الوقت- أثار الإعلان عن استحواذ بنك الإمارات دبي الوطني على بنك القاهرة جدلًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث ترقب المصريون نفيًا رسميًا من البنك المركزي أو الحكومة، لكن دون جدوى. ورغم حساسية الصفقة وأثرها على القطاع المصرفي المصري، غابت التصريحات الرسمية، ما زاد من حالة القلق والتكهنات حول دوافع البيع وتداعياته.
في المقابل، لم يصدر بنك الإمارات دبي الوطني أي تصريحات مباشرة بشأن خططه المستقبلية، رغم ما كشفته مصادر من داخل البنك عن نيته إتمام الاستحواذ، وفقًا لما تم تداوله في سوق دبي المالي. وبعد أيام من انتشار الخبر، أكدت وكالة بلومبرج أن البنك الإماراتي حصل على موافقة البنك المركزي المصري لبدء الفحص النافي للجهالة، وهو الإجراء الأساسي قبل إتمام الصفقة، التي قد تتجاوز قيمتها مليار دولار.
هذه التطورات تفتح باب التساؤلات حول دوافع الحكومة المصرية لبيع أحد أبرز البنوك المملوكة للدولة، ومدى تأثير ذلك على السيادة المالية والاستقرار المصرفي، فضلًا عن انعكاساته على ثقة المستثمرين والمودعين. فهل نحن أمام خطوة مدروسة لتعزيز الاقتصاد، أم أن الصفقة تندرج ضمن سياسة التفريط في الأصول لتخفيف الأزمة المالية؟
انتقادات حادة
أعرب سياسيون وخبراء اقتصاد مصريون رفضهم للصفقة، لأسباب منها أن البنك مملوك بنسبة 99 بالمئة لـ"بنك مصر"، ثاني أكبر البنوك الحكومية في البلاد بعد "البنك الأهلي"، وكلاهما من المصارف الرابحة، ولهما أصول محلية ضخمة.
ثاني الاعتراضات جاءت تقول إن الحكومة المصرية فضلت التعامل مع البنك الإماراتي، عن المؤسسة كويتية التي أبدت رغبتها في الاستحواذ على البنك، فيما وصفها الكاتب الاقتصادي مصطفى عبد السلام الصفقة بأنها "بيع بالأمر المباشر".
كذلك، أشار البعض إلى أن قيمة الصفقة مع البنك الإماراتي المقدرة بمليار دولار، أقل بكثير من عرض "البنك الأهلي اليوناني" لشراء "بنك القاهرة" عام 2008، قبل 17 عاما، والبالغ حينها 2.250 مليار دولار، في صفقة رفضتها حكومة القاهرة آن ذاك.
وفي السياق، لفت مصريون إلى المخاوف المتعلقة بالأمن القومي، خاصة وأن البنك يمتلك محفظة أصول كبيرة في شبه جزيرة سيناء، التي تمثل منطقة أمن قومي هامة لمصر، ويتخوف عليها المصريون من تنفيذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته بتهجير أهالي غزة إليها.
السفير محمد مرسي يقول إن الأخبار تطالعنا بأن بنك القاهرة سيباع لبنك إماراتي بمليار دولار، مشيرا إلى أن الأخبار نفسها طالعتنا أيضاً بأن البنك قد حقق أرباحاً تجاوزت قيمتها ٢٥٠ مليون دولار في العام الماضي ، و بأن البنك يمتلك أكثر من 250 فرعاً في مختلف مدن مصر.
وطالب الدبلوماسي المصري أيضاً أن يطرح بيع البنك للاكتتاب العام للمصريين وخاصة بعض أثريائنا الذين يجيدون انتهاز فرض الاستثمار والتجارة، مشيرا إلى أنه وفقاً لهذه المعلومات فإن شراء بنك القاهرة صفقة رابحة ومضمونة، لأن البنك ” هيجيب تمنه في سنوات قليلة”.
واختتم مؤكدا أن في الصفقة نفعا للمواطن وحماية لمقدرات الوطن ، ووقفا لنزيف تحويل الدولار للخارج استناداً إلي حق المشتري الأجنبي في تحويل أرباح استثماراته للخارج بالعملات الصعبة .
من جهته قال الخبير الاقتصادي د. رمزي الجرم إنه طالما كان هناك إصرار ونية مبيتة على بيع بنك القاهرة لمستثمر إماراتي بعد فشل تلك المحاولة في عام 2007 بعد رفض المشير طنطاوي عملية البيع لتعلقها بالأمن القومي المصري ، فلماذا تم تشييد مقر للبنك في العاصمة الإدارية الذي تَكَلفَ مليارات الجنيهات فضلا عن نفقات اعادة تطوير الكثير من فروعه خصوصًا في مدينتي القاهرة والإسكندرية وتغيير اللوجو الذي تَكَلفَ نفقات باهظة للغاية على خلفية اعدام المطبوعات وكافة الاشياء التي تحمل اللوجو القديم وإعادة تصويرها باللوجو الجديد دون حاجة داعية أو ضرورة قاضية في ظل عدم جاذبية سعر التقييم المُعلن؟
الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار يرى أن أننا في حاجة إلى مراجعة الموقف، مؤكدا أن قضية البيع هنا هي قضية أمن قومي وليست مجرد قضية بيع بنك.
ويضيف أن الجهاز المصرفي في مصر الذي يعتبر واحدا من الدعائم الصلبة للأمن القومي المصري مهدد في الوقت الحالي.
في ذات السياق قال الإعلامي عمرو أديب إن من الصعب أو بالأحرى من المستحيل أن تبيع مصر بنك القاهره فى السر. وأضاف أن من المؤكد معرفة من متقدم للشراء والمبلغ المطروح لهذا البنك الناجح.
واختتم قائلا إننا نحاول بيع البنك من التسعينيات ،فلا يمكن أن تكون أخبار الفشل فى بيعه فى النور وأخبار النجاح تكون فى الظلام حسب وصفه .
صفقة مشبوهة تستوجب التحرك
شن القيادي بحزب المحافظين، مجدي حمدان موسى، حملة مع عدد من السياسيين ضد بيع بنك القاهرة، مشددًا على أن السعر المعروض لشراء البنك لا يعكس قيمته الحقيقية، حيث تتجاوز أصوله 477 مليار جنيه (نحو 9 مليارات دولار)، فيما بلغت أرباحه 120 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) حتى نهاية 2024.
وفيما يتعلق بالبدائل الممكنة لوقف الصفقة مع البنك الإماراتي، أوضح رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب المحافظين، أن الحل يكمن في التعبير عن الرفض الجماعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، داعيًا إلى إطلاق حملة تدوين واسعة لتوضيح مخاطر الصفقة والخسائر التي قد تتكبدها مصر نتيجة تنفيذها.
من جانبه، وصف موسى الصفقة بأنها "مشبوهة"، معتبرًا أنها تمت بشكل متسرع ودون دراسة وافية، وشبّهها ببيع "تاجر مفلس لممتلكاته بسعر أقل من قيمتها الحقيقية". كما حذر من تداعياتها على استقرار القطاع المصرفي وثقة المستثمرين، مطالبًا بإعادة النظر في تفاصيلها والتركيز على تحسين أداء البنك بدلًا من بيعه. وعن ضعف أرقام صفقة بيع بنك القاهرة في عهد السيسي عنها بعهد حسني مبارك، كشف الباحث الاقتصادي مصطفى عادل، أن العروض المالية المقدمة حينها كانت من "الأهلي اليوناني" بقيمة 2.250 مليار دولار، ومن "المشرق الإماراتي" بنحو 1.3 مليار دولار، ومن "العربي الأردني" بحوالي 1.2 مليار دولار"، لافتا إلى أنه بعد 17 سنة يرصد له مليار دولار فقط. الأمر الذي يثير الشبهة حول هذه الصفقة.