الوقت - لقد كانت أرمينيا في مزاج مختلف منذ بعض الوقت، وفي يوم السبت الماضي، تحدثت وسائل الإعلام عن زيارة رئيس الوزراء الأرميني إلى الولايات المتحدة لمتابعة الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين يريفان وواشنطن، وفي وقت سابق، وقع وزير الخارجية الأرميني آرارات ميرضيائيف ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق أنتوني بلينكين اتفاقية شراكة استراتيجية في واشنطن.
اتفاقية تعزز التعاون بين البلدين، ويبدو أن رئيس الوزراء الأرميني يسعى الآن إلى تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي مع واشنطن، وحسب التقارير، فقد تم نتيجة لهذا الاتفاق تشكيل لجنة للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، مهمتها التخطيط للإطار الذي يحرك البلدين نحو التعاون الاستراتيجي في المجالات الثلاثة: الاقتصاد والأمن والسياسة، ومع ذلك، فإن الاهتمام بأهداف هذه المجالات الثلاثة يسلط الضوء على أبعاد أخرى لهذا التعاون.
ما هي مجالات التعاون الاقتصادي بين أرمينيا والولايات المتحدة؟
وتعد الاتفاقيات المتعلقة بالطاقة، والتي تركز على الطاقة النووية، أهم الاتفاقيات في القطاع الاقتصادي بين أرمينيا والولايات المتحدة، كما وصف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هذا القطاع بأنه نقطة تحول في العلاقات بين البلدين، واعتبره وزير الخارجية الأرميني حيويا لمرونة أرمينيا الاقتصادية، كما دعمت هذه الخطة أيضًا خطة انضمام أرمينيا إلى الاتحاد الأوروبي.
التعاون من أجل الأمن أو انعدام الأمن؟
وحسب التقارير فإن القضية الأمنية الأكثر أهمية في الاتفاق الاستراتيجي بين أرمينيا والولايات المتحدة هي قضية الحدود وأمن الحدود، والتي أكد عليها بلينكين مرارا وتكرارا، وفي الوقت نفسه، خلف كواليس مناقشة الحدود والأمن الحدودي، يمكن إدراج أهداف أخرى لهذه الاتفاقية، وربما يتعلق جزء من الأمن الحدودي بالعلاقات الوثيقة لأرمينيا مع جارتيها الشمالية والجنوبيتين، أي روسيا وأذربيجان ثم إيران.
ما اتفقت عليه أرمينيا والولايات المتحدة في قطاع الأمن هو شفافية أنشطة أرمينيا الحدودية والجمركية فيما يتعلق بمرور البضائع الحساسة بين روسيا وأرمينيا أو بين روسيا وإيران عبر أرمينيا، في الواقع، إن هدف واشنطن هو السيطرة على هذه العلاقات، ومن وجهة نظر واشنطن، فإن نقل بعض السلع بين روسيا وأرمينيا وإيران، بما في ذلك المعالجات الدقيقة والسلع للاستخدام العسكري، يتعارض مع الأمن الأمريكي.
خلال حرب أوكرانيا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على العديد من الشركات الأرمينية بسبب ارتباطها بالأنشطة العسكرية الروسية، ويبدو الآن أن الأمريكيين يحاولون السيطرة على التجارة بين الدول الثلاث، روسيا وأرمينيا وايران، من خلال السيطرة على الجمارك والمعابر الحدودية الأرمينية، ومراقبة إيران، وبموجب الاتفاق بين أرمينيا والولايات المتحدة، سيتوجه وفد من مصلحة الجمارك من الولايات المتحدة إلى أرمينيا لغرض التنظيم والتدريب، وسيقدم التدريب اللازم لموظفي الجمارك الأرمينية.
التأثيرات السياسية
إن توسيع التعاون بين أرمينيا والولايات المتحدة في الأبعاد الاقتصادية والأمنية من شأنه أن يمتد إلى المجال السياسي أيضاً، وحسب بعض الخبراء فإن هذا الاتفاق يشكل خطوة أخرى نحو نزع الطابع الروسي عن العلاقات الخارجية لأرمينيا ودمجها في النظام الأمني الغربي.
ويأتي توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين أرمينيا والولايات المتحدة في وقت انتقد فيه المحلل السياسي الأرمني هرانت مليك شاهنازاريان الاتفاق وحذر من أنه قد يزيد من خطر اندلاع حرب جديدة، وقال: إن "التسرع في توقيع ميثاق الشراكة الاستراتيجية بين أرمينيا والولايات المتحدة أمر واضح"، وأضاف: "إن الولايات المتحدة ترسل في الواقع رسالة إلى روسيا وإيران، اللتين من المقرر أن توقعا اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة في موسكو في الـ17 من يناير/كانون الثاني"، وحذر شاهنازاريان من أن الوثيقة تحتوي على أحكام يمكن اعتبارها تهديدا لروسيا وإيران وتحويل أرمينيا إلى أداة لتعزيز المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
هل يضمن الاتفاق أمن أرمينيا؟
ورغم أن هذا الاتفاق يُقدم على أنه اتفاق استراتيجي، فإنه لا يبدو أنه يلبي الأهداف الرئيسية لأرمينيا في تعزيز الأمن الإقليمي في يريفان، وفي حين تحركت يريفان نحو هذا الاتفاق لمواجهة التهديدات وخلق التوازن مع جمهورية أذربيجان، فإن الولايات المتحدة لم تقدم أي التزام أمني للحفاظ على أمن أرمينيا ضد الهجوم الأجنبي.
من ناحية أخرى، ومع وصول إدارة ترامب إلى السلطة وسعيها إلى تطبيق سياسة ترامب "أمريكا أولاً"، وميل الإدارة الجديدة في واشنطن إلى حل الصراع الأوكراني من خلال المفاوضات مع روسيا، لا يبدو أن ترامب مهتم بمواجهة روسيا في أرمينيا، ولذلك فمن غير الواضح ما إذا كان إرث بايدن في أرمينيا سيستمر في عهد إدارة ترامب.
كما ينبغي لنا أن نضع في الاعتبار أن روسيا حساسة للغاية تجاه تحركات أرمينيا، ولا يبدو أن موسكو ستظل غير مبالية بالأفعال المؤيدة للغرب التي تقوم بها السلطات الأرمينية، بما في ذلك ميلها إلى الاندماج في الاتحاد الأوروبي، ولعل أحد الأسباب التي قد تدفعها إلى ذلك هو أن روسيا قد تلجأ إلى تصعيد التوترات مع أرمينيا، إن الاتفاق مع الولايات المتحدة سوف يعمل كرادع وليس ضمانة، وسوف يعرض الأمن أرمينيا لمزيد من عدم الاستقرار الداخلي.
