الوقت- باريس تسعى جاهدة لجمع أكبر عدد ممكن من الدول من أجل نجاح "المؤتمر الإنساني" الذي يهدف إلى تقديم المساعدة للمدنيين في قطاع غزة، هؤلاء المدنيين يواجهون تحديات جسيمة تتمثل في القصف المستمر، والإغلاق الصارم، ونقص حاد في المواد الإنسانية مثل المياه، والغذاء، والدواء، والطاقة، وفي ضوء هذه الأوضاع الصعبة، اقترب عدد القتلى من العشرة آلاف شخص، بينما أصيب آلاف آخرون بجروح بليغة جراء القصف الإسرائيلي الذي شمل الهجمات الجوية، والهجمات البرية، والهجمات البحرية، وهذا القصف مستمر منذ مدة شهر.
وبانتظار مزيد من التفاصيل حول المؤتمر الذي تقوم فرنسا بتنظيمه بناءً على طلب الرئيس إيمانويل ماكرون، أصدرت وزارة الخارجية بيانًا يكشف عن ثلاثة أهداف رئيسية للمؤتمر، ويتمثل الهدف الأول حسب ادعاء باريس في التركيز على "تعزيز الالتزام بالقانون الإنساني الدولي"، و"حماية المدنيين والعاملين في الميدان الإنساني"، و"تيسير وصول المساعدات الدولية"، والهدف الثاني يشمل استكشاف الاستجابة الإنسانية العالمية لاحتياجات القطاعات الصحية والمائية والطاقة والتغذية، أما الهدف الثالث، فيتعلق بالدعوة للتعبئة من أجل دعم الوكالات والمنظمات العاملة في الميدان.
تغير طفيف في الموقف الفرنسيّ
حسب المعلومات، سيُعقد المؤتمر يوم الخميس المقبل في إطار "مؤتمر باريس للسلام" في نسخته السادسة، والذي سيُنعقد خلال يومي 10 و11 من الشهر الحالي، وتوضح وزارة الخارجية الفرنسية أن مدة المؤتمر الإنساني لن تتجاوز 3 ساعات، وذلك بين العاشرة صباحًا والواحدة ظهرًا بتوقيت العاصمة الفرنسية، وإيمانويل ماكرون يسعى جاهدًا إلى تحقيق تمثيل رفيع المستوى في المؤتمر، بمشاركة رؤساء الدول والحكومات، وسبق لمصادر رئاسية أن أشارت إلى نية باريس توجيه عدد كبير من الدعوات لجعل المؤتمر ذي طابع دولي بارز.
تتضمن هذه الدعوات دولًا عربية ومنطقة الشرق الأوسط، باستثناء "إسرائيل"، إضافة إلى أعضاء الاتحاد الأوروبي ومجموعة العشرين، والتي تضم في عضويتها مجموعة السبع للدول الصناعية المتقدمة، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، وستتلقى أيضًا الدعوات المنظمات الدولية والإقليمية، ووكالات الأمم المتحدة، إضافة إلى منظمات غير حكومية.
وبناءً على بيان وزارة الخارجية، يهدف المؤتمر إلى تنشيط دور الأطراف الرئيسية في تقديم المساعدة الإنسانية لقطاع غزة والعمل بشكل فعّال على تقديم الدعم للمدنيين الفلسطينيين في غزة، سواء كانوا دولًا أو مانحين رئيسيين أو منظمات دولية أو جمعيات غير حكومية، ومن الناحية العملية، يُطلب من البعثات الدولية التي ستشارك في المؤتمر، استنادًا إلى تحليل احتياجات وكالة تشغيل وغوث اللاجئين (الأونروا)، تقديم عروض للمبادرات التي تقوم بها حاليًا أو التي تعتزم القيام بها، ويمكن أن تتضمن هذه المبادرات توفير مستشفيات ميدانية أو إقامة جسور جوية أو بحرية، إضافة إلى تقديم دعم مالي مباشر، بما في ذلك دعم النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة للإغاثة في غزة.
وما يُلاحَظ في النهج الفرنسي، الذي يبدو أنه قد يكون صعب التنبؤ بنجاحه، هو التركيز الحصري على الجانب الإنساني دون النظر في مسألة وقف النار والهدنات الإنسانية كجزء من أجندة المؤتمر. ويجب أن يُؤخذ في الاعتبار أن غياب هذه الهدنات، حتى وإن لم تكن على مستوى وقف إطلاق النار، يسبب تأثيرين رئيسيين، الأول هو صعوبة تقديم المساعدات الإنسانية إلى مئات آلاف الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إليها. والثاني هو أنها لا تحد من التلفات الجماعية بسبب القصف المتواصل، الذي لم تشهد له غزة مثيلاً خلال العقود الأخيرة.
وفي ضوء هذا التحليل، يُفضل أن ينظر المشاركون في المؤتمر إلى ضرورة إدماج موضوع الهدنات الإنسانية ووقف العنف في إطار الجهود الإنسانية والإغاثية، ويمكن لهذه الخطوة أن تساهم في تحسين توصيل المساعدات وتقليل عدد القتلى والضحايا المدنيين، وبأي حال، يجب التنويه إلى أن باريس لم تصل بعد إلى مرحلة المطالبة بوقف لإطلاق النار بصرامة، بل على العكس، موقفها، كما أعلنت وزيرة الخارجية كاترين كولونا خلال جولتها الخليجية يومي السبت والأحد الماضيين، يستند إلى دعوة لإقامة "هدنة إنسانية يمكن أن تؤدي إلى وقف لإطلاق النار"، وحتى الآن، لا يبدو أن "إسرائيل" مستعدة للاستجابة لهذه الدعوات الدولية بالقبول بنوع من الهدنات تحقق وقفًا لإطلاق النار، كما أن "إسرائيل" ليست غريبة على تجاهل مطالب المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك بفضل الدعم والحماية التي تتلقاهما من الولايات المتحدة، وقد استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) في مجلس الأمن مرتين للتصدي لأي دعوة لوقف النار.
ومع ذلك، يجدر بالذكر أن مساعي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأخيرة لحث بنيامين نتنياهو على قبول هدنة إنسانية قد باءت بالفشل، حيث يقتصر موقف واشنطن على التمني من "إسرائيل" قبول هدنات قصيرة دون المزيد، بينما يربط نتنياهو قبوله بإطلاق سراح جميع الرهائن الذين يتم احتجازهم بواسطة "حماس" أو أي تنظيم فلسطيني آخر، وإضافة إلى ذلك، تسعى باريس إلى تسريع وتنسيق وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في قطاع غزة الذين يعانون من الحصار، ومع ذلك، من المعروف أن أي شاحنة تدخل إلى القطاع تتطلب موافقة مسبقة من "إسرائيل" حتى اليوم، وإضافة إلى ذلك، تقوم الجهات الإسرائيلية بتفتيش الشاحنات قبل السماح لها بالعبور عبر معبر رفح، ما يؤدي إلى تأخر وانتظار القوافل المحملة بمختلف أنواع المساعدات على الجانب المصري.
ومع ذلك، يمكن أن تواجه رغبة فرنسا، وفقًا لبيان وزارة الخارجية، في توفير خطوط جوية أو بحرية لنقل المساعدات تحديات من الناحية الإسرائيلية. هذا يعني أن سرعة توصيل المساعدات الحيوية وكمياتها قد لا تكون متسقة مع الاحتياجات الضرورية في قطاع غزة، وخاصة إذا اقتضت "إسرائيل" تفتيش جميع الشحنات الإنسانية قبل الموافقة على تسليمها، وهذا الواقع يمكن أن يشكل تحديات كبيرة لتوصيل المساعدات بشكل فعّال إلى المناطق المحاصرة في غزة.
حربٌ إسرائيليّة إباديّة
بكل وضوح وجرأة، أدانت سفيرة فلسطين لدى فرنسا، السيدة هالة أبو حصيرة، استمرار "إسرائيل" في "عمليات الاغتيال" ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث دخلت الحرب على القطاع شهرها الثاني، وتأتي هذه الاستنكارات في سياق رفض حكومة الاحتلال الإسرائيلي لدعوات وقف إطلاق النار واستمرارها في العمليات العسكرية، وسفيرة فلسطين تحدثت أيضًا عن عدد من الأفراد في عائلتها الذين تعرضوا لعمليات اغتيال من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما يجسد تلك الأحداث المؤلمة والصعوبات التي تواجه السكان المدنيين في غزة.
وقالت سفيرة فلسطين لدى فرنسا في تغريدة على موقع "إكس": "لقد دفنت للتو 30 من أبناء عمومتي وأبنائهم وأحفادهم، ولا يزال 28 منهم تحت الأنقاض"، هذا يعكس حجم الكارثة والفاجعة التي تعانيها العائلات في غزة نتيجة العمليات العسكرية والقصف المتواصل في القطاع، وإن تعبير سفيرة فلسطين لدى فرنسا عن استمرار "إسرائيل" في "عمليات الاغتيال" والإشارة إلى وجود تواطؤ وإعطاء الضوء الأخضر من قبل بعض الجهات مع ما يُعرف بـ "القانون الدولي"، الذي وُضع في الأصل لحماية حقوق الإنسان ومنع جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، هذا التعبير يُظهر الانتقاد لاستخدام القوة والتصعيد العسكري من قبل "إسرائيل" في مواجهة الفلسطينيين في قطاع غزة.
ولا شك أن التعاطف والتضامن مع الفلسطينيين في هذا السياق يعكس مشاعر الغضب والحزن الشديدين بسبب الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه سكان غزة نتيجة العنف والتصعيد، ويتفاعل العديد من الأشخاص والشخصيات السياسية والإعلامية مع هذه القضية ويعبِّرون عن تضامنهم ودعمهم لإيجاد حل سلمي وعادل لهذا الصراع ومحاسبة الإسرائيليين قتلة الأبرياء.
وحسب ما أعلنت وزارة الصحة في غزة، بلغت حصيلة القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة 10,328 شخصًا، معظمهم مدنيون، بينهم آلاف الأطفال، هذا يُظهر الوضع الإنساني الصعب والكارثي الذي يعيشه سكان القطاع نتيجة العنف والتصعيد العسكري الإسرائيلي الذي شمل العديد من الأبراج والبنية التحتية الحيوية، وبالنسبة للجانب الإسرائيلي، أشارت السلطات الاحتلال قبل مدة إلى وجود 1,400 قتيل جراء هجوم شنته حماس على الأراضي الواقعة تحت سلطة الاحتلال في تشرين الأول نتيجة التصعيد الإسرائيلي الذي استمر لأشهر، إضافة إلى احتجاز أكثر من 240 أسيراً، وهذا يُظهر حجم الخسائر البشرية الكبيرة والتدمير الذي نجم عن التصعيد العنيف من الصهاينة.