الوقت- في الوقت الذي تشهد فيه غزة مجاعة وأزمة إنسانية، يُواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تنفيذ خطته لاحتلال غزة بالكامل، وقد وسّع نطاق عملياته العسكرية وعدوانه، في هذه الخطة، أعلن نتنياهو أنه لن يُنهي الحرب إلا بتحقيق خمسة "أهداف"، وتشمل هذه المبادئ نزع سلاح قطاع غزة، والإفراج عن بقية الأسرى لدى حماس، ونزع سلاح الحركة.
ويخوض الكيان الإسرائيلي حربًا في قطاع غزة منذ ما يقرب من عامين.، ورغم إلحاق أضرار جسيمة بغزة، إلا أن أهداف الحرب الصهيونية لم تتحقق بعد، لا تزال حماس تُحكم سيطرتها على أجزاء كبيرة من قطاع غزة، مدنية وعسكرية، على الرغم من أن هذه المناطق ليست واسعة جغرافيًا، إلا أن أهمية غزة تكمن في وزنها الرمزي وموقعها كمنطقة مكتظة بالسكان، حاليًا، ورغم حوالي عامين من الحرب والقصف المتواصل من قبل الجيش الصهيوني على غزة، تسيطر حماس على منطقة مدينة غزة، غرب خان يونس، ومخيمات اللاجئين المركزية، ومنطقة المواصي، حيث يقيم حوالي نصف سكان غزة.
عسكريًا، تكيفت حماس أيضًا مع الواقع الجديد في غزة وتعمل بأسلوب حرب العصابات، وفي الواقع، أعادت حماس بناء قدراتها إلى حد كبير وعززت صفوفها بقوات شابة، كما أُعلن عن تأكيد نتنياهو على تنفيذ خطة احتلال غزة بالكامل في ضوء إخفاقات وهزائم الصهاينة في حرب غزة على مدار العامين الماضيين، ووفقًا لنتنياهو، ربما يمكن للاحتلال الكامل لغزة أن يحقق أهداف تل أبيب، لكن الحقائق الميدانية المتعلقة باحتلال غزة معقدة للغاية بالنسبة للصهاينة.
ومن النقاط اللافتة في خطة احتلال غزة بالكامل أن إيال زامير، رئيس هيئة الأركان المشتركة الإسرائيلية، عارض توسيع العمليات العسكرية في غزة، وحذّر من أن أي خطة لاحتلال قطاع غزة "ستجرّ إسرائيل إلى حفرة سوداء"، ويعتقد زامير أن توسيع الحملة العسكرية في غزة مكلف للغاية، لأن توسيع العمليات في بيئة حضرية مثل مدينة غزة أمرٌ خطير، وستتمكن حماس من استخدام شبكتها الواسعة من الأنفاق لشن هجمات مفاجئة على الجنود الإسرائيليين وزرع متفجرات في المباني، بهذه الطريقة، ستؤدي خطة نتنياهو حتمًا إلى المزيد من الخسائر في صفوف القوات الإسرائيلية.
حتى الآن، قُتل ما يقرب من 900 عسكري إسرائيلي في الحرب، علاوة على ذلك، سيستغرق الاستيلاء الكامل على قطاع غزة شهورًا، وسيؤدي إلى مقتل عدد لا يحصى من المدنيين الفلسطينيين، وسيزيد الضغط العالمي على "إسرائيل"، كما أن الاحتلال الكامل لغزة من شأنه أن يهدد حياة الأسرى الإسرائيليين المتبقين، والذين يُعتقد أن عددهم حوالي 20، إذ لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين حتى الآن إلا خلال فترات وقف إطلاق النار، وليس نتيجة عمل عسكري.
جيش صغير
لـ"إسرائيل" جيش صغير نسبيًا، يبلغ قوامه حوالي 169,000 جندي، وتعتمد على أكثر من 400,000 جندي احتياطي أكملوا خدمتهم العسكرية، وقد كان لاستخدام جنود الاحتياط، الذين يشكلون جزءًا من القوة الاقتصادية والعمالية في "إسرائيل"، آثار سلبية طويلة المدى على الاقتصاد الإسرائيلي، وفي الواقع، لا يمتلك الجيش الإسرائيلي ما يكفي من الأفراد والاحتياطيين للانتشار في قطاع غزة بأكمله، إذ يحتاج أيضًا إلى قوة عسكرية في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من أن نتنياهو صرّح بأنه لا يريد احتلال غزة بشكل دائم، إلا أن أعضاء حكومته من اليمين المتطرف كرروا مرارًا وتكرارًا هدف الاحتلال الكامل لغزة، وأوضحوا أنهم يريدون إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في غزة وضم جزء كبير من الضفة الغربية، وهو وضع من شأنه أن يضعف مكانة "إسرائيل" الدولية أكثر من ذي قبل، ارتباك نتنياهو في الخطط.
ولقد صرح نتنياهو في مقابلة هذا الأسبوع بأنه يعتقد أن السيطرة الأمنية المستقبلية على قطاع غزة ستُسلم في نهاية المطاف إلى "قوات عربية"، ولكن، أي الدول العربية سترسل عسكرييها إلى غزة التي تسودها الفوضى وانعدام الأمن؟ لطالما اتخذت الدول العربية موقفًا سلبيًا تجاه التطورات في فلسطين، ومن غير المرجح أن ترسل قوات عسكرية إلى منطقة غزة غير الآمنة الآن.
كما حذّر أسامة حمدان، المسؤول في حماس، من أن المقاومة الفلسطينية ستواجه أي قوة تُشكّل لحكم غزة باعتبارها "قوة احتلال مرتبطة بإسرائيل"، وبطبيعة الحال، لن تكون الدول العربية مهتمة بصراع عسكري مع حماس وتكبد خسائر فادحة على يد المقاومة الفلسطينية.
ومن هذا المنظور، تبدو خطة نتنياهو لمستقبل غزة تفتقر إلى التخطيط والتماسك ونوع من الارتباك. وفي وقت سابق من هذا العام، وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي على خطة لتسهيل "النقل الطوعي" لسكان غزة من القطاع إلى دول ثالثة، لكن هذه الخطة وُجهت إليها انتقادات أيضًا باعتبارها محاولة للتطهير العرقي، ولم يتمكن الصهاينة من تنفيذها، ما لا شك فيه، لا توجد دولة في جامعة الدول العربية مستعدة لاستقبال أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني.
كيف كان رد فعل المجتمع الدولي؟
كان رد فعل المجتمع الدولي على قرار نتنياهو بتوسيع نطاق الحرب واحتلال غزة بالكامل، أعلنت الحكومة الألمانية أنها ستوقف جميع صادرات الأسلحة إلى "إسرائيل"، وذلك على الرغم من أن ألمانيا هي ثاني أكبر مورد للأسلحة للكيان الصهيوني.
وفي الوقت نفسه، نُظمت احتجاجات شعبية واسعة النطاق في مختلف المدن والدول الغربية والولايات المتحدة ضد خطة احتلال غزة، حتى في تل أبيب، دعا المتظاهرون إلى تدخل أمريكي لمنع احتلال كامل لغزة، ولكن لا يبدو أن هذه المعارضة قد أدت إلى تغيير في استراتيجية نتنياهو لاحتلال غزة.
ربما، بعيدًا عن الاحتجاجات والمعارضة، ما يمكن اعتباره تحركًا عالميًا عمليًا حقيقيًا ضد احتلال غزة هو تعزيز موجات المقاطعة العالمية لـ"إسرائيل"، حاليًا، تُقاطع بعض الشركات في إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا الشركات الإسرائيلية حالةً بحالة، وقد يُؤدي اتساع نطاق هذه العقوبات إلى انهيار اقتصاد تل أبيب، وعليه، وبغض النظر عن الاحتجاجات، فإن ما قد يُؤدي إلى انهيار اقتصاد الكيان الصهيوني هو اتساع موجة العقوبات الدولية ضده.