الوقت – أعادت عدة دول عربية في السنوات الأخيرة إدخال التجنيد الإجباري في قوانينها، مثل الكويت عام 2017، والمغرب عام 2019، والأردن عام 2020 الذي أدخل التجنيد الإجباري لأول مرة في تاريخه، وقطر عام 2013، والإمارات العربية المتحدة عام 2014. وفي بعض الحالا ت، مثل دولة العراق، يستمر النقاش العام حول مشروع الخدمة الإلزامية، وقد وصل إلى المرحلة البرلمانية.
أما الآن فقد شملت عملية التجنيد بلدانًا ذات مستويات مختلفة من القدرات البشرية والإقليمية والديموغرافية والسياسية، ومع ذلك، ورغم أن انتشار حالة عدم الاستقرار وزيادة المنافسة الإقليمية في العقد الماضي لم يكن له تأثير على اتخاذ مثل هذا القرار، إلا أن النقطة المهمة هي أنه في جميع الأحوال تتغلب الأهداف السياسية على الأهداف العسكرية البحتة.
ومع نهاية الحرب الباردة، انتهى التجنيد الإجباري في عدة دول بين عامي 1991 و2011، منها العديد من الدول العربية مثل الأردن والكويت والعراق والمغرب ولبنان.
ساهمت التغيرات في الحرب إلى حد كبير في إلغاء التجنيد الإجباري، مع بذل جهود متزامنة لإضفاء الطابع المهني على القوات المسلحة، حيث إن للتجنيد الإجباري وظيفة سياسية تتمثل في مكافحة البطالة، وإعادة بناء الهوية الوطنية، ومحاولة ممارسة السيطرة الإقليمية، وهذا ليس بالأمر غير المعتاد في الدول العربية: فالجيوش غالبا ما تكون مسيسة، وفي بعض الحالات، أكثر ولاء للسلطة الحاكمة من الحكومة.
كما يمنح التجنيد الإلزامي الحكومات العربية فرصة لتشكيل معتقدات المواطنين الشباب، والهدف من هذه العملية من الأعلى إلى الأسفل هو تنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية، والتأكيد على القيم الاجتماعية المرغوبة وأنماط لعب الأدوار من خلال الخطاب السياسي الرسمي.
وفي هذا الصدد، يرى أندريا سيلينو، الباحث في الدول العربية، أن نظام التجنيد المعمول به في تونس أصبح انتقائيا بشكل متزايد لتقليل تأثير الإرهابيين، في حين يظل التهرب العسكري ممارسة واسعة النطاق.
في الدول العربية، وعلى الرغم من العقوبات التي فرضتها جميع الدول تقريبًا لتجنب التجنيد الإجباري، إلا أن إدخال التجنيد الإجباري أو إعادة العمل به أدى إلى ردود فعل مختلفة من قبل المواطنين.
على سبيل المثال، كما يقول زولتان باراني، الخبير في الشؤون العربية، فإن القطريين أخذوا المشروع على محمل الجد من خلال التسجيل المستمر، في حين أن نصف الكويتيين الذين أجبروا على التسجيل فقط قاموا بذلك، وربما أحدثت أزمة مجلس التعاون الخليجي في 2017-2021 ومحتواها القومي مثل هذا الفارق لدفع القطريين إلى الاستجابة لـ "النداء الوطني"، وحتى في خطوة تتعارض مع الممارسات العسكرية السابقة في دول الخليج الفارسي، تعمل هذه الحكومات على دمج النساء ببطء في جيوشها، على الرغم من أن التجنيد الإجباري للنساء لا يزال طوعيًا في جميع أنحاء المنطقة العربية.
في غضون ذلك، هناك نقاش آخر يتعلق بالآثار السياسية والاجتماعية لعودة التجنيد الإجباري في الدول العربية، لا يتعلق بتغيير التوازن بين المجالين العسكري والمدني، بل بتعديل طريقة فهم المواطنين وتفاعلهم مع القوة العسكرية، وعلى نطاق أوسع مع الحكومة، وفي الواقع، أعاد معظمهم تقديم التجنيد الإجباري لتعزيز الوضع العسكري التقليدي، وفي هذا الصدد، يرى رانج علاء الدين، الخبير في القضايا العربية الأخرى، مستشهدا بتجربة العراق، أن هذه الحكومات تسعى إلى الحفاظ على توازن القوى مع المنافسين الأمنيين الآخرين.
وعلى الرغم من التحديات مثل فوضى الفترة الانتقالية وتهديد الإرهاب، فليس من المستغرب أن تتطلع العديد من الدول العربية إلى إحياء التجنيد الإجباري.
المغرب هو بلد عربي آخر أعاد إدخال التجنيد الإجباري في قوانينه في عام 2019، حيث فرض التجنيد الإجباري لمدة 12 شهرًا لجميع الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و25 عامًا، وراء هذا القرار، هناك مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية.
وأثارت خطط العراق لإعادة التجنيد الإجباري مزيجاً من الإثارة والإحباط والمكائد، فقانون التجنيد، الذي اقترحه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لأول مرة في عام 2021، تمت مراجعته لأول مرة بعد عام من قبل لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي قبل أن يلغيه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني.
وبينما كانت النخب العربية السنية والشيعية تنظر إلى الجيش باعتباره الركيزة الأساسية للدولة القومية العربية، كان آخرون، مثل الأكراد، يخشون نواياه العنيفة وتاريخه الحافل بالقمع، و شهدت القوات المسلحة العراقية انخفاضًا بنسبة 20٪ في عدد القوات المسلحة بعد غزو "داعش" عام 2014 وعانت من انهيار غير مسبوق، وإن 60% من سكان العراق هم تحت سن 25 عاما، في حين يقدر معدل البطالة المرتفع بـ 36% لهذه الفئة، ولذلك فإن إقرار مشروع قانون التجنيد الإجباري في هذا البلد لا يبدو غريبا.
الخدمة العسكرية الإلزامية في المنطقة العربية إنجاز أم قوانين طموحة!؟
منذ ما يقرب من عقد من الزمان، أعادت ثلاث من دول الخليج الفارسي، قطر والإمارات العربية المتحدة والكويت، التجنيد الإجباري، لكن بالنظر إلى أداء وتجربة الدول العربية على طول الخليج الفارسي، تطرح أسئلة، مثل ما هي الدروس المستفادة من تجارب الخدمة العسكرية الإجبارية في ممالك الخليج الثلاث في السنوات الثماني أو التسع الماضية؟ في منطقة يتبنى فيها المسؤولون الحكوميون في كثير من الأحيان قوانين سلطوية من أعلى إلى أسفل لا تقيدها المؤسسات التشريعية المنتخبة ديمقراطيا، ما هي النتائج الفعلية للتجنيد الإجباري؟ وهل هناك اختلافات بين تجارب دول الخليج الثلاث في هذا المجال؟
والدول الثلاث التي قدمت المشروع هي أغنى دول الخليج الفارسي، حيث يتوقع الشباب أن توفر لهم الحكومة كل شيء، بما في ذلك الوظائف والرعاية الاجتماعية، وفي الوقت نفسه، فإن النظرة المتبادلة للشعور بالواجب تجاه الحكومة ضعيفة لدى الشباب، وكما أشار حاكم قطر: "عندما أرى عبارة "قطر تستحق الأفضل" في شوارع قطر، أقول: "قطر تستحق الأفضل من أبنائها".
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يبدو أن الغرض من تطبيق هذا القانون هو أولاً إشراك جميع المواطنين في خدمة وطنهم، وثانياً، الفهم المتزايد في الدول العربية لتدهور المعايير الصحية للسكان الشباب بسبب نمط الحياة المستقر.
وفي أبريل/نيسان 2018، أصدر أمير آل ثاني قانونًا جديدًا للخدمة الوطنية يستجيب للوضع الأمني الجديد بعد أزمة مجلس التعاون الخليجي، مع الأخذ في الاعتبار تجارب قطر مع التجنيد الإجباري، ويلزم القانون الجديد جميع الرجال القطريين بأداء الخدمة العسكرية لمدة عام واحد. ومن التطورات الرئيسية الأخرى في التجنيد الإلزامي في قطر هو الاستخدام الواسع النطاق للمجندين الحكوميين - إلى جانب مئات المدنيين، بما في ذلك بعض الدبلوماسيين - للخدمة عند نقاط التفتيش وتوفير الأمن خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم في أواخر عام 2022.
أو كمثال آخر، في عام 2021 سُمح للمرأة الكويتية بالتطوع للخدمة العسكرية، ولعل القادة الكويتيين يأملون في أن يكون عدد النساء أكثر من الرجال في "مهمة حماية الوطن".
ومع ذلك، لا تأخذ أي دولة عربية الدفاع الوطني على محمل الجد مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، لذلك ليس من المستبعد أن تأخذ أبو ظبي الخدمة الإلزامية على محمل الجد، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تتم الخدمة الإلزامية في الجيش أو وزارة الداخلية أو جهاز الأمن أو غيرها من المؤسسات الحكومية التي تحددها القيادة العليا للجيش.
من ناحية أخرى، لعبت الإمارات في السنوات الأخيرة دورا في حروب وأزمات إقليمية مختلفة من اليمن إلى صحراء تيغراي والأزمة الداخلية في السودان، وقد غذت هذه التدخلات زيادة الخلافات مع المنافسين الإقليميين، وخاصة السعودية، وهو ما يرجع إلى ميزانيات السعوديين الثقيلة في السنوات الماضية، ما جعل تحرك الإمارات لتعزيز جيشها أمرا لا مفر منه.
