الوقت - في خطوة مثيرة للجدل، تبنى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مقترحًا لإلغاء وزارة التعليم الفيدرالية، بحجة أن الولايات يمكنها إدارة التعليم بكفاءة دون تدخل حكومي مركزي، ورغم أن تقليص دور الحكومة الفيدرالية يعد جزءًا من أيديولوجية الحزب الجمهوري، إلا أن تنفيذ هذه السياسة بهذا الشكل الجذري يحمل مخاطر تهدد العدالة التعليمية وتعمّق الفجوات الاجتماعية داخل الولايات المتحدة.
يستند ترامب في مقترحه إلى أن الحكومة الفيدرالية تنفق مبالغ طائلة على التعليم دون تحقيق نتائج مُرضية، مشيرًا إلى أن دولًا مثل السويد والدنمارك والصين تحقق مراتب متقدمة في التعليم بإنفاق أقل، ويعتقد أن ترك الولايات لإدارة التعليم سيؤدي إلى تحسين الكفاءة وتحقيق نتائج أفضل.
وضرب ترامب مثالًا بولايات مثل أيوا وأوهايو، التي تمكنت من تحقيق كفاءة تعليمية عالية معتمدة على مواردها الذاتية، لكن هذه المقاربة تتجاهل الفروقات الكبيرة بين الولايات، فبينما تمتلك بعض الولايات اقتصادًا قويًا يتيح لها تمويل التعليم بشكل مستقل، تعاني ولايات أخرى من نقص حاد في الموارد، ما قد يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة في فرص التعليم بين الطلاب.
ضرب مبادئ العدالة والمساواة في التعليم
إلغاء وزارة التعليم لا يعني فقط تقليل البيروقراطية، بل يهدد أهم المبادئ الأمريكية، وأبرزها مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص، فالحكومة الفيدرالية تلعب دورًا محوريًا في تمويل المدارس التي تخدم المجتمعات الفقيرة، وتدعم برامج أساسية مثل:
برنامج (Title I): الذي يوفر التمويل للمدارس التي تخدم الأطفال من الأسر منخفضة الدخل.
برنامج (IDEA): الذي يخصص موارد لدعم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
هذه البرامج تسهم في تقليص الفجوات التعليمية بين الفئات الاجتماعية المختلفة، وإلغاؤها سيؤدي إلى مزيد من التهميش للطلاب من خلفيات فقيرة وعرقية متنوعة، ما يعمّق الفروقات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
التعليم كأداة سياسية: من الهجمات على الجامعات إلى إلغاء الوزارة
يأتي هذا التوجه بالتزامن مع تصاعد الهجمات على الجامعات الأمريكية، التي أصبحت هدفًا للخطاب المحافظ بسبب قضايا مثل التنوع، والعدالة الاجتماعية، وحرية التعبير، فخلال فترة رئاسته، سعى ترامب وحلفاؤه إلى تقليص تمويل الجامعات، معتبرين أنها مراكز للنخبوية والانحياز الليبرالي.
وشملت هذه الهجمات أيضًا التضييق على الجامعات التي شهدت احتجاجات طلابية بشأن قضايا سياسية، مثل الاحتجاجات في جامعة كولومبيا، التي شهدت اعتقال الطالب الفلسطيني محمود خليل بسبب تنظيمه مظاهرات مؤيدة لفلسطين، ورأى مراقبون أن هذا الاعتقال كان بمثابة رسالة سياسية تهدف إلى قمع المعارضة في الحرم الجامعي.
وبالتالي، فإن إلغاء وزارة التعليم لا يمكن فصله عن السياق الأوسع للسياسات التي تستهدف المؤسسات الأكاديمية، بهدف تقويض استقلالها وتحويلها إلى ساحات معركة أيديولوجية.
الانعكاسات الكارثية لإلغاء الوزارة
مزيد من التفاوت التعليمي: ستعاني الولايات الفقيرة من نقص التمويل، ما يؤدي إلى تراجع جودة التعليم، بينما ستتمكن الولايات الغنية من الحفاظ على مستوياتها، ما يكرّس الفجوة التعليمية بين الفئات الاجتماعية المختلفة.
إضعاف البحث العلمي: تعتمد الجامعات الأمريكية على التمويل الفيدرالي لدعم الأبحاث والابتكار، وإلغاء الوزارة سيؤدي إلى تقليص التمويل، ما يهدد مكانة أمريكا كقائدة عالمية في البحث العلمي.
ضرب مبدأ تكافؤ الفرص: قد يجد الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض وذوو الاحتياجات الخاصة أنفسهم خارج النظام التعليمي، ما يعمّق التفاوت الاقتصادي والاجتماعي.
تقويض القيم الديمقراطية: تعد حرية التعبير والتنوع الفكري من أهم ركائز الديمقراطية الأمريكية، لكن تقليص الدعم الفيدرالي للجامعات والمدارس قد يحدّ من المساحة المتاحة للنقاشات الأكاديمية الحرة.
لطالما كانت أمريكا دولة تؤمن بأن التعليم هو مفتاح النجاح والتقدم، لكن خطوة ترامب الطائشة بإلغاء وزارة التعليم تمثل تهديدًا حقيقيًا لهذه القيم، إن تقليص البيروقراطية وخفض الإنفاق الحكومي قد يكون أمرًا ضروريًا في بعض المجالات، لكن تطبيق هذه السياسة على التعليم يعكس فهماً ضيقًا لمفهوم الاستثمار الوطني.
إن إضعاف النظام التعليمي لن يؤدي فقط إلى تراجع أمريكا على الساحة العالمية، بل سيؤثر أيضًا على نسيجها الاجتماعي، ما قد يهدد مستقبل الأجيال القادمة، فبدلًا من القضاء على وزارة التعليم، تحتاج البلاد إلى إصلاحات حقيقية تضمن تحقيق العدالة التعليمية، وتعزز الابتكار، وتحمي حرية الفكر والتعبير.