الوقت- فيما الحرب الإسرائيلية الدامية مستمرة على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، يعيش الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال حراباً انتقامية ممنهجة تقوم على الاغتصاب و التنكيل النفسي فهي بطبيعة الحال لا تختلف عن وحشية القصف و القتل التي يرتكبها الاحتلال بحق أطفال و نساء ومدنيي غزة هذا ما ظهر جلياً بعد أن أفرجت سلطات الاحتلال في الأيام القليلة الماضية عن 40 أسير فلسطيني كانت قد تغيرت ملامحعم بشكل كلي نتيجة التعذيب.
تغير الملامح
في الأيام القليلة الماضية أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عن 40 أسيرا فلسطينيا، حيث جرى الأفراج عنهم من أمام حاجز الظاهرية، ومن أمام سجن (عوفر) ومن أمام حاجز (سالم) العسكري. وكانت المفارقة الصعبة عندما قارن صحفيون بين صور الأسرى قبل الأسر و بعده والتي أظهرت حجم المعاناة التي تحملها هؤلاء الأسرى في سجون الاحتلال
وحسب نادي الأسير، فإن عدداً ممن أفرج عنهم يعانون من أمراض جلدية وتحديدا ممن أفرج عنهم من سجن (النقب) حيث يشكل أبرز السجون التي كانت شاهدة على جرائم التعذيب، وهذا ما عكسته العشرات من الشهادات التي وثقتها المؤسسات المختصة.
وقد أظهرت صورهم الأولى عقب الإفراج معالم وجوههم وأجسادهم التي اختلفت جرّاء ما تعرضوا له من جرائم ممنهجة مارسها الاحتلال بحقّهم، حيث تعكس صورهم جانبا من أثر هذه الجرائم عليهم، وقد نقل عدد منهم إلى المستشفيات عقب الإفراج عنهم.
وفيما يفرج الاحتلال عن بضعة أسرى يعتقل الآلاف مكانهم فهو يواصل حملات الاعتقال بشكل يومي، حيث بلغ عدد حالات الاعتقال بعد السابع من أكتوبر أكثر من عشرة آلاف و200 معتقل من الضّفة، وآلاف المواطنين من غزة.
انتقام من الأسرى
مايتعرض له الأسرى الفلسطينيون هو حرب انتقامية بامتياز، وهي جزء من قرار حرب الإبادة الجماعية التي ينفذ جيش الاحتلال معالمها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني كل يوم، وجراء ذلك لم يعد موت الأسرى موتاً بطيئاً نتيجة للإجراءات الإجرامية التي اتخذتها سلطات الاحتلال في السجون بحق الأسرى بل أصبح سريعاً ومقصوداً، في ظل رغبة قادة الاحتلال في الشروع بالقتل الجماعي بشكل علني.
فالاحتلال يهدف إلى جعل استشهاد الأسرى حدثا طبيعياً عادياً وهو ما يعتبر خطيرا، لأنه سيؤسس لعمليات اغتيال واسعة. في ظل عجز المؤسسات الدولية و عدم توفر الإرادة لديها في تفعيل القانون الدولي.
شهادات حيّة
في إفادة الأسير المحرر حسن والتي سجلتها الباحثة الميدانيّة سلمى الدبعي ما يستحق الرواية في ظل أنها تجربة عاشها وما زال يعيشها غالبية الأسرى الفلسطينيين.
يقول: «قضيتُ ليلة واحدة في حوّارة، وفي اليوم التالي أخذونا إلى سالم. في الطريق إلى الحافلة كان علينا أن نسير ونحن محنيّو الرأس وأن نضع أيدينا على ظهر الشخص الذي يسير أمامنا. عندما صعدنا إلى الحافلة، وأيدينا وأرجلنا مكبّلة بالأصفاد، قام الجنود بضربنا وشتمنا؛ شتموا الله والنبيّ محمد، وقالوا لنا: سنُريكم الآن كيف تنفعكم المقاومة. نقلونا إلى سجن مجدو. كنّا نحو 16 معتقلًا. أخذونا إلى التحقيق واحدًا تلو الآخر. عندما جاء دوري سألني المحقّق عن أخي إبراهيم، وطلب منّي تسليمه. قلتُ له إنّني لا أعرف مكان وجوده وإنّه ليس لديه هاتف. فقال المحقّق: هذه مشكلتك، هذا أخوك، ويجب عليك تسليمه. قلتُ للمحقّق: لن أفعل ذلك، فهذا شأنه، فهو كبير بما يكفي ومسؤول عن نفسه. انتهى التحقيق هنا. بعد التحقيق أعادونا إلى الحافلة مرّة أخرى، وفي هذه المرحلة لم تكن أيدينا مكبّلة بالأصفاد. نادوا على المعتقلين بأسمائهم وكان علينا أن نجيب دون أن نرفع رؤوسنا. رفع أحد المعتقلين رأسه، فشتمه السجّان بأمّه وبأخته. فردّ عليه المعتقل بالشتيمة نفسها وقال له: أختك وأمّك ليستا أفضل من أمّي وأختي. فدفعه السجّان وقال: سأهتمّ بأن يلعب الكلب بين رجليك في مجدو. أخذونا من هناك إلى مجدو، وعندما نزلنا من الحافلة قال لنا جنديّ: أهلًا بكم في جهنّم. فقال أحد المعتقلين، وهو من سكّان جنين، للجنديّ: أهلًا بكم في جنين. فأجابه سنرى حالًا».
وتابع الأسير حسن: «عند المدخل فتّشونا مرّة أخرى ونحن عراة بالكامل. الأمر الأكثر إذلالًا كان أنّ ثلاث جنديّات أجرينه. قلتُ لأحد الجنود: أنا لن أخلع ملابسي أمام الجنديّات، فأجاب: سكّر نيعك. لم يكن لديّ خيار سوى الإذعان لهم. يدخل كلّ معتقلَين اثنين إلى التفتيش الذي كان يجريه خمسة جنود وجنديّات؛ وبالطبع فالتفتيش مصحوب بالشتائم والضرب والركل بالأرجل ـ بذريعة أنّنا يجب أن نفتح أرجلنا أكثر؛ سقط بعض الأشخاص أرضًا من جرّاء تلك الركلات. بعد ذلك أخذونا إلى الطبيب، وهناك سألونا الأسئلة المعتادة، أي إذا كنّا نعاني من أيّ أمراض، أو نتناول أدوية. بعد ذلك التقطوا صورًا لنا، ثمّ أدخلونا واحدًا تلو الآخر إلى مكتب الشاباك. كان على الحائط علم إسرائيل بحجم ضخم جدًا، وكان أوّل سؤال لضابط الشاباك هو «إلى أيّ تنظيم تنتمي؟ ثمّ أمرني بتقبيل العلم وأثناء قيامي بذلك قاموا بتصويري. كان في الغرفة نحو 20 جنديًّا. فقلتُ للضابط إنّني لن أفعل ذلك، فقال لي: أنت ملزم بتقبيل العلم. فقلتُ له: لا، أنا لا أريد. فجأةً، بدأ الجنود العشرون الموجودون في الغرفة بضربي. ضربوني بكلّ ما وقعت عليه أياديهم وعلى كلّ أنحاء جسمي. ركلني أحدهم على رأسي، ففقدتُ الوعي. عندما استعدتُ وعيي استمرّوا في ضربي. بعد ذلك أوقفوني وصوَّروني والعلم خلفي. ثمّ أخذوني إلى خارج الغرفة وضربوني مرّة أخرى، حتّى فقدتُ الوعي ثانيةً».
يكمل في سرد تجربته: «استيقظتُ عندما قال أحدهم: لقد مات، لقد مات بالعبريّة، ابتعدوا عنه. طلب منّي أن أقوم وأغسل وجهي في الحمّام؛ رأيتُ أنّ جسمي كلّه مغطّى بالدم، وكنتُ أنزف من أنفي وفمي ورأسي أيضًا. قال لي بالعربيّة ألّا أتحدّث عمّا جرى
مشروع السجن الإسرائيلي
بحسب تقرير للمركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة تناول مُعاملة الأسرى الفلسطينيّين وحبسهم في ظروف لا إنسانيّة في السّجون الإسرائيليّة منذ 7 تشرين الأول/اكتوبر 2023. تكلم التقرير بشكل موسع عن مشروع السجن الخاص بنظام الفصل العنصري الإسرائيلي حيث يشدد على أن هذا المشروع لم تبدأ قصته في 7 أكتوبر أو بتعيين ايتمار بن غفير وزيرا للأمن القومي بل تعود جذوره لما هو أعمق من ذلك.
فالسجن الإسرائيلي يشكل نظاما متكاملا وهو إحدى آليات التحكم والقمع التي يستخدمها الاحتلال ضد الفلسطينيين ضمن مسعى أساسه حفظ التفوق اليهودي في المنطقة الممتدة بين النهر والبحر. طوال عشرات السنين لجأت إسرائيل إلى سجن مئات آلاف الفلسطينيين بشتى طبقاتهم وشرائحهم السكانية لكي تضعف وتمزق النسيج الاجتماعي والسياسي للفلسطينيين.
وتشير المعطيات أن حكومة الاحتلال سجنت منذ العام 1967 وحتى اليوم ما يقرب من 800 ألف فلسطيني، أي نحو 20 في المئة من السكان و40 في المئة من الرجال الفلسطينيين، وهو ما يعني أنه لا توجد أسرة فلسطينية لم يمر أحد أفرادها بتجربة السجن.
وحسب بتسيلم فإن أساس مشروع السجن تجريد تام للفلسطينيين من إنسانيتهم وتحويلهم إلى جزء من كتلة متجانسة لا وجوه لهم ولا هويات فردية، مجرد سجنهم يحولهم إلى حيوانات آدمية، إلى «مخربين» بحيث يصبح مبررا وشرعيا التجبر بهم ودوس كرامتهم وسلب حقوقهم.
مشروع السجن هو أحد التمظهرات الأكثر تطرفا وعنفا ووحشية لأداء منظومة السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين. وحسب المنظمة الإسرائيلية فإن أهمية الافادات والشهادات التي حفل بها التقرير لا تقتصر أنها تصف الواقع المرعب الذي يسود داخل مرافق الحبس الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر وإنما تدل وتصف واقع أوسع بكثير.