الوقت - في الوقت الراهن، تبحر الحاملة النووية الأمريكية “يو إس إس نيميتز”، التي تعدّ جوهرة الأسطول الأمريكي، في مياه المحيط الهادئ، بينما تؤكد البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني أن ميزان القوى الإقليمي يميل لمصلحتها بشكل حاسم، على الأقل في الوقت الراهن، وما هذا التفوق إلا انعكاس لحقيقة جغرافية مفادها بأن احتمالات اندلاع صراع في الفناء الخلفي للصين تبقى مرتفعةً، يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة قد استنزفت الكثير من مواردها العسكرية، موزعةً إياها بين الشرق الأوسط وأوروبا، ما قّلل من تركيزها على منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ومع ذلك، تشير تقارير موقع “ناشونال إنترست” إلى أن هذا النمط بدأ يتغير تدريجياً، ليعيد رسم معادلة القوة بين الطرفين.
تجاذب القوى حول مضيق لوزون
أثارت الولايات المتحدة حنق الصين باستخدامها نظاماً دفاعياً متطوراً لمنع السفن الحربية (NMESIS)، وهو نظام يسعى إلى تقييد حركة السفن الصينية في مضيق لوزون، الرابط بين الفلبين وجنوب تايوان، وفي ظل تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، يبدو أن الصين قد بلغت ذروة الاحتقان في تعاملها مع الولايات المتحدة، ما يجعل احتمالات اندفاعها نحو خطوات جريئة تجاه تايوان أمراً غير مستبعد.
وفي خطوة تصعيدية، أرسلت البحرية الصينية مجموعة “شاندونغ” القتالية إلى المضيق ذاته، حيث تعمل قوات مشاة البحرية الأمريكية على إنشاء منصات مضادة للسفن تعمل بنظام NMESIS، حالياً، تتحرك مجموعة “شاندونغ” شرق الفلبين، بينما تتقدم “نيميتز”، التي انطلقت من سان دييغو في كاليفورنيا، عبر مياه المحيط الهندي والمحيط الهادئ.
وفي حال اشتعل فتيل الحرب بين البلدين، فإن أولى المواجهات ستدور بين “شاندونغ” و"نيميتز"، لتكون بداية المعركة الكبرى.
المدافع: حاملة الطائرات الصينية “شاندونغ”
تعدّ “شاندونغ”، المصنَّفة تحت فئة “Type 002”، أول حاملة طائرات تُصنع بالكامل بأيدٍ صينية، وقد دخلت الخدمة في السابع عشر من ديسمبر عام 2019، تبلغ قدرتها الاستيعابية بين 66,000 و70,000 طن بكامل طاقتها التشغيلية، تعمل بمحركين تقليديين يعملان بالبخار، يوفّران لها سرعة إبحارٍ تصل إلى 31 عقدة، أي ما يعادل 36 ميلاً في الساعة.
يمكن لـ"شاندونغ" حمل ما يصل إلى 44 طائرة، تشمل مقاتلات J-15 من الجيل الرابع+، ومروحيات Z-9 وZ-18، بالإضافة إلى طائرات الإنذار المبكر KJ-600، التي لا تزال قيد التطوير.
وقد استُوحي تصميم هذه الحاملة من النموذج القديم لطراز “كوزنتسوف” السوفييتي، مع تحسينات ملحوظة مقارنةً بحاملة الطائرات الصينية الأولى “لياونينغ” (Type 001)، وتتميز “شاندونغ” بنظام إقلاع “ستوبار”، الذي يعتمد على منصة قفز للتسريع، ما يسمح للطائرات بالإقلاع بسهولة.
تضمّ الحاملة منظومات تسليح متقدمة، تشمل نظام CIWS من نوع 1130، وصواريخ HQ-10 أرض-جو، وقاذفات صواريخ مضادة للغواصات، ويعمل على متنها طاقم يتراوح عدده بين 1000 و1500 فرد، ومع ذلك، فإن البحرية الصينية ما زالت تفتقر إلى الخبرة العملية في تشغيل حاملات الطائرات، حيث لا تتجاوز خبرتها 13 عاماً، اقتصرت خلالها على التدريب واستعراض القوة الإقليمية، دون أي خبرة قتالية حقيقية.
حاملة الطائرات الأمريكية “نيميتز” العريقة
أما “نيميتز”، فرغم أنها قديمة الطراز، فإنها تبقى أيقونةً عسكريةً، أُطلقت هذه الحاملة لأول مرة في عام 1975، ومنذ ذلك الحين خضعت لتحديثات مستمرة، لتظل واحدةً من أعظم الأصول العسكرية للولايات المتحدة، تنتمي “نيميتز” إلى فئة تحمل اسمها، وتستطيع نقل حمولة تصل إلى 100,000 طن، وتعمل بواسطة مفاعلين نوويين من نوع A4W، يمنحانها نطاق تشغيل شبه غير محدود وقدرة على العمليات المستدامة.
تستخدم “نيميتز” نظام CATOBAR، الذي يعتمد على المنجنيق لإطلاق الطائرات واستعادتها، وهو نظام يتفوق بشكل واضح على منصة القفز التي تعتمد عليها “شاندونغ”، يضمّ هذا النظام أربعة منجنيقات تعمل بالبخار، تتيح إطلاق الطائرات المسلحة بسرعة وكفاءة.
تحمل “نيميتز” ما يصل إلى 90 طائرة، تشمل مقاتلات F/A-18E/F Super Hornets، وF-35C Lightning IIs، وطائرات الإنذار المبكر E-2D Hawkeye، وطائرات EA-18G Growlers للحرب الإلكترونية، بالإضافة إلى مروحيات متعددة الاستخدام، وتتميز قوة الطيران على متنها بقدرتها العالية على تنفيذ عمليات متعددة، باستخدام ذخائر دقيقة التوجيه ذات تأثير مدمر.
تحمي الحاملة منظومة دفاعية متعددة الطبقات، تشمل صواريخ RIM-162 Sea Sparrow المطورة، وصواريخ RIM-116 Rolling Airframe، وأنظمة PHALANX CIWS، كما يمكن أن تحظى بدعم من سفن الفرقاطة والمدمرة والغواصات القتالية، ويعمل على متنها طاقم يتراوح عدده بين 5000 و6000 فرد، بما في ذلك أفراد جناحها الجوي.
هل تميل كفة معركة حاملات الطائرات لمصلحة الأمريكيين؟
منذ عقود طويلة، تتربع الولايات المتحدة على عرش الخبرة في إدارة حاملات الطائرات، حيث شكّلت هذه الأيقونات العسكرية رمزاً للتفوق البحري الأمريكي، ومرتكزاً لاستعراض قوتها على الساحة الدولية، إن تشغيل حاملات الطائرات، بما تنطوي عليه من عمليات شديدة التعقيد، ليس ميداناً يليق بالضعفاء أو قليلي الخبرة، وإذا ما احتدمت المواجهة بين حاملة الطائرات الأمريكية “نيميتز” ونظيرتها الصينية “شاندونغ”، فإن الغلبة بلا شك ستؤول إلى “نيميتز”، التي قد تسحق منافستها بلا هوادة.
غير أن ثمة معضلة كبرى تلوح في الأفق، معضلة تقلب الموازين رأساً على عقب: ذلك أن المعركة، إن وقعت، ستكون حتماً في مياه قريبة من السواحل الصينية أو في مناطق تخضع لحماية منظومات “منع الوصول ومنطقة الحظر” (A2/AD)، وهي منظومات حصينة تجعل “نيميتز” في موقف عسير لا يُحسد عليه.
بينما تسعى حاملات الطائرات الصينية، وفي مقدمتها “شاندونغ”، إلى تعزيز قدرة البحرية الصينية على المناورة والانطلاق في المياه الدولية، إلا أن هذه الحاملات لم تبلغ بعد ذروة نضجها التشغيلي، ومع ذلك، فإنها لا تعمل بمعزل عن القدرات العسكرية الأخرى للصين، بل تتكامل مع منظومات A2/AD، والأسلحة فرط الصوتية، وأسراب الطائرات المسيّرة التي راكمتها الصين بكثافة خلال السنوات الماضية.
إن هذا التكامل العسكري يمنح الصين ميزةً استراتيجيةً، حيث تُستخدم “شاندونغ” كجزء من منظومة دفاعية وهجومية متشابكة، تتجاوز مجرد كونها حاملة طائرات، فبينما لا تزال الحاملة الصينية محدودةً من حيث الخبرة القتالية، فإن منظومات الحماية المحيطة بها تُغلق عليها دائرة من القوة التي يصعب اختراقها.
هجوم شامل على جميع الأصعدة
أي هجوم قد تشنه الصين على القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لن يكون مجرد مواجهة تقليدية، بل سيرافقه على الأرجح هجوم واسع النطاق على الأقمار الاصطناعية الأمريكية في الفضاء، في عملية تذكّر بهجوم “بيرل هاربر”، بالإضافة إلى عمليات تخريبية شاملة في الفضاء السيبراني والطيف الكهرومغناطيسي (EM)، هذه العمليات قد تعطل قدرة البحرية الأمريكية على تنسيق دفاعاتها ضد الهجمات الصينية، ما يُضعف استجابتها ويُربك منظومتها العسكرية.
وما يزيد الموقف تعقيداً هو التهديد المتزايد الذي تمثّله أسراب الطائرات المسيّرة، والصواريخ فرط الصوتية، والتكتيكات الصينية القائمة على الإغراق الهجومي، هذه العناصر قد تُجبر “نيميتز” على البقاء بعيداً عن ساحة المعركة، لتتحول إلى مجرد حامل للطائرات، غير قادرة على شنّ هجوم مؤثر على الأراضي الصينية أو مواقعها العسكرية.
وإذا ما وقعت “نيميتز” في نطاق منظومات A2/AD الصينية وحاولت التفوق على “شاندونغ”، فإن التفوق العددي سيظل لمصلحة الصين، حيث يتمتع الأسطول الصيني بوفرة في الموارد البشرية والعسكرية مقارنةً بنظيره الأمريكي، فضلاً عن ذلك، فإن الدعم العسكري الأمريكي في المنطقة قد يكون محدوداً بسبب انشغاله بملفات أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا.
ومع قدرة الصين على إرباك القوات الأمريكية، وجعلها عمياء وصماء في مواجهة تكتيكات الإغراق الهجومي، التي تعتمد على أعداد هائلة من الصواريخ والطائرات المسيّرة والأسلحة المتطورة، فإن “نيميتز” قد تجد نفسها في مأزق يعصف بمكانتها كرمز للقوة الأمريكية، وأمام مصير محتم بالهزيمة.