الوقت- قطاع غزة، الأرض التي تتعرض لحصار خانق منذ سنوات، تشهد اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية التي يمكن أن يتعرض لها أي مجتمع في العصر الحديث، ففيما تتزايد الاحتياجات الإنسانية بشكل مقلق، تعجز المساعدات الإنسانية عن الوصول إلى القطاع بسبب الحصار المستمر، ما يهدد حياة أكثر من مليوني نسمة يعيشون في هذه البقعة الصغيرة من الأرض، ولا تقتصر المعاناة على التضرر المادي فحسب، بل تمتد لتشمل تهديدًا خطيرًا لأرواح البشر، حيث يعاني السكان من الجوع، المرض، والمجاعة في ظل انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما تكشف تقارير الأمم المتحدة الأخيرة.
التقرير الأممي وتحليل الأوضاع في غزة
في مايو 2025، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا مروعًا عن الوضع الغذائي في قطاع غزة، مؤكدة أن أكثر من 470,000 شخص يواجهون خطر المجاعة الحقيقية خلال الفترة المقبلة، بزيادة 250% عن تقديرات سابقة، هذا الوضع المتدهور يعود بشكل رئيسي إلى الحصار الذي يعزل غزة عن العالم الخارجي، إضافة إلى إغلاق المعابر الحدودية منذ مطلع مارس 2025، ما أدى إلى توقف المساعدات الغذائية والطبية في وقت كان القطاع في أمس الحاجة إليها.
إن هذا التقرير الأممي، الذي أعدته العديد من الوكالات الإنسانية مثل برنامج الأغذية العالمي، منظمة الصحة العالمية، واليونيسف، يُظهر حجم الكارثة التي يعاني منها السكان في غزة، حيث يعاني حوالي 93% من السكان من مستويات غير مسبوقة من انعدام الأمن الغذائي، كما أن التقرير أشار إلى أن 71 ألف طفل دون سن الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد، ما يهدد حياتهم بشكل مباشر.
الجوع والمجاعة: مأساة يومية
منذ بداية الحصار في عام 2007، يعاني قطاع غزة من نقص حاد في المواد الغذائية، مع انقطاع شبه كامل للمساعدات الإنسانية، وخاصة مع الحروب المتكررة والقيود التي تفرضها "إسرائيل" على دخول المواد الأساسية إلى القطاع، وفي عام 2025، بلغ الوضع ذروته، حيث تشير التقارير إلى أن ثلاثة أرباع السكان يعيشون في "المرحلة الرابعة" أو "الطوارئ"، فيما يعيش حوالي 250,000 شخص في "المرحلة الخامسة" التي تعد مرحلة المجاعة.
أحد أبرز التحديات التي يواجهها سكان غزة هو نقص الغذاء بشكل حاد، فالحصار أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، حيث بات الغذاء نادرًا جدًا على رفوف الأسواق، بل بات الوصول إلى الطعام شبه مستحيل بالنسبة للأسر الأكثر فقرًا، ووفقًا للتقارير الأممية، فإن عددًا كبيرًا من العائلات في غزة يعتمدون على المعونات الإنسانية فقط للبقاء على قيد الحياة، وفي ظل تجدد الحصار، بات هذا الدعم مفقودًا.
الأطفال: الضحايا الأكثر تضررًا
من المؤسف أن الأطفال في غزة هم الأكثر تضررًا من هذه الأزمة، فوفقًا لتقرير الأمم المتحدة، يُتوقع أن يعاني حوالي 71,000 طفل في غزة من سوء التغذية الحاد، ما يعرضهم لخطر كبير من الأمراض وفقدان الحياة، الطفل الذي يعاني من سوء التغذية الحاد قد يواجه صعوبة في النمو البدني والعقلي، وقد يتعرض لأمراض خطيرة مثل الإسهال والالتهاب الرئوي، وهي أمراض تزداد شدة في ظل غياب الرعاية الصحية.
يُذكر أن 57 طفلًا قد فارقوا الحياة بسبب سوء التغذية منذ فرض الحصار في مارس 2025، ويُحتمل أن يرتفع هذا الرقم في المستقبل القريب إذا استمر الوضع على حاله، ويترافق هذا مع ضعف في الرعاية الصحية بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، كما يُعاني القطاع من انخفاض شديد في معدلات التغطية باللقاحات بسبب غياب المساعدات.
الأزمة الصحية وتأثيراتها الكارثية
لا تقتصر المعاناة في غزة على الجوع فحسب، بل تشمل أيضًا انتشار الأمراض والمشاكل الصحية نتيجة تدهور البيئة الصحية، فالأمراض المعدية، مثل الإسهال والالتهاب الرئوي، تنتشر بسرعة في ظل نقص المياه النظيفة وانهيار الخدمات الصحية، إن تدهور النظام الصحي في غزة يعزز من تأثيرات الجوع على السكان، إذ يصبح المرض في هذه البيئة أكثر فتكًا بسبب ضعف الجهاز المناعي الناتج عن سوء التغذية.
وفي هذا السياق، حذر تقرير الأمم المتحدة من أن سوء التغذية يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة، بما في ذلك الإصابة بأمراض مزمنة وضعف النمو العقلي والبدني، وهو ما يهدد حياة الجيل القادم من الفلسطينيين في غزة، كما أن الحوامل والمرضعات يعانين بشكل خاص من نقص التغذية، ما يعرض الأمهات وأطفالهن إلى مخاطر صحية جسيمة.
المعاناة اليومية: غزة بين شبح الموت وحلم النجاة
الوضع في غزة اليوم يُظهر بوضوح معاناة السكان الذين يعيشون في حلقة مفرغة من الجوع والمرض، تشير التقارير إلى أن أكثر من 2.1 مليون شخص في غزة يعانون من نقص الغذاء الحاد، ويعيشون في ظروف إنسانية متردية بشكل لم تشهده المنطقة من قبل، وتزداد معاناة السكان بسبب الحصار الذي يعيق دخول المساعدات الإنسانية، بل أدى إلى توقف العمليات الإنسانية الضرورية مثل توزيع الغذاء وعلاج سوء التغذية في المراكز الصحية.
ويعاني أكثر من مليون شخص في غزة من انعدام الأمن الغذائي، وهي واحدة من أسوأ الحالات الإنسانية في العالم، إذ تشير التقارير إلى أن هذه الأزمة لم تعد مجرد مشكلة غذائية فحسب، بل أصبحت مشكلة حياة أو موت، حيث يتعرض السكان بشكل يومي لخطر فقدان حياتهم بسبب الجوع والمرض.
النداء الإنساني: ضرورة التدخل الدولي العاجل
النداء الذي أطلقته وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لم يعد مجرد دعوة لتوفير المساعدات، بل أصبح نداءً عاجلًا لإنقاذ حياة أكثر من مليوني شخص في قطاع غزة، الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الإنسانية حثت المجتمع الدولي على التدخل الفوري لإعادة تدفق المساعدات إلى غزة ورفع الحصار المفروض على القطاع، هناك مخزون ضخم من المواد الغذائية والأدوية على الحدود جاهز للدخول إلى القطاع، لكن الحصار يعيق وصولها إلى المحتاجين.
في هذا السياق، أعربت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، عن قلقها العميق من تفاقم الوضع في غزة، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك بسرعة قبل أن يصبح الوضع أسوأ، وذكرت أن العائلات في غزة تتضور جوعًا، وأن ما يحتاجونه من غذاء وأدوية عالق على الحدود بسبب الحصار.
ختام القول: غزة تحت تهديد المجاعة
إن الوضع في قطاع غزة اليوم يعدّ واحدًا من أكثر الأزمات الإنسانية مأساوية في العصر الحديث، حيث إن تزايد خطر المجاعة، مع الانخفاض الحاد في مستوى الأمن الغذائي وانتشار الأمراض، يشير إلى أن غزة تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، إذا لم يتم التدخل بشكل عاجل لإيصال المساعدات الإنسانية ورفع الحصار، فإن السكان في غزة قد يواجهون كارثة إنسانية قد تودي بحياة الآلاف، بل قد تشهد المنطقة تداعيات أعمق على المدى الطويل تؤثر في جميع الجوانب الإنسانية والاجتماعية.
أمام هذه الأزمة، يبقى السؤال الأهم: هل سيستجيب المجتمع الدولي لدعوات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في الوقت المناسب؟ وهل سيتمكن سكان غزة من النجاة من هذا الكابوس الذي يهدد حياتهم؟