوري المحتل يعانون منذ عقود من سياسات مصادرة الأراضي ومنع التوسع العمراني، والآن يجدون أنفسهم أمام محاولة جديدة لاقتطاع المزيد من أراضيهم وتحويلها إلى مستوطنة تخدم مصالح الاحتلال، هذه المعادلة تعكس سياسة "الخنق التدريجي" التي تعتمدها "إسرائيل" ضد المجتمعات العربية القريبة من مناطق التماس.
الموقف الدولي والقانوني
على الرغم من أن الشرعية الدولية واضحة في رفض الاستيطان واعتباره غير قانوني بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وقرارات الأمم المتحدة، إلا أن "إسرائيل" تواصل هذه الممارسات دون رادع فعلي، المجتمع الدولي يكتفي غالباً ببيانات تنديد، بينما تستمر تل أبيب في بناء الوقائع على الأرض، الخطوة الأخيرة في الجولان تعكس مدى الثقة التي تتمتع بها "إسرائيل" بقدرتها على التوسع دون أن تواجه عقوبات حقيقية أو إجراءات رادعة، هذا الفراغ في الرد الدولي هو ما شجعها سابقاً على ضمّ القدس الشرقية ومواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، والآن تحاول تطبيق المنطق ذاته في الجولان.
الحسابات الإسرائيلية: بين الأمن والهيمنة
من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن توسيع المستوطنات في الجولان يخدم هدفين رئيسيين. الأول أمني، إذ ترى "إسرائيل" أن السيطرة الديموغرافية تعزز قدرتها على حماية الحدود الشمالية وتشكيل حاجز سكاني موالٍ لها، أما الثاني فهو اقتصادي–استراتيجي، فالجولان غني بالمياه والأراضي الزراعية، إضافة إلى موقعه الجغرافي المطل على لبنان وسوريا والأردن، لذلك فإن زرع مستوطنة جديدة هناك يمثل خطوة إضافية في مشروع طويل الأمد يهدف إلى تثبيت الاحتلال وتحويله إلى واقع نهائي.
الرفض السوري والشعبي
الحكومة السورية عبرت مراراً عن رفضها المطلق لأي إجراءات إسرائيلية في الجولان، وتعتبرها انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية، كما أن السكان السوريين في الجولان أثبتوا عبر عقود طويلة تمسكهم بهويتهم ورفضهم للتجنيس الإسرائيلي، وأصبحوا رمزاً للمقاومة المدنية ضد محاولات الطمس، التحرك الأخير سيواجه بلا شك برفض مماثل، لكن التحدي يكمن في قدرة هذا الرفض على مواجهة القوة العسكرية والغطاء الدولي غير الكافي. ومع ذلك، يبقى الموقف السوري الشعبي والرسمي واضحاً في اعتبار الجولان أرضاً محتلة لا يمكن التفريط بها.
سيناريوهات المستقبل
إذا نجحت "إسرائيل" في تثبيت مستوطنة جديدة في الجولان، فإن ذلك قد يشكل سابقة خطيرة تفتح الباب أمام مزيد من التوسع في المستقبل، أما إذا واجهت ضغوطاً دولية أو مقاومة محلية قوية، فقد تضطر إلى التراجع أو تجميد المشروع مؤقتاً، في كل الأحوال، يظل المشهد مرهوناً بعوامل عدة: موقف المجتمع الدولي، طبيعة التطورات داخل سوريا، وردود الفعل الإقليمية، لكن المؤكد أن "إسرائيل" لن تتوقف عن محاولة ترسيخ وجودها، لأن مشروعها الاستيطاني جزء أساسي من عقيدتها السياسية والأمنية.