الوقت- جرت قبل أيام الانتخابات البلدية اللبنانية، والتي تجري على عدة مراحل، في منطقة جبل عامل في لبنان، هذه المنطقة، التي تقطنها أغلبية مسيحية وهي المنطقة الجنوبية الوحيدة في بيروت المخصصة للشيعة، حققت نتائج مثيرة للاهتمام.
بعد الحرب الأخيرة في لبنان والهزائم العسكرية التي تعرض لها حزب الله والخسائر الأمنية والعسكرية الفادحة التي تعرض لها، كان الجميع يعتقد أن المقاومة ستُهزم أيضاً في الأبعاد السياسية، ولكن العملية السياسية كانت مختلفة بعض الشيء، وفي خطوة لافتة، شكّلت حركة أمل وحزب الله "ثنائياً شيعياً" أو "التيار الصناعي" للفوز في الانتخابات البلدية.
الانتخابات البلدية في لبنان لها أهمية كبيرة بعد الانتخابات النيابية، ونظراً للوضع في لبنان، يتمتع رؤساء البلديات في كل منطقة بصلاحيات مالية وإدارية كبيرة، من ناحية أخرى، المناطق في لبنان منقسمة إلى حد كبير، وإذا أصبح مسيحي رئيس بلدية في حي سني، أو العكس، فإن ذلك سوف يشير إلى هزيمة لتلك المجموعة.
وتمكن حزب الله وحركة أمل من الانتصار في مناطق حجولا ورأس أسطا وعين الغويبة وبشتيلا وفدار والمغيري والشوف وعاليه وبعبدا والغبيري وحارة حريق والجية وجون والوردانية، ولعل المكان الأهم كان الغبيري، حيث كانت قائمة معارضي حزب الله حاضرة أيضاً، لكنها لم تقود إلى أي مكان.
وكان الجانب الآخر الأكثر أهمية في هذه الانتخابات في الجولة الأولى هو تنسيق التيار المسيحي الحر بزعامة جبران باسيل، وفي العامين الأخيرين، انتقد باسيل بين الحين والآخر حركة المقاومة، حتى أنه أعلن خلال الحرب الأخيرة أن المقاومة ارتكبت خطأً استراتيجياً.
وفي المدن ذات التركيبة السكانية المختلطة، مثل الحدث والشيعة وحارة حريق، جرى تنسيق دقيق بين الحزبين الشيعيين والتيار الحر المسيحي، ما أدى إلى تحالفات محلية وسمح بتوزيع المقاعد على أساس قوائم متفق عليها، مع الحفاظ على التوازن الطائفي والسياسي.
ومن ناحية أخرى، اتحدت الحركة المسيحية الحرة مع حركة ميشيل مور، وهي حركة مسيحية أصغر حجماً، على سبيل المثال، في منطقة المتن الشمالي، حيث هناك تنافس حاد بين حركتين مسيحيتين، هما القوات البنانية والكتائب من جهة، والتيار الحر المسيحي وحركة المور من جهة أخرى، فإن الميزان يميل لمصلحة الحركة الداعمة للمقاومة، ويبدو أنه مع عملية رئاسة اتحاد البلديات في هذه المنطقة الجارية بين المتنافسين الرئيسيين، فإنها ستنتهي لمصلحة الحركة الداعمة للمقاومة.
والمنافسة في هذا المجال هي بين نيكول الجميل (شقيقة زعيم حزب الكتائب المناهض للمقاومة) وميرنا مور (شقيقة الياس مور)، أحد قادة تحالف 8 آذار المؤيد للمقاومة، ويبدو أن مور هي المرشحة للفوز في هذه المنافسة، ومن خلال تحليل عملية الجولة الأولى من الانتخابات، يمكننا أن نتصور عدة قضايا:
1- تمكن حزب الله من تجديد انتصاره الانتخابي عام 2016، وأظهر هذا التوجه أن الهزيمة العسكرية لا يمكن أن تؤدي إلى هزيمة سياسية.
2- بعد الابتعاد عن السلطة، وخروج ميشال عون من القصر الجمهوري، وغيابه عن حكومة نواف سلام، وفشله في عملية الانتخاب الرئاسي، عاد التيار المسيحي الحر بقوة إلى الساحة السياسية اللبنانية، وأثبت أنه يمكن أن يكون الخيار الأول للمسيحيين في البلاد.
3- إن هذا التقارب بين حزب الله وحركة أمل قد يؤدي إلى تنسيق أكبر بينهما وإلى انتصارات سياسية في الانتخابات الجنوبية والنيابية عام 2026.
عمل مشترك بين حزب الله وحركة أمل
كانت قيادة حزب الله وحركة أمل اللبنانية أعلنت تشكيل لائحة مشتركة للمجالس البلدية ورؤساء البلديات في منطقتي جبيل وكسروان، وأعلن عن هذا الخبر بحضور رئيس المكتب المركزي للشؤون الحضرية والبلدية في حركة أمل بسام طليس، ورئيس منطقة جبل لبنان والشمال في حزب الله الشيخ محمد عمرو، والفاعلين في الانتخابات البلدية والمجالس، وتم الإعلان عن قوائم التطوير والولاء في المدن التالية: المعاط، الصوانة، ليسا، عوقة، عين الغويبة، المغيري، رأس السطا، حجولة، بشتليدة وفادار، ميشان، الحسون، إضافة إلى فوز المجالس البلدية في مدن المعصرة والحسين ومزرعة السيادة باستقبال حماسي.
وفي كلمة له خلال إعلان لوائح التنمية والولاء في جبيل وكسروان، أكد طليس: "الانتخابات البلدية والاختيارية حق محلي ذو طابع إنمائي وخدمي في مدينتي جبيل وكسروان، وهو حق لنا بالغ الأهمية على المستوى الوطني، وكان أيضاً محور اهتمام الإمام الراحل السيد موسى الصدر".
وأضاف تاليس: "نحن في حزب الثنائي الوطني نسير في اتجاه الانتخابات البلدية استناداً إلى الاتفاق الذي وقعه رئيس مجلس النواب نبيه بري والمرحوم السيد حسن نصرالله في العام 2010"، هذه الاتفاقية لا تحل محل العائلات ولا تفرض أسماء أو مرشحين على أي قرية أو مدينة، بل إنه يركز على دور الأسرة والتكامل معها.
وقال علي حسن خليل، النائب السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، بشأن هذه الانتخابات: "بالنسبة لحزب الله وأمل، هناك أولويات مرتبطة بشكل مباشر بالوضع الجديد على الأرض"، نحن نواجه عدوانًا بريًا وجويًا واسع النطاق يتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار ويهدف إلى إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود وتدمير كل رمز للوجود الإنساني هناك، ولذلك نحن نتحرك في اتجاهين: إعادة تفعيل المؤسسات الرسمية لمواكبة عودة الحياة إلى منطقة الحدود، والتأكيد على إجراء الانتخابات البلدية والمختارية في موعدها، وفي القرى نفسها، ويمكن للمجالس المنتخبة أن تساعد في تقديم الخدمات والتنسيق مع المؤسسات الحكومية لتلبية احتياجات العودة وإعادة الإعمار.
وقال: "الطريق الثاني هو الطريق السياسي"، لأن الانتخابات سوف تظهر أن هاتين المجموعتين لا تزالان تتمتعان بقاعدة شعبية واسعة، وهذا سوف يؤثر على العدو الذي لم يتمكن حتى الآن من إقناع سكان شمال الأراضي المحتلة بالعودة، وهي أيضاً رسالة إلى بقية اللبنانيين الذين لا يرون إلا جزءاً من واقع الجنوب.
وعن استراتيجية حزب الله وأمل في هذه الانتخابات، قال: "لقد مددنا اتفاقاتنا السابقة في جميع أنحاء لبنان؛ اتفاق قائم على توزيع الحصص في كل مدينة وقرية، لكن الجديد في هذه الفترة هو إعطاء مساحة أوسع للعائلات والفعاليات المحلية لترشيح المرشحين، هدفنا هو تشكيل قوائم ائتلافية، وخاصة في المناطق الحدودية، والأولوية للاتفاق الكامل، لذلك، نسعى إلى إشراك الجميع، بغض النظر عن الاختلافات السياسية، لخفض مستوى التوتر، حتى لو جاء ذلك على حساب تقليص حصص حزب الله وأمل، سندعم خيارات مختلفة وإيجابية، حتى لو جاء ذلك على حساب حصتنا؛ لأنه في هذه الحالة، سيكون نجاحنا في نجاح الاتفاق.
أهمية الانتخابات لحركة المقاومة
إن انتخابات المجالس البلدية اللبنانية، باعتبارها إحدى أهم المحطات المحورية في الساحة السياسية والاجتماعية، أصبحت مجدداً مسرحاً للحركات السياسية والاجتماعية لعرض مواقفها وبرامجها في منافسة واسعة وحساسة.
إن الانتخابات البلدية في لبنان ليست مجرد فرصة لاتخاذ القرارات المحلية، بل هي أيضاً منصة تكشف عن قيم التيارات السياسية وانتماءاتها وتأثيرها، وفي العديد من مناطق لبنان، وخاصة في جبل لبنان، تمكن حزب الله من خلق تحالفات هادفة وتقديم لوائحه الانتخابية كخيار شعبي بين الناس.
أكد مسؤول منطقة جبل لبنان في حزب الله الحاج بلال داغر في حديث خاص لوسائل الإعلام أن فوز لوائح المقاومة جاء نتيجة جهد واسع تم تنفيذه بالتعاون مع القوى الوطنية والأهالي وخاصة الشباب، وتعتبر هذه الجهود نموذجاً ناجحاً للوحدة الاجتماعية والتضامن في مجتمع شهد مراراً وتكراراً انقسامات سياسية واجتماعية.
وبناء على الإحصاءات والتقارير المتاحة، تشير نتائج هذه الانتخابات إلى دعم شعبي واسع لتحالفي حزب الله وأمل، وخاصة في المناطق التي تمكن فيها هذان التحالفان من التواصل المباشر مع المواطنين، ولم يكن هذا التواصل ترويجيًا بطبيعته فحسب، بل تضمن أيضًا جهودًا ملموسة لحل المشاكل اليومية التي يواجهها الناس، وقد استطاعت هذه الاستراتيجية أن توفر الأساس للمقاومة لترسيخ مكانتها مرة أخرى باعتبارها القوة الرئيسية والعملياتية في الإدارة المحلية.
ويظهر تحليل نتائج الانتخابات أن حزب الله في لبنان تمكن من تحقيق انتصارات كبيرة في مناطق مثل الجية والقماطية وكيفون، وتشهد هذه المناطق، التي كانت على الدوام في صراع بين قوى سياسية مختلفة، اليوم تأكيداً متجدداً على مسار المقاومة، وفي منطقة الخروب، ورغم التحديات السياسية والضغوطات التي فرضت على القوائم التابعة لحزب الله، أظهرت النتائج النهائية أن أبناء هذه المنطقة متمسكون بقيم الصمود والمقاومة، وأشار الحاج بلال داغر في تصريحاته أيضاً إلى أن المقاومة أصبحت تتمتع بحضور بارز في هذه المنطقة بكل فروعها، حضور ليس رمزيًا فحسب، بل عمليًا وحقيقيًا.
وحملت نتائج الانتخابات في مناطق أخرى رسائل مهمة أيضاً، وفي المناطق المسيحية، استطاعت التيار الوطني الحر أن تحافظ على موقعها رغم الضغوط الدعائية وبعض التهديدات، وأن تعزز دور التحالفات المسيحية والمقاومة كقوى متحالفة، وقد استطاع حضور هذه الحركة، إلى جانب دعم حزب الله لبعض المرشحين، أن يخلق مرة أخرى وعياً عاماً ويخلق تنسيقاً في صنع القرار المحلي.