الوقت - تتعانق اليوم، الذكرى الخامسة والعشرون لتطهير جنوب لبنان من دنس الاحتلال الصهيوني، مع نصر تاريخي مؤزر حقّقه حزب الله وحلفاؤه في انتخابات المجالس البلدية والقروية، هذا الحدث لم يُرسخ فحسب مكانة المقاومة كحصن منيع للأمن القومي اللبناني، بل أثبت أن دماء الشهداء الزكية، ولا سيما دماء السيد حسن نصر الله، ما زالت تسري في عروق الشعب كإكسير للتلاحم الوطني وتعزيز صفوف المقاومة، وفي هذا المقام، يجدر بنا الوقوف على عدة محطات مضيئة:
أولاً: مثّل استشهاد السيد حسن نصر الله، القائد الملهم والشخصية الفذة لحزب الله، في عام 2024، رغم وقعه الصاعق على بنيان هذه الحركة المباركة، منارةً للوحدة الشعبية وعنواناً للالتفاف الجماهيري، فقد شهد موكب تشييعه المهيب، الذي اكتظت به ساحات بيروت وشوارعها بعشرات الألوف من أبناء لبنان وأقطار المنطقة، على أن إرثه يتسامى فوق الحدود السياسية والطائفية الضيقة، هذه الواقعة الجسيمة أضرمت جذوةً متوهجةً في قلب المقاومة وأجّجت القاعدة الشعبية لحزب الله، ليس في المناطق ذات الصبغة الشيعية فحسب، بل امتدت لتشمل سائر الطوائف والمذاهب، وقد تجلت المشاركة الحاشدة في الاستحقاق الانتخابي الأخير، كمرآة صادقة لهذا الولاء العميق والراسخ.
ثانياً: أفضت الهجمات الشرسة التي شنها الكيان الصهيوني على جنوب لبنان في الأشهر المنصرمة، بدلاً من أن توهن عزيمة حزب الله، إلى دفع المواطنين للتوافد بحماسة جياشة نحو صناديق الاقتراع، موجّهين صفعةً مدويةً للکيان المتغطرس، ففي المناطق المتاخمة للحدود كحاصبيا، التي طالها قصف همجي، لم تكن مشاركة الأهالي مجرد واجب مدني، بل تجديداً للعهد والبيعة مع خيار المقاومة الأصيل، هذا الحضور المشرّف حمل رسالةً بليغةً للکيان فحواها: “إن جنوب لبنان ليس أرضاً يباباً، بل مهد أبطالٍ يستعذبون الموت إذا كان في الموت خلاص من المذلة”.
ثالثاً: برع حزب الله ببصيرة نافذة في نسج تحالف وثيق الأواصر مع حركة أمل، وامتد ليشمل تيارات مسيحية كالتيار الوطني الحر، هذه الاستراتيجية المحكمة أثمرت ظفراً مبيناً ليس في معاقل الأغلبية الشيعية كبيروت وبعلبك والضاحية الجنوبية فحسب، بل امتد إشعاعها ليضيء المناطق ذات الغالبية المسيحية مثل جزين.
رابعاً: استطاع حزب الله أن يستحوذ على أفئدة الناس وثقتهم من خلال تركيزه الدؤوب على الارتقاء بالخدمات البلدية في مناطق نفوذه، بما في ذلك إعادة تشييد البنى التحتية التي طالتها يد التخريب إبان الحرب، فجاء تتويج قوائم “التنمية والوفاء” بالفوز في 102 بلدية من أصل 272 منطقة في جنوب لبنان، ثمرةً يانعةً لهذا النهج العملي الرصين، لقد أيقن الناس أن الإدلاء بأصواتهم لمصلحة حزب الله ليس مجرد خيار سياسي عابر، بل هو انحياز لمستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً.
خامساً: انقلبت التدخلات المالية والسياسية للاعبين خارجيين كالولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي استهدفت إحداث صدع في الجدار الشعبي للمقاومة، إلى نتائج عكسية تماماً، فقد أظهر اللبنانيون من خلال مشاركتهم الفاعلة في الانتخابات، أنهم يعلون من شأن هويتهم الوطنية فوق مصالح الجماعات المرتهنة للخارج، وقد تجسّد ذلك جلياً في الشعار المدوي “صوتنا هو صدى مقاومتنا” الذي تردد صداه في ساحات الاحتفال بالنصر المؤزر.
سادساً: إن فوز حزب الله الكاسح في هذا الاستحقاق الانتخابي، يتجاوز كونه نجاحاً سياسياً عابراً، ليرتقي إلى مرتبة التفويض الشعبي الجارف لنهج المقاومة الأصيل، فتزامن هذا الحدث الجليل مع ذكرى تحرير جنوب لبنان، يستحضر في الأذهان حقيقةً راسخةً مفادها بأن الشعب يرى في المقاومة ليس مجرد خيار من بين خيارات، بل السبيل الأوحد للصمود والبقاء في وجه المحتلين الغاصبين، وكما صرح الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، بعبارته البليغة: “بأصواتنا نرغم العدو على الانكفاء والتقهقر”.