الوقت- لطالما كانت المرأة الفلسطينية محط اهتمام الاحتلال الصهيوني في العقود الأخيرة بسبب مكانتها الاجتماعية الأساسية في المجتمع الفلسطيني والدور الذي تلعبه في المقاومة ورفع معنويات الأسرة.
إن الأمن وحرية التنقل والرعاية الصحية والتعليم والغذاء والملبس والسكن والتوظيف والمعاشات التقاعدية والخدمات الاجتماعية الأساسية هي حقوق بسيطة للمرأة.
منذ عام 1948، يحرم الكيان الصهيوني المرأة الفلسطينية من هذه الحقوق البسيطة من خلال احتلاله للأرض الفلسطينية لمدة 76 عامًا، ولا يهم إذا كانت المرأة الفلسطينية تعيش في فلسطين أو خارجها وفي بلدان أخرى، لقد طالت الآثار السلبية للاحتلال كل جوانب حياة المرأة الفلسطينية، بما فيها الشخصية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحولتها إلى مثال مؤلم وصعب ومختلف عن باقي نساء العالم.
إن الوضع الحالي للمجتمع الذي يعاني من الاحتلال لم يكسر إرادة المرأة الفلسطينية ولم يتغلب على استقرارها؛ بل على العكس من ذلك، فقد خرجت من تلك الآلام والمعاناة امرأة تختلف عن باقي النساء، فالفتيات الفلسطينيات يمتن على مكاتبهن المدرسية، وتموت النساء تحت أنقاض القصف الصهيوني.
رغم الحياة اليومية الصعبة وسط منزل متهدم وأرض مغتصبة، وطفل مريض، وزوج أسير، وأب شهيد، ومدن وقرى محاصرة، إلا أن النساء في فلسطين يزرعن شجيرات الاستقرار والأمل، وبعد استشهاد الرجال يصبحون أرباب شؤون الأسرة ويتولون رعاية أبنائهم ويعلمونهم الكرامة والاستقرار والمقاومة.
كما يتم نشر العديد من الأخبار يوميًا عن محنة النساء الفلسطينيات الحوامل، اللاتي يواجهن خطر الموت أنفسهن أو أطفالهن أو كليهما بسبب التأخير الطويل على نقاط التفتيش التابعة للكيان الصهيوني وعدم إمكانية الوصول إلى مرافق المستشفى للولادة.
ولحسن الحظ، وعلى الرغم من الآثار السلبية للاحتلال، فإن الحياة مستمرة في فلسطين، بالإضافة إلى كونها أمًا وزوجة وأختًا، فإن المرأة الفلسطينية هي مدربة ومحاربة وممرضة ومعلمة، ولها دائمًا حضور فاعل في الحياة السياسية والحركة الجهادية.
في القرن الحادي والعشرين، تشهد أعين العالم سحق حقوق المرأة الفلسطينية تحت جزمة الكيان المحتل، ولم تنجح البيانات الدولية الداعمة للنساء والأطفال الفلسطينيين في إيقاظ ضمير المنظمات الدولية النائم، وكأنهم أغمضوا أعينهم عما يحدث للنساء والأطفال الفلسطينيين.
وفي هذه الفرصة المتاحة نفتح ملف "المرأة في المجتمع الفلسطيني" المخصص لمعاناة المرأة الفلسطينية، وفي إطار علمي ومنهجي وموثق، تستعرض هذه القضية أبرز انتهاكات الاحتلال بحق المرأة الفلسطينية، وتتناول الرؤية والعاطفة الإنسانية.
في بداية القضية والتقرير الأول نستعرض وضع المرأة في المجتمع الفلسطيني، وهو ما نوضحه فيما يلي:
المرأة الفلسطينية في دائرة اهتمام الصهاينة
وحسب الإحصائيات، هناك 103 رجال لكل 100 امرأة في الضفة الغربية وقطاع غزة، في عام 1948، كان هناك 103.6 رجل لكل 100 امرأة في الأراضي المحتلة، وحسب التعداد السكاني للاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا ولبنان عام 2005، تبين أنه مقابل كل 100 امرأة هناك 102.3 رجل في سوريا و98.5 رجل في لبنان، ولذلك فإن نصف السكان الفلسطينيين في فلسطين، وكذلك سكان اللاجئين الفلسطينيين في البلدان الأخرى، هم من النساء الفلسطينيات.
وأدلت ياكين إرتورك، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشهادتها حول "العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه" على النحو التالي: "لقد انتهك الكيان الصهيوني الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتجاهل الحقوق المدنية والسياسية بعنفه".
ومنذ بداية الانتفاضة الأولى، اعتقل الكيان الصهيوني نحو 60 ألف فلسطيني، لا يزال منهم نحو 11 ألفًا خلف القضبان، ومن بينهم 98 امرأة و355 طفلاً ومئات المرضى الذين يعيشون في وضع صعب وغير إنساني، وفي كل هذه القضايا كانت المرأة الفلسطينية في قلب المعاناة والقلق في دور الأم والزوجة والابنة والأخت، وفي كثير من الأحيان يقع عليهم عبء مسؤولية الأسرى والشهداء أو المصابين والعاطلين عن العمل، وبالإضافة إلى هذه الأدوار، فهم مسؤولون أيضًا عن العمل وتوفير النفقات والحفاظ على هوية الوطن.
إن القيود مثل إغلاق المعابر ونقاط التفتيش، وكذلك الجدار العازل، على الرغم من الظروف الصعبة التي خلقها للمواطنين، حرمت الفتيات والنساء من التعليم والعمل وزيارة الأقارب والأصدقاء، وأدانت النساء الفلسطينيات، في تظاهرة، بناء الجدار العازل الصهيوني في الضفة الغربية، والذي يمنع حرية المرور للفلسطينيين، وقد صادر كيان الاحتلال الكثير من الأراضي الفلسطينية لبناء هذا الجدار.
وتعاني المرأة الفلسطينية في البلدان التي نزحت فيها، وخاصة لبنان، بشكل آخر، بما في ذلك البيئة الاجتماعية والاقتصادية القاسية للمخيم، ورغم كل المشاكل التي تعيشها، إلا أنها انتصرت في هذه الحرب حتى اليوم.
المجتمع الفلسطيني مجتمع شاب
وفي عام 2006، وحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغ متوسط حمل المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة 4.6 أطفال لكل امرأة، وفي الأراضي المحتلة 3.68 طفل لكل امرأة فلسطينية تعيش في هذه المناطق، في حين أن هذا الرقم هو 2.8 طفل لكل امرأة إسرائيلية، ونتيجة لارتفاع معدل الحمل لدى المرأة الفلسطينية، يعتبر المجتمع الفلسطيني مجتمعا فتيا، حيث إن 45.5% من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة أعمارهم أقل من 15 عاماً، و3% فقط منهم بعمر 65 عاماً فأكثر.
ولا يعتبر النازحون الفلسطينيون في لبنان من السكان الشباب، وذلك بسبب حرب لبنان التي كان سكان المخيمات الفلسطينية أحد ضحاياها.
تدمير الأمة الفلسطينية جريمة غربية صهيونية
إن جرائم الكيان الصهيوني التي وقعت في إطار زمني 76 عاما ومع احتلاله للأرض الفلسطينية، وكانت ذروتها منذ ال 7 من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، تعتبر "إبادة جماعية".
إن عمليات القتل المتزايدة للمحتلين الصهاينة في غزة لا يمكن أن تضمن أبدا استمرار حياتهم المشينة، فمنذ ال 7 من أكتوبر 2023، قُتل أكثر من 17 ألف طفل على يد الكيان الصهيوني في الغارات الجوية والقصف.
ومن بين الأطفال الذين قتلوا، هند رجب البالغة من العمر ستة أعوام، وتالا أبو عجوة البالغة من العمر عشر سنوات، يزن (9 سنوات)، والطفلة هبة زيادة (7 أيام)، ومحمد النجار، الذين استشهدوا بسبب سوء التغذية والعطش الناجم عن الحصار الكامل للكيان الصهيوني.
وقالت أم فلسطينية: "صعب علي أن يموت ابني أمام عيني بسبب سوء التغذية بسبب الحرب، ليس لدي ما أعطيه إياه ليأكله"، تعيش بشرى البالغة من العمر أربع سنوات وأحمد البالغ من العمر ثلاث سنوات حياة ذوي الإعاقة اليوم لأن الدواء الذي كان يمكن أن ينقذ أرجلهم لم يكن متوفراً، وقاموا ببتر أرجلهم لإنقاذ حياته، وكان طفل آخر من الأطفال نبيل يبلغ من العمر خمس سنوات يعاني من سرطان الدم وتوفي بسبب نقص الدواء.
انتقام من الأمهات الفلسطينيات
الكيان الصهيوني يستهدف أطفال غزة بشكل منهجي! حيث يذهب الأطفال كل يوم في غزة إلى المستشفى بعد إصابتهم برصاصة في الرأس أو الصدر، وبعد مرور 444 يومًا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا تزال الصور المفجعة لأطفال قتلوا وتمزقوا إربًا مرئية، وحتى الآن، قُتل أكثر من 17 ألف طفل في غزة، وقد أعلنت منظمة هيومان رايتس ووتش الأوروبية المتوسطية أن "هذه الإحصائية غير مسبوقة في تاريخ الحروب الحديثة".
وقالت منظمة "أنقذوا الأطفال" غير الحكومية: "حسب تقديراتها فإن 21 ألف طفل في عداد المفقودين، من المحتمل أنهم مفقودون أو ماتوا تحت الأنقاض أو المقابر المجهولة أو مراكز الاحتجاز".
وهنا، يبدو أن الكيان الصهيوني، من خلال قيامه بهذه الإبادة الجماعية القاسية في قطاع غزة، والتي استهدفت الأطفال والنساء الفلسطينيين على وجه التحديد، ينتقم من الأمهات الفلسطينيات بسبب دورهن الكبير في نمو الأمة الفلسطينية وتميزها بل إنه يعزز التركيبة الديموغرافية للفلسطينيين ضد السكان المستوردين من المحتلين.
الخلاصة
ظلت المرأة الفلسطينية محط اهتمام الاحتلال الصهيوني بسبب مكانتها الاجتماعية الأساسية في المجتمع والدور الذي تلعبه في المقاومة ورفع الروح المعنوية لأسرتها، وهو الركيزة الأساسية في الحرب الفلسطينية ضد كيان الاحتلال التوسعي.
إن الدول الإمبريالية والاستعمارية الغربية، التي أنشأت الكيان الصهيوني منذ عقود لحماية مصالحها في المنطقة واستغلال فلسطين، هي المتواطئ الرئيسي في الإبادة الجماعية التي ارتكبها هذا الكيان في إبادة غزة، وبسبب دعمها العسكري والمالي والدبلوماسي الهائل لهذا الكيان، في جرائم الحرب التي يرتكبها.
واليوم، أصبحت معارضة الإبادة الجماعية في غزة والدفاع عن الفلسطينيين قضية داخلية في الساحة السياسية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي هذه الأيام تمتلئ جامعات وشوارع أمريكا وأوروبا بمعارضي الإبادة الجماعية الصهيونية الغربية في غزة، وهذا يعني أن التيارات المؤيدة للفلسطينيين في الغرب أدركت أيضاً أن تدمير الأمة الفلسطينية هو، من حيث المبدأ جريمة غربية وليست إسرائيلية حصراً.