الوقت-في محاولة لعزل روسيا اقتصادياً لا تنفك واشنطن عن استخدام سلاحها المعهود بفرض عقوبات اقتصادية وتهديد من يلتف على هذه العقوبات فكان لتركيا النصيب الكافي من التهديد والوعيد الأمريكي بفرض قيود قانونية إن لم تستجب لها وهذا ما جاء على لسان مساعد وزير التجارة الامريكي، فيما كان الجانب التركي وحسب تصريحات رئيسه رجب طيب أردوغان قد أشار إلى مساعي أنقرة برفع التبادل التجاري مع روسيا للوصول إلى 100 مليار دولار، فهل تستجيب تركيا للتهديدات الأمريكية أم تواصل المساعي المبذولة في طريق تحقيق تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع الجانب الروسي رغم الضغوطات الأمريكية ضاربة هذه التحذيرات عرض الحائط؟
تحذيرات لتركيا!
حسب "فاينانشال تايمز" نقلًا عن مساعد وزير التجارة الأمريكي ماثيو أكسلرود فإن الولايات المتحدة حذرت تركيا من "عواقب استمرارها في الالتفاف على العقوبات ضد روسيا"، حيث تابع، "نحن بحاجة إلى تركيا لمساعدتنا في وقف تدفق التكنولوجيا الأمريكية إلى روسيا"، وقال: "نحن بحاجة لرؤية تقدم من جانب السلطات والصناعة التركية، وبسرعة، وإلا فلن يكون أمامنا خيار سوى فرض عقوبات على أولئك الذين يتهربون من ضوابط التصدير لدينا".
وكان أكسلرود قد التقى مؤخرا بنظرائه الأتراك في أنقرة، وأشار إلى أن تركيا يجب أن تعمل بجدية أكبر للحد من التجارة في الدوائر الأمريكية الدقيقة وغيرها من السلع التي يُزعم أن روسيا تستخدمها في صراعها مع أوكرانيا، وأضاف إن السلطات التركية بحاجة إلى فرض حظر على إعادة شحن البضائع من الولايات المتحدة إلى روسيا.
وبالفعل فإن وزارة التجارة الأمريكية تطلب من الكيانات القانونية الأمريكية الحصول على تصريح نادر لبيع سلع مهمة إلى 18 شركة تركية، وقال المصدر إنه في ظل عدم إحراز أي تقدم من جانب أنقرة، فإن واشنطن ستواصل فرض قيود مماثلة.
ماذا يشمل التبادل التجاري التركي الروسي ؟
تصدرت الحمضيات وقطع الغيار وعربات المقطورات قائمة صادرات تركيا إلى روسيا في 2023، بينما كانت منتجات البترول والغاز والنفط والحديد والصلب على قائمة مستوردات تركيا من روسيا.
وذكرت بيانات دائرة الإحصاء التركية أنه مع نهاية العام الماضي، باعت تركيا أكبر كمية من الفواكه الحمضية إلى روسيا، حيث بلغ حجم إمداداتها 426 مليون دولار.
بالإضافة إلى ذلك، كانت منتجات التصدير الرئيسية إلى روسيا هي قطع غيار السيارات، وبلغ حجم العرض ما يقرب من 404 ملايين دولار، وللمقطورات 275 مليون دولار.
كما احتلت الزيوت النفطية حصة كبيرة من الإمدادات التركية إلى روسيا بحوالي 227 مليون دولار، والفواكه ذات النواة مثل المشمش والخوخ والكرز بقيمة 226 مليون دولار، والأسماك 220 مليون دولار. واحتلت المراكز العشرة الأولى الجرافات بقيمة 205 ملايين دولار، وأجهزة الطرد المركزي 170 مليون دولار، والصمغ بـ137 مليون دولار، والملابس النسائية بحوالي 124 مليون دولار.
إلى ذلك، باعت روسيا لتركيا من المنتجات النفطية بنسبة أكثر من غيرها وبلغت حوالي 11 مليار دولار، هذا ولا تقوم تركيا بالكشف رسميا عن مشترياتها من الغاز والنفط، إلا أن بيانات وكالة الطاقة العالمية والإحصاءات التركية تشير إلى أن تركيا اشترت ما يقرب من 7.6 مليارات دولار من الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب خلال العام الماضي.
كما أنفقت أنقرة 6.85 مليارات أخرى على الهيدروكربونات الأخرى التي لم يتم الكشف عنها في الإحصاءات الرسمية، وخاصة النفط، على الرغم من وجود إمدادات الغاز الطبيعي المسال أيضا. بالإضافة إلى ذلك، باعت روسيا تركيا من الحديد والصلب بقيمة 3.1 مليارات دولار، والفحم 2.9 مليار دولار.
وبلغت صادرات موسكو من القمح أكثر من مليار دولار، وشملت أهم الصادرات الروسية الـ10 إلى إسطنبول الزيوت النباتية 444 مليون دولار ومن مادة الذرة 425 مليون دولار
فعالية العقوبات الأمريكية!
تُعَد العقوبات الاقتصادية منهجًا رئيسًا في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه من تعتبرهم أعداء أو خصومًا أو منافسين أقوياء يهددون مصالحها وقد أرادت واشنطن فرض ضغوط ضد روسيا بسبب العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والوقود والغذاء في أوروبا والولايات المتحدة، ومنذ بدء العملية العسكرية فرض الاتحاد الأوروبي بالفعل 14 حزمة من العقوبات ضد روسيا، وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلنت جولي كوزاك، مديرة قسم الاتصال في صندوق النقد الدولي، أن الصراع في أوكرانيا لا يؤثر بقوة على اقتصاد روسيا، وفقًا لتقديرات الصندوق، بما أن التوقعات الأولية كانت تشير إلى تأثير أقوى.
وفي وقت سابق، أقرت مارجوري تايلور غرين، عضو مجلس النواب الأمريكي، بفشل العقوبات ضد لروسيا بعد نشر تقرير من بنك "يو بي إس" السويسري حول نمو ثروة روسيا.
على صعيد آخر، أكد السياسي الألماني من حزب "البديل من أجل ألمانيا" يفغيني شميدت، استحالة هزيمة روسيا وقوتها النووية، ودعا برلين للتوقف عن تمويل أوكرانيا في ظل معاناة الاقتصاد الألماني، وقال في حديث لصحيفة "إزفستيا" إن رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي "لن يتمكن من النصر على روسيا، وسينتهي الأمر على أي حال بالمفاوضات".
وأشار شميدت إلى أن الهجوم المضاد الأوكراني تعثر، والأسلحة الغربية التي ترسل باستمرار إلى كييف يتم تدميرها في ساحة المعركة، وأن الوقت قد حان لألمانيا للتوقف عن تمويل أوكرانيا، لأن الاقتصاد الألماني حاليا "في حالة يرثى لها"، بسبب شراء الغاز بأسعار باهظة، وتابع: "ما زال النزاع يحرق أموالا ضخمة من الدول الغربية، وبغباء... لا يوجد احتمال لتقارب برلين وموسكو في المستقبل القريب، ولا ينبغي أن نتوقع أي خطوات بناءة من الحكومة الألمانية".
وقد ذكرت روسيا مرارا وتكرارا أن البلاد سوف تتعامل مع ضغط العقوبات، الذي لا يزال يتكثف، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أشار في وقت سابق إلى أن سياسة المواجهة مع روسيا وإضعافها هي استراتيجية طويلة المدى للغرب، وإن العقوبات وجهت ضربة خطيرة للاقتصاد العالمي بأكمله، ووفقا له، فإن الهدف الرئيسي للغرب هو تدهور حياة الملايين من البشر، حتى في الدول الغربية نفسها، التي تظهر فيها آراء مفادها بأن العقوبات غير فعالة.