الوقت - تثير التقارير الإعلامية العبرية حول دخول جرافات مصرية عملاقة إلى قطاع غزة قلقًا متزايدًا في الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، حيث تخشى تل أبيب أن تستخدم هذه المعدات لأغراض غير مدنية، رغم التأكيدات الرسمية بأنها مخصصة لإزالة الركام وإعادة الإعمار، ويعكس هذا القلق حالة التوتر المستمرة بشأن إعادة إعمار غزة بعد الدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة.
وتثير القناة العاشرة الإسرائيلية، قلقًا متزايدًا في الأوساط الأمنية والسياسية في "إسرائيل"، حيث تشير إلى أن حركة حماس استخدمت جرافات من نفس الطراز الذي يُسمح الآن بدخوله إلى غزة خلال هجومها على الكيان الصهيوني في الـ 7 من أكتوبر 2023.
فقد ساعدت هذه الجرافات، وفقًا للمصادر الإسرائيلية، في اختراق السياج الحدودي، ما مكّن المقاتلين الفلسطينيين من التوغل داخل المستوطنات الإسرائيلية القريبة من القطاع، ويستند هذا القلق الإسرائيلي إلى مخاوف من أن يتم استغلال الجرافات الجديدة لأغراض أخرى غير إزالة الأنقاض، ما قد يشكل تهديدًا أمنيًا مستقبليًا.
ورغم التأكيدات الرسمية التي تفيد بأن هذه الجرافات ستُشغَّل حصريًا من قبل فريق مصري يدخل القطاع ويغادره يوميًا، فإن بعض الجهات الأمنية الإسرائيلية لا تزال تخشى أن يتم تحويل هذه المعدات الثقيلة لاحقًا إلى أيدي الفصائل الفلسطينية، سواء عبر التنسيق أو الاستيلاء عليها بطرق غير مباشرة، وتستند هذه المخاوف إلى التجارب السابقة، حيث تمكنت المقاومة الفلسطينية من استخدام معدات مدنية في عملياتها العسكرية، وهو ما يجعل دوائر صنع القرار في "إسرائيل" غير مطمئنة تمامًا لهذه الخطوة.
أثارت هذه القضية انقسامًا داخل "إسرائيل"، حيث يرى بعض السياسيين الإسرائيليين، وخاصة من التيار اليميني، أن السماح بإدخال هذه المعدات الثقيلة يمثل تنازلًا لحركة حماس، ويضعف موقف "إسرائيل" التفاوضي، وقد استخدم الإعلام العبري مصطلح "صفقة الاستسلام" لوصف هذه الترتيبات، في إشارة إلى أن تل أبيب تقدم تنازلات لحماس دون الحصول على ضمانات أمنية كافية.
كما أن المعارضة اليمينية داخل "إسرائيل"، التي لطالما عارضت أي شكل من أشكال التهدئة مع غزة، قد تستغل هذه الخطوة لتصعيد الانتقادات ضد الحكومة، معتبرة أنها تعطي حماس أدوات يمكن أن تعزز من قدرتها العسكرية على المدى البعيد، ومن المتوقع أن تستخدم المعارضة هذا الملف لمهاجمة القيادة الإسرائيلية الحالية، واتهامها بالضعف في التعامل مع التهديدات الأمنية.
في المقابل، فإن إدخال الجرافات المصرية إلى قطاع غزة يأتي كضرورة ملحة في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية التي يعاني منها القطاع بعد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الإسرائيلية، فقد تعرضت البنية التحتية لدمار شبه كامل، ما خلق حاجة ملحة لإزالة الركام وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، ووفقًا لبلدية خان يونس، فإن حجم الركام المتراكم في المحافظة وحدها بلغ 15 مليون طن، وهو ما يستدعي إدخال معدات ثقيلة قادرة على التعامل مع هذه الكميات الضخمة من الأنقاض.
وفي ظل هذا الوضع، تبرز الحاجة الماسة لإصلاح الطرق والمرافق الأساسية التي دُمرت بفعل القصف الإسرائيلي، وتشير التقارير المحلية إلى أن مئات الشوارع ما زالت مغلقة، ما يعيق حركة المواطنين وفرق الإغاثة، كما تعرضت أكثر من 133 آلية تابعة لبلدية غزة للتدمير، ما أدى إلى عجز هائل في تقديم الخدمات الأساسية مثل جمع النفايات وتصريف المياه، هذه الأوضاع جعلت من توفير المعدات الثقيلة ضرورة لا غنى عنها لإعادة تشغيل المرافق الخدمية وتسهيل الحياة اليومية للسكان.
إلى جانب ذلك، تزداد المخاوف من تفاقم الأوضاع الصحية والبيئية في القطاع، إذ أكد مسؤولو البلديات أن استمرار تراكم الأنقاض والنفايات قد يؤدي إلى كارثة بيئية وصحية، وخاصة مع النقص الحاد في المياه النظيفة وشح الوقود اللازم لتشغيل محطات معالجة الصرف الصحي، كل هذه العوامل تجعل من إدخال المعدات الثقيلة إلى غزة خطوة بالغة الأهمية للحيلولة دون تفاقم الأوضاع الإنسانية.
أما على الصعيد السياسي، فإن إدخال هذه الجرافات المصرية يعكس الدور المتنامي للقاهرة في الملف الفلسطيني، حيث تسعى مصر إلى لعب دور رئيسي في إعادة إعمار القطاع ضمن التفاهمات الدولية الرامية إلى تحسين الأوضاع الإنسانية، وفي الوقت ذاته، تحاول القاهرة طمأنة "إسرائيل" بأن هذه المعدات ستُستخدم فقط للأغراض المدنية، إذ تشير التصريحات الرسمية إلى أن تشغيلها سيتم تحت إشراف فريق مصري يدخل غزة ويغادرها يوميًا، ويعكس هذا الترتيب الدور المصري كضامن لعدم استخدام هذه المعدات في أي أنشطة عسكرية مستقبلية.
على الجانب الآخر، تبرز أهمية الوساطة المصرية في تحقيق التوازن بين احتياجات الإعمار ومتطلبات الأمن الإسرائيلي، حيث تعمل القاهرة على ضمان أن يكون استخدام المعدات الثقيلة مخصصًا للأعمال المدنية فقط، في محاولة منها لمنع أي تصعيد محتمل أو توتر جديد في المنطقة.
أما فيما يتعلق بردود الفعل المحتملة، فمن المتوقع أن تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغوطًا متزايدة من المعارضة التي قد تستغل هذه الخطوة لاتهامها بتقديم تنازلات لحماس، في المقابل، ترى بعض الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن السماح بإدخال هذه المعدات قد يسهم في تهدئة الأوضاع وتجنب اندلاع مواجهة جديدة في المستقبل.
وفي غزة، يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها جزءًا من الجهود الدولية لإعادة الإعمار، إلا أنها قد تواجه تحديات تتعلق بسرعة التنفيذ ومدى فعالية الحلول المقدمة، وخاصة في ظل الدمار الواسع الذي خلفته الحرب، وبينما تبقى إعادة الإعمار حاجة ماسة، يظل الترقب سيد الموقف بشأن كيفية تنفيذ هذه الخطط وما إذا كانت ستسهم حقًا في تخفيف المعاناة الإنسانية أم ستتحول إلى محور جديد للتوتر السياسي والعسكري في المنطقة.
يبقى إدخال الجرافات المصرية إلى غزة خطوة ضرورية للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية، لكنه في الوقت نفسه يثير قلقًا إسرائيليًا عميقًا حول إمكانية استغلال هذه المعدات لأغراض أخرى، وبينما تحاول القاهرة تقديم ضمانات لـ"إسرائيل" بشأن استخدامها، فإن المشهد يبقى مفتوحًا على تطورات قد تؤثر على المسار السياسي والعسكري للصراع في المنطقة.