الوقت- اعتاد المشهد العالمي لجوء الإدارة الأمريكية بخيار فرض عقوبات لتحقيق أي مكسب لها فشلت في تحقيقه من خلال استخدام عتادها الحربي المتطور لكسر صمود جبهة المقاومة في مختلف الدول، جاء آخرها إصدار الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، الجمعة، عقوبات على كوادر في حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينية، لكن من المثير أن الخزانة الأمريكية في بيانها لم تنشر أي صورة لأبو عبيدة ما يؤكد التخبط الأمريكي الاستخباراتي والاستنجاد بالحرب النفسية.
تخبط استخباراتي أمريكي صهيوني
أبو عبيدة الشخصية التي تخطت شعبيتها الآفاق وباتت تصريحاته محط اهتمام عالمي، وأصبح موضوع نقاش وحديث منصات التواصل الاجتماعي وبشكل خاص في الفترة الأخيرة عقب عملية "طوفان الأقصى"، يقود جهادا من نوع آخر وهو جهاد الكلمة مستعينا بإحدى أدوات القوة في العصر "الإعلام" الذي يخوض من خلاله حربا مضادة للحرب الإعلامية الغربية، ويبدو من ردود الفعل على جميع المستويات الدولية والشعبية عقب خطاباته أنه انتصر.
ويعود أول ظهور للقائد القسامي “أبو عبيدة”، المعروف بكوفيته الحمراء وزي الجنود الأخضر المموه، للشاشات إلى حزيران عام 2006 بعد عملية “الوهم المتبدد”، وقد خرج “أبو عبيدة” مع كل موقف فاصل عقب عملية “طوفان الأقصى”، ولم يتم تحديد هوية “أبو عبيدة” حتى الآن من طرف فلسطيني أو مستقل، ولا توجد له صورة لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، بما في ذلك الموساد والشاباك.
ولطالما روّج الإعلام الحربي الصهيوني عن كشفه الاسم والصورة الحقيقية لأبو عبيدة إلا أن الأمر في كل مرة يتحوّل إلى فضيحة له حتى في الإعلام الإسرائيلي في نهاية المطاف.
ويبقى أبو عبيدة، رجلاً من نوع آخر، فلا اسم ولا صورة أو ملف له لدى الموساد، أو الاستخبارات العسكرية (أمان) أو جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وتبقى شخصيته مجرد تخمينات إسرائيلية.
وبات الإسرائيليون أنفسهم ينتظرون إطلالاته بمزيج من الخوف والتوجس، وهم يعرفون أنه جزء من حرب نفسية شديدة الوطأة عليهم، لكنهم للمفارقة باتوا يصدقونه أكثر من نتنياهو وأدرعي وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، منذ أحداث يوم "السبت الأسود" وما قبلها.
العقوبات الأمريكية على قادة المقاومة
أدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري والقوات الخاصة لحركة حماس والجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية على قائمة عقوبات الاتحاد في ظل مزاعم “متعلقة بحقوق الإنسان لمسؤوليتهم عن أعمال واسعة النطاق من العنف الجنسي والعنف ضد النساء خلال هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل"، وقالت دول التكتل: إن كتائب القسام وقوات النخبة التابعتين لحماس وسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد تخضع الآن لتجميد الأصول وحظر السفر إلى الاتحاد الأوروبي، وبذلك أصبح توفير الأموال لهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، محظورا أيضا، ويصنف الاتحاد الأوروبي بالفعل حماس والجهاد الإسلامي منظمتين إرهابيتين.
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة أصدرت الجمعة عقوبات على المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقادة بوحدة الطائرات المسيرة التابعة للحركة الفلسطينية، ومن جهة أخرى تستهدف العقوبات أيضا وليم أبو شنب قائد وحدة الشمالي المتمركزة في لبنان، وبراء حسن فرحات، مساعد أبو شنب، وخليل محمد عزام وهو مسؤول استخبارات.
وقال براين نيلسون، وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، في إشارة إلى الطائرات المسيرة: “العمل المشترك يعزز اليوم تركيزنا الجماعي المستمر على تعطيل قدرة حماس على شن مزيد من الهجمات، بما في ذلك من خلال الحرب الرقمية وإنتاج الطائرات المسيرة"، وأضاف “ستستمر وزارة الخزانة، بالتنسيق مع حلفائنا وشركائنا، في استهداف شبكات التسهيلات التابعة لحماس أينما كانت، بما في ذلك المجال الرقمي"، وتضع العقوبات حظرا على جميع العقارات والمصالح المملوكة للأشخاص المستهدفين في الولايات المتحدة أو تلك التي في حوزة أو خاضعة لسيطرة أشخاص أمريكيين ويتعين إبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة عنها.
وعلى الرغم من التضييق الكبير الذي تحاول الإدارة الأمريكية والغربية فرضه على حركة المقاومة الفلسطينية إلا أن هذه العقوبات تثبت فشلها في تحقيق ما تصبو إليه فالعقيدة والإرادة التي يتحلى بها المقاومون يمكن لها أن تكسر كل قوائم العقوبات التي يصدرها الغرب والأمريكي كل يوم، وكذلك عدم فهم نتنياهو وحكومته وداعميه لمعنى الكلمات التي يختم بها "أبوعبيدة" جميع بياناته: (إنه لجهاد.. نصر أو استشهاد).
محاولات انتشال من المأزق
ولا يمكن قراءة الهدف الأساسي لهذه العقوبات سوى أنه محاولات واهية لتعطيل القدرات الهجومية للمقاومة في ظل مواجهة كيان الاحتلال الصهيوني لاحتمال "خسارة الحرب" في قطاع غزة، مع فقدان القتال زخمه وفشل خطط ما بعد الصراع، وسط التعثّر الحاصل لدى جيش الاحتلال وعودة معظم جنوده إلى ديارهم، فيما شكلت عودة مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية للمناطق من جديد إحباطاَ لأهداف الحكومة الإسرائيلية التي أعلنتها منذ بدأ الحرب المتمثلة في قتل قادة حماس وتدمير الحركة كقوة عسكرية وسياسية.
في الوقت الذي يلقي بعض القادة العسكريين والسياسيين في حكومة كيان الاحتلال اللوم على فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نشر خطة لغزة ما بعد الحرب، قائلين إنها "تركت فراغاً سياسياً تستغله حركة حماس لإعادة بناء نفوذها في القطاع".
وحسب ووال استريت جورنال: إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يشعر"بالإحباط بشكل متزايد" ويقول جنوده الاحتياطيون إن هناك إحباطًا بشأن الفشل في "تحرير" أكثر من 120 محتجزاً إسرائيلياً متبقين في غزة، أو قتل كبار قادة حماس مثل يحيى السنوار، وهما هدفان من الأهداف المعلنة للحرب ولم يتحققا بعد.
ختام القول
نتنياهو وقادة الكيان، والغرب الداعم يعلمون جيدًا، أنَّ "المقاومة"، لا تموت مع شخص أيًا كان، وإلا لماتت "حركة حماس" وتلاشت، باغتيال الكيان الصهيوني مؤسّسَها الشيخَ أحمد ياسين (عام 2004)، وخليفه الدكتورَ عبد العزيز الرنتيسي، بعد شهر واحد فقط من توليه قيادة حماس في العام نفسه، وغيرهما ممن لا يتّسع المجال لحصرهم.