الوقت- حاليًا، يتم تحديد سياسة الجوار الإيرانية تجاه منطقة آسيا الوسطى بناءً على الإمكانات الجغرافية لإيران، وتعد تركمانستان إحدى دول هذه المنطقة، والتي تتزايد أهميتها بالنسبة للحكومة الثالثة عشرة الايرانية بسبب سياسة الجوار والحدود المشتركة. وبعد الاجتماعات المتكررة لكبار المسؤولين من إيران وتركمانستان في العامين الماضيين، فإن انعقاد اللجنة المشتركة السابعة عشرة للتعاون الاقتصادي بين البلدين في عشق أباد قد وفر الآن منصات مناسبة لتعزيز التعاون الثنائي على مختلف المستويات.
وفي هذا الصدد، قال مهرداد بازارباش، وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني، الذي سافر إلى عشق أباد للمشاركة في لجنة التعاون الاقتصادي المشتركة هذه، إن الغرض من عقد هذا الاجتماع هو تعميق وتطوير العلاقات الشاملة، وقد تم التفاوض في هذا الاجتماع حول مجالات التجارة والتبادل التجاري والنقل والعبور والطاقة والخدمات الصناعية والفنية والهندسية والجمارك والإقليمية والزراعة والعلمية والصحية والسياحة.
وبالتزامن مع انعقاد اللجنة المشتركة، أقيم المؤتمر التجاري المشترك لرجال الأعمال والقطاع الخاص في إيران وتركمانستان والمعرض الحصري المتخصص الخامس عشر بعنوان "مشروع إيران" بمشاركة عدد كبير من الشركات الإيرانية الناشطة في مختلف المجالات في تركمانستان وعقدت اللجنة الاقتصادية المشتركة السادسة عشرة للبلدين في طهران في نوفمبر الماضي. وحسب تقرير وكالة أنباء فارس الايرانية، فإنه في هذه اللجنة المشتركة، بالإضافة إلى التوقيع على وثيقة القمة، سيتم أيضًا التوقيع على وثائق التعاون في المجالات الأخرى من قبل المسؤولين في البلدين.
الاقتصاد على رأس جدول أعمال البلدين
إن وضع إيران وتركمانستان على حدود بعضهما البعض ووجود قدرات اقتصادية وسياسية وثقافية يخلق أساساً للتقارب والتعاون بين البلدين، وهذا يمكن أن يساعد في حل الاختناقات الاقتصادية للطرفين، ورغم أن حجم التجارة بين البلدين كان عند مستوى منخفض في السنوات الماضية، إلا أنه مع قدوم الحكومة الـ13 الايرانية، نمت التبادلات الثنائية بشكل ملحوظ، وفي هذا الصدد قال بازارباش، "إن حجم تجارتنا مع تركمانستان وصل إلى 500 مليون دولار وسيصل إلى ما يقرب من مليار دولار في المستقبل". وحسب التقارير التي قدمت في الاجتماع الإيراني - التركماني، بلغت صادرات إيران إلى تركمانستان 741 ألف طن بقيمة 321 مليون دولار، والواردات من تركمانستان 122 ألف طن بقيمة 243 مليون دولار.
هذا على الرغم من أن حجم التجارة بين البلدين في عام 2021 بلغ نحو 200 مليون دولار، وهو رقم صغير بالنسبة لجارتين، لكن الحكومة الـ13 وضعت استراتيجية "النظر شرقا" وتطوير التعاون مع الجيران على رأس برامج السياسة الخارجية، كما أن مستوى العلاقات مع دول آسيا الوسطى آخذ في التوسع، وفي يونيو من العام الماضي، تم خلال لقاء رئيسي البلدين التوقيع على عدة مذكرات تفاهم في المجال التجاري والاقتصادي للنقل والعبور والتعاون العلمي والفني والثقافي، فضلا عن مذكرة الاستثمار المشترك، وتم الاتفاق ايضا على تبادل الغاز بين سلطات طهران وعشق أباد، وخلال هذه الفترة، أخذت عملية التعاون بين البلدين في النمو، ومع توقيع وثائق التعاون، ستزداد هذه العلاقات بشكل ملحوظ، وزيادة حجم التبادل التجاري في العامين الأخيرين مؤشر على ذلك.
من ناحية أخرى، يمكن للمقاطعات الحدودية بين إيران وتركمانستان، بما في ذلك خراسان الشمالية وخراسان الرضوية وجولستان، والتي لديها الكثير من القواسم المشتركة من حيث الثقافة والحضارة، أن تلعب دورًا مهمًا في مختلف المجالات، بما في ذلك تصدير واستيراد البضائع من كلا جانبي الحدود، وتلعب السلطات المحلية في كلا الجانبين أهمية خاصة في زيادة التبادلات الاقتصادية قدر الإمكان.
وبناءً على ذلك، أكد بازارباش على ضرورة التعاون لإلغاء رسوم النقل بين إيران وتركمانستان، وقال: "علينا زيادة الخدمات الفنية والهندسية، وخاصة في مجال النقل والطاقة، من خلال إنشاء آلية بين البلدين". . وحسب بازارباش، فقد تم التأكيد في هذا اللقاء على مسألة الخدمات الفنية والهندسية، وإنشاء خطوط نقل الكهرباء، وتطوير الأسواق الحدودية.
وما لا شك فيه أن إنشاء الأسواق المحلية على حدود البلدين يمكن أن يلعب دورا مهما في تصدير واستيراد البضائع بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، ستساعد هذه البازارات في خلق فرص العمل والقضاء على البطالة على حدود البلدين، ومع الترتيبات التي قامت بها طهران وعشق أباد، فإن افتتاح هذه البازارات سيؤدي إلى الازدهار الاقتصادي في المحافظات الحدودية.
وتعتبر صناعة الكهرباء أحد المجالات التي يمكن لإيران وتركمانستان تطوير مستوى التعاون فيها، وأعلن أراش كردي، الرئيس التنفيذي لشركة تافانير، الذي سافر إلى تركمانستان برفقة بازارباش، يوم السبت الماضي، عن تنفيذ خط نقل الكهرباء الجديد من تركمانستان إلى إيران، وقال: "حالياً، يتم التعاقد على ما بين 350 و400 ميغاواط من الكهرباء من تركمانستان، ومع تشغيل خط النقل الجديد بقدرة 400 ميغاواط/ساعة، سيتضاعف حجم واردات إيران من الكهرباء خلال الأشهر الـ18 المقبلة.
ونظراً لنقص الكهرباء في إيران في فصل الصيف، تستطيع تركمانستان تعويض نقص احتياجات المحافظات الشمالية، وبما أن وزارة الطاقة في تركمانستان أعلنت أنها ستزيد إنتاجها من الكهرباء إلى 35.5 مليار كيلو واط/ساعة بحلول عام 2030، فهذه فرصة جيدة للجمهورية الإسلامية لشراء الكهرباء من هذا البلد، بالإضافة إلى تلبية احتياجاتها من الكهرباء، ومن القضايا الأخرى التي يمكن أن تلعب دورا حيويا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، نقل المعرفة والتكنولوجيات الجديدة من إيران إلى تركمانستان، وهو أمر مدرج أيضا على جدول أعمال المسؤولين في الجانبين.
وحول معرض "مشروع إيران" الذي بدأ بحضور 94 شركة إيرانية وأكثر من 300 رجل أعمال وناشط اقتصادي في تركمانستان، قال بازارباش إن في هذا المعرض 15 شركة معرفية تنشط في سوق تركمانستان، وقال وزير الطرق والتنمية الحضرية أيضًا: "هذا شيء جيد؛ إن وجود الشركات الإيرانية في الخدمات الفنية والهندسية لسوق تركمانستان دليل على نمو الشركات الإيرانية، التي تظهر بسهولة في الأسواق الإقليمية وتتولى المشاريع، وأصبحت منتجاتها منتجات تصدير أساسية، وتأخذ الشركات الإيرانية بعين الاعتبار جودة الأسواق الإقليمية وتحاول أن تكون قادرة على المنافسة من حيث السعر، ما يدل على الموهبة الجيدة للشركات الإيرانية".
وحسب بازارباش، "فيما يتعلق بنقل البضائع، فالهدف الوصول إلى رقم 20 مليون طن سنويًا، ولهذا الغرض، نحن بحاجة إلى تطوير البنية التحتية، وفي هذا الصدد، ستقوم الشركات الإيرانية ببناء طريق بطول 260 كيلومترا في تركمانستان"، وبالنظر إلى أن المنتجات المعرفية والتكنولوجية الإيرانية أكثر فعالية من حيث التكلفة من نظيراتها الأجنبية، يمكن لتركمانستان استخدام قدرات إيران وإنجازاتها في هذا المجال وتلبية بعض احتياجاتها، ويمكن للجمهورية الإسلامية أن تساعد جارتها الشمالية في بناء الموانئ والسدود ومحطات الطاقة، ومن الناحية الاقتصادية تعد الشركات الإيرانية أكثر اقتصادا من المستثمرين الأجانب.
التركمان يتطلعون إلى ممرات السكك الحديدية في إيران
ونظرًا لكونها دولة غير ساحلية، تبحث تركمانستان منذ سنوات عن طرق للسكك الحديدية للوصول إلى المياه المفتوحة والتجارة مع العالم الخارجي، ولتحقيق هذا الهدف، فإنها تتطلع إلى ممرات السكك الحديدية في إيران، ونظرًا لموقعها الجيوسياسي الحساس وإمكانية الوصول إلى الطرق البرية والبحرية، فضلاً عن امتلاكها بعض البنية التحتية العابرة لنقل البضائع، تعتبر إيران واحدة من أكثر الطرق الاقتصادية والأكثر أمانًا لمواد تصدير تركمانستان، سواء في قطاع الطاقة أو غيره.
ومن ناحية أخرى، مهد الممر بين الشمال والجنوب، الذي تم إطلاقه العام الماضي، الطريق أمام تركمانستان لدخول المحيط الهندي والخليج الفارسي، ويحاول المسؤولون في عشق أباد استخدام العلاقات الثنائية بين إيران لتطوير تجارتهم مع الدول الأخرى، وهو ما ذكره بازارباش أيضًا في عشق أباد، وقال إن إيران ترحب بانضمام تركمانستان إلى ممر الشمال والجنوب وتراسيكا.
في السابق كانت تركمانستان تصدر جزءا كبيرا من بضائعها إلى الدول الأوروبية والأفريقية من الحدود الروسية، لكن بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا وإغلاق هذه الحدود، اتجهت إلى إيران وفي العامين الأخيرين، تحسن مستوى التعاون مع طهران، وباستخدام خطوط السكك الحديدية الإيرانية، تستطيع تركمانستان نقل بضائعها إلى المحيط الهندي والخليج الفارسي في أقصر وقت وبأقل تكلفة، وتحقيق حلمها القديم بالوصول إلى المياه المفتوحة. ولذلك فإن ربط خط سكة حديد تركمانستان بمدينة سرخيس وامتداده إلى بندر عباس، وكذلك التعاون بين تركمانستان وإيران لتطوير الممر بين الشمال والجنوب، كان من أهم أوجه التعاون في مجال النقل والعبور.
وأكد بازارباش يوم الجمعة الماضي في لقاء مع سردار باردي محمدوف، رئيس تركمانستان، أنه وفقًا للروح التي تحكم الاتفاقيات بين البلدين، يجب اتخاذ خطوة أساسية لتحقيق شراكة تآزرية في العلاقات الثنائية، وتحدث عن مبادرة الحكومة الثالثة عشرة لرئيس تركمانستان، وقال إن دول الجوار يمكن أن تستخدم إيران كحل. وأكد: أن تركمانستان لها مكانة خاصة في مبادرة "طريق إيران" وتعتبر شريكا استراتيجيا لإيران، وهذا البلد هو بوابة آسيا الوسطى والوصول إلى الممرات الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية.
كما أكد وزير الطرق والتنمية الحضرية بالقول، "إننا نعتقد أن تركمانستان لديها إمكانية الوصول إلى المياه المفتوحة"، وأضاف: "قدمت جمهورية إيران الإسلامية تسهيلات خاصة لجيرانها للوصول إلى المياه المفتوحة، وفي هذا الاستهداف يمكن متابعة دور تركمانستان في الممرين الشمالي الجنوبي والشرقي الغربي". ومن ناحية أخرى، ستلعب إيران دورا رئيسيا في مشروع "الحزام والطريق" الصيني كحلقة وصل للممر بين الشرق والغرب، ويمكن لتركمانستان الاستفادة الكاملة من طرق العبور الإيرانية في نقل بضائعها.