الوقت- قرر الجيش الإسرائيلي تقليص مدة الخدمة الاحتياطية من 20 أسبوعا إلى 9 أسابيع، لتحفيز الجنود على الالتحاق بالخدمة العسكرية بعد انخفاض عددهم، وفق إعلام عبري. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مساء الاثنين الماضي: “سيقلص الجيش الإسرائيلي نطاق أيام الخدمة العملياتية لكتائب الاحتياط من متوسط 20 أسبوعا لكل جندي في 2024 إلى 9 أسابيع في 2025". وأوضحت أن “الجيش يشعر بالقلق من انخفاض بنسبة 15 إلى 25 بالمئة في الخدمة الاحتياطية، وهو ما تم الشعور به في الأسابيع الأخيرة في الألوية القتالية في غزة وفي الشمال (لبنان) ويؤثر على جوهر القرارات العملياتية”.
وفي وقت سابق، كشفت معطيات إسرائيلية، عن انخفاض ملحوظ في انضمام جنود الاحتياط للخدمة العسكرية، جراء دفع الحكومة مشروع قانون يسمح باستمرار بإعفاء متدينين يهود (الحريديم) من الخدمة العسكرية، إلى جانب الإرهاق وتطالب أحزاب في الائتلاف الحكومي بسن قانون جديد، لضمان استمرار تهرب حوالي 60 ألف يهودي متدين كل عام من الخدمة العسكرية، بدعوى تفرغهم لدراسة التوراة. الصحيفة قالت إنه على خلفية ذلك “سجل الجيش مؤخرا انخفاضا استثنائيا في عدد المنضمين للخدمة الاحتياطية، حتى بين مقاتلي الوحدات في غزة ولبنان”. وأضافت أنه “في الأشهر الأولى من الحرب (الإبادة بغزة) بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت نسبة المشاركة أكثر من 100 بالمئة، وضغط جنود احتياط إضافيون للانضمام، ولكن في الأسابيع الأخيرة، انخفضت نسبة الاستجابة بين 15 بالمئة إلى 25 بالمئة”.
ومن بين أسباب تراجع النسبة أيضا، وفق الصحيفة، “الإرهاق المتزايد، والتوسع في استخدام جنود الاحتياط الذي من المتوقع أن يستمر حتى عام 2025”. وبشكل يومي، يعلن الجيش الإسرائيلي مقتل وإصابة جنود في معارك بلبنان وغزة، كما تكشف “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة حماس عن عمليات ضد القوات الإسرائيلية، إلى جانب بيانات متلاحقة من “حزب الله” عن استهدافه تجمعات عسكرية لتل أبيب. ووفق مراقبين، تتكتم إسرائيل على الخسائر البشرية والمادية جراء حربها على قطاع غزة ولبنان، وتمنع التصوير وتداول الصور ومقاطع الفيديو، وتحذر من الإدلاء بمعلومات لوسائل إعلامية بهذا الشأن، إلا من خلال جهات تخضع لرقابتها المشددة.
وبعد اشتباكات مع فصائل في لبنان، أبرزها “حزب الله”، بدأت عقب شن إسرائيل حرب إبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، خلفت أكثر من 146 شهيد وجريح فلسطينيين، وسعت تل أبيب منذ 23 سبتمبر الماضي نطاق الإبادة لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه. وأسفر العدوان الإسرائيلي على لبنان إجمالا عن 3 آلاف و243 شهيدا و14 ألفا و134 جريحا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء، فضلا عن نحو مليون و400 ألف نازح، وجرى تسجيل معظم الضحايا والنازحين بعد 23 سبتمبر الماضي.
هل بدأ خزان التجنيد في الجيش الإسرائيلي بالنضوب؟
فاقمت الحرب على جبهتي لبنان وغزة أزمة الجيش الإسرائيلي، وذلك بسبب النقص الحاد بالقوى البشرية وفي أعقاب الخسائر الفادحة التي تكبدها بالجنود والضباط في المعارك البرية، وهو ما يلزم تجنيدا فوريا لآلاف الجنود. ولتفادي هذا المأزق كان وزير الدفاع المقال يوآف غالانت قد أعلن عن تجنيد 7 آلاف من اليهود الحريديم، وهو ما هدد بتفكيك ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو الذي سارع إلى إقالة غالانت والاستعاضة عنه بوزير الخارجية يسرائيل كاتس. وعكس هذا الإجراء من قبل نتنياهو أزمة الخدمة العسكرية التي تتفاقم منذ عقود في المجتمع الإسرائيلي، وذلك بسبب إعفاء اليهود الحريديم من التجنيد، وهو ما ترك ترسبات في الجيش الإسرائيلي الذي يعاني من نقص شديد بالقوات في ظل احتدام المعارك البرية على جبهتي القتال
احتياجات وترتيبات
وفي وقت تسعى فيه حكومة نتنياهو إلى الالتفاف على القانون الذي أجاز لعشرات الآلاف من اليهود الحريديم سنويا التهرب من الخدمة العسكرية لضمان بقاء الحكومة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2026 كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي بحاجة ماسة إلى 7 آلاف جندي. واستعرضت الصحيفة في تقريرها أزمة التجنيد في المجتمع الإسرائيلي والتسرب من الخدمة العسكرية والإعفاء من التجنيد لأسباب طبية ونفسية، وامتناع الحريديم عن الخدمة، إذ ادعى الجيش أنه كان يستطيع تجنيد 3 آلاف حريدي، ولكن في عام التجنيد السابق تم تجنيد 1200 فقط من أصل نحو 13 ألف مرشح للخدمة
وتكشف "يديعوت أحرونوت" من خلال التقرير أن واحدا من كل 3 رجال مطلوبين للخدمة العسكرية لم يدخل مكتب التجنيد على الإطلاق، وأن 15% من الجنود تسربوا خلال الخدمة العسكرية ولم يخدموا في الاحتياط على الإطلاق، في حين قفز عدد الحاصلين على إعفاءات من التجنيد لأسباب طبية ونفسية من 4 إلى 8% قبل الخدمة. وفي قراءة لهذا المعطيات والبيانات تناولت قراءات وتقديرات للمحللين ومراكز الأبحاث الإسرائيلية التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي مستقبلا، وأبرزها قضية تجنيد الحريديم التي ما زالت مثارا للجدل في الساحة السياسية الإسرائيلية، بحيث إن الإعفاء السنوي لعشرات الآلاف من طلاب المدارس الدينية اليهودية ما زال موضع خلاف في المجتمع الإسرائيلي بكل ما يتعلق بعدم تحقيق المساواة الاجتماعية وعدم تقاسم الأعباء.
ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان تعززت قناعات الجيش الإسرائيلي بضرورة توفير الحد الأدنى من الجنود والقوى البشرية لتأمين التشكيلات التي يحتاجها مستقبلا، إذ تكشف من خلال القتال أن الجيش سيضطر إلى زيادة القوات البرية، والتأهب لاحتمال نشوب حرب أوسع على أكثر من جبهة، وحماية الحدود لتجنب تكرار الهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وعليه يجب على الجيش الإسرائيلي وبإجماع قراءات المحللين أن يأخذ في عين الاعتبار عواقب الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس، والقيام بترتيبات لتلبية الاحتياجات العملياتية، سواء بتوسيع دائرة التجنيد، وتمديد مدة الخدمة العسكرية، وزيادة استخدام النساء في الوحدات القتالية ومقارنة مدة خدمة المرأة مع الرجل، وخلق مسارات تجنيد جديدة.
استخلاص العبر
بدوره، قدّر البروفيسور إيال بن آريه الباحث في معهد "يروشاليم" للإستراتيجية والأمن أن الحرب متعددة الجبهات كشفت عمق أزمة التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وتساءل عما إذا ما كان نموذج التجنيد يلبي احتياجات المؤسسة العسكرية بعد حرب غزة. وفي استعراضه لهذا التساؤل في ظل استمرار الحرب على جبهتي غزة ولبنان، شدد الباحث الإسرائيلي على ضرورة استخلاص العبر من الحرب الحالية والاعتراف بالحاجة إلى حماية الحدود، والاستثمار في الموارد البشرية بالجيش، وتجنيد المزيد من فئات المجتمع في الخدمة العسكرية.