الوقت - استسلمت فرنسا وخضعت، وكسرت القارة السمراء إرادة المستعمر، إذ لا إرادة تعلو على إرادة الشعوب التي عانت لعقود من الاستعمار والنهب والفقر.. لا إرادة تعلو على إرادة التغيير التي قررت ووضعت حداً لا رجعة عنه.
مذلة منكسرة قررت فرنسا مرغمة ليس لأنها تريد إنهاء ما أسمته التعاون العسكري مع النيجر فصرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده ستسحب قواتها من دولة النيجر الواقعة في غرب أفريقيا بحلول نهاية هذا العام.
وقال ماكرون في مقابلة تلفزيونية: إن السفير الفرنسي في النيجر سيعود، وإن بلاده ستنهي وجودها العسكري هناك، موضحاً أن الجنود الفرنسيين الـ1500 سيغادرون خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، على أن يتم الانسحاب الكامل بحلول نهاية العام.
وفي رد فعل نيجري، رحب المجلس العسكري الحاكم بإعلان فرنسا اعتزامها سحب قواتها من البلاد بحلول نهاية العام، معتبراً ذلك خطوة جديدة باتجاه السيادة.
وقال المجلس في بيان تلي عبر التلفزيون الوطني ستغادر القوات الفرنسية وكذلك السفير الفرنسي أراضي النيجر بحلول نهاية العام.. هذه لحظة تاريخية تشهد على تصميم الشعب النيجري وإرادته.
وأضاف: أي شخص أو مؤسسة أو كيان يهدد وجوده مصالح بلدنا سيتعين عليه مغادرة أرض أجدادنا شاء ذلك أم أبى.
في السياق، اعتبر عضو حزب التجديد الديمقراطي والجمهوري في النيجر، عمر مختار الأنصاري، أن انسحاب فرنسا من البلاد يعد انتصاراً للشعب النيجري الذي يطالب بهذه الخطوة منذ شهرين وخرج في تظاهرات عديدة من أجل ذلك.
ولفت السياسي النيجري في تصريحات لـ"راديو سبوتنيك"، إلى أن الغريب هو تصريحات الرئيس الفرنسي بأن قرار الانسحاب جاء برغبة فرنسية أحادية، ولكن في الواقع هو بسبب ضغط السلطات النيجرية والشعب النيجري لكون فرنسا غير مرغوب فيها داخل البلاد.
وأرجع عدم تحديد ماكرون موعداً محدداً لسحب القوات من النيجر، إلى إغلاق المجال الجوي وتهيئة الظروف لنقل القواعد الثلاث إلى بلد آخر لأنها لن تعود كلها إلى باريس، وسوف تتجه إلى بلدان أفريقية مجاورة.
وبيّن أن الوجود العسكري الفرنسي منذ 2013 مع الرئيس المعزول محمد بازوم، كان في إطار ثقافي واقتصادي وغير عسكري، ولكن التطلعات العسكرية والأمنية من خلال شماعة محاربة الإرهاب أدت إلى ما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة.
وقال الأنصاري: لا أرى أن إنهاء تعاون فرنسا العسكري أو طردها عسكرياً أو دبلوماسياً يعني إنهاء للعلاقة معها، مضيفاً: النيجر تطالب أي دولة بأن تحترم سيادتنا، وحينها يمكن لها التعاون في كل الأصعدة مع سلطات البلد، مؤكداً أنه لا توجد مشكلة سوى في اللهجة الاستعمارية فقط.
وفي تعليق على الانسحاب الفرنسي يقول منسق المرصد لوسط أفريقيا وجنوبها في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، تييري فيركولون: لم يكن هناك أي شيء آخر يمكن القيام به، لقد كان الحل الوحيد منذ البداية، معلناً أن "حرب فرنسا ضد الجهادية قد انتهت رسمياً" على حد زعمه، وأن "فرنسا لم يعُد لها أي مستقبل في منطقة الساحل"، بعد أن كان لديها نحو 1500 جندي في هذه المنطقة، دفعت بها إلى النيجر في أعقاب الانسحابات الاضطرارية من مالي وبوركينا فاسو، في آب 2022 وأوائل 2023.
ويعدّ هذا الإعلان بالنسبة لفيركلون اعترافاً فرنسياً بالعجز، مشيراً إلى أن "الانقلابيين دفعوا فرنسا إلى الخارج، ومن ثم ليس أمام رئيس الجمهورية خيار آخر سوى سحب قواته، وإلا فإن بقاءها يسمى احتلالاً عسكرياً ليبقى الوجود الفرنسي في أفريقيا مركزاً في دول، مثل: السنغال (400 جندي)، وساحل العاج (900 جندي).
ويرى محللون أن قرار ماكرون وضع حدّ للموقف بشع مشيرين إلى أن ماكرون لجأ إلى التستر على الهزيمة بقوله "لسنا مسؤولين عن الحياة السياسية لهذه البلدان، وعلينا أن نستخلص الدروس الآن"، وذكّر بأن فرنسا تدخلت في السنوات الأخيرة "بناء على طلب النيجر وبوركينا فاسو ومالي على أراضيها لمحاربة الإرهاب" على حد زعمه، وأبدى قلقه البالغ بالنسبة لهذه الدول التي أنهت على أثر انقلابات عسكرية تعاونها العسكري مع القوة الاستعمارية السابقة.
وكان المجلس العسكري في النيجر طالب مسبقاً السفير الفرنسي بمغادرة البلاد، لكنه رفض رغم إلغاء السلطات العسكرية امتيازاته وحصانته الدبلوماسية.
وأعلن المجلس العسكري النيجري في الثالث من آب الماضي إلغاء الاتفاقيات مع فرنسا، الأمر الذي رفضته باريس بذريعة افتقار المجلس إلى الشرعية.
وقد تجمع مناصرون للمجلس العسكري في مظاهرة ليلية أمام القاعدة العسكرية الفرنسية في العاصمة نيامي احتفالاً بما وصفه المجلس العسكري بثمرة نضال الشعب وتحقيقه خطوات نحو السيادة.
ودرجت عدة منظمات شبابية وجمعيات إسلامية على تنظيم تظاهرات أمام القاعدة الفرنسية في نيامي للتنديد بمواقف فرنسا وإلزامها بتطبيق قرار المجلس العسكري بسحب سفيرها من النيجر ومغادرة قواتها لبلادهم.
وتدهورت العلاقات بين النيجر وفرنسا بعد وقوف باريس إلى جانب الرئيس المخلوع محمد بازوم، حليف فرنسا الذي أثار انتخابه عام 2021 الآمال في الاستقرار في الدولة المضطربة.
وبعد رفضها في البداية الامتثال لمطالب الجيش النيجري، الذي جعل من رحيل الجنود الفرنسيين رأس مال سياسياً، زعمت وزارة القوات المسلحة الفرنسية والعديد من المصادر لصحيفة لوموند يوم 5 أيلول، أن باريس كانت تحاول كسر الجمود في النيجر من خلال بدء محادثات بشأن إعادة انتشار بعض قواتها في البلاد، وحسب ما ورد لا يزال هناك حوالي 1500 جندي منتشرين في النيجر.
ومع ذلك، أطلق النظام العسكري في النيجر هجوماً لفظياً جديداً على فرنسا يوم الجمعة، متهماً إياها بـ"التدخل الصارخ" من خلال دعم رئيس البلاد المخلوع، بينما نظم المتظاهرون مسيرات في العاصمة نيامي تطالب السفير والقوات الفرنسية بالرحيل.
وجاء قرار حظر الطيران الذي فرضه النظام العسكري الحاكم في النيجر، والذي مُنعت بموجبه الطائرات الفرنسية من عبور المجال الجوي للبلاد، ليزيد الضغط على الحكومة الفرنسية، ما اضطر ماكرون إلى الخروج وإعلان انسحاب قواته ومغادرة سفيره للنيجر.