الوقت - نشرت الإدارة الذاتية للقوات الكردية في شمال شرق سوريا، المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية، بياناً حاداً انتقدت فيه صراحةً تصرفات الحكومة الأمريكية بالتعاون مع سياسات تركيا بشأن الأزمة في سوريا، وخاصةً هجمات جيش أنقرة ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وتحدث هذا البيان بوضوح عن "الإبادة الجماعية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية"، وكان الاتجاه الرئيسي لهذا البيان، هو انتقاد واضح لتعنت أمريكا حيال هجوم أنقرة على مواقع قوات سوريا الديمقراطية.
وأشار بيان قوات سوريا الديمقراطية إلى أن واشنطن لا تريد أبداً مواجهة أنقرة من أجل دعم قوات سوريا الديمقراطية، ولأن تركيا حليفة واشنطن في حلف شمال الأطلسي، فقد دفع ذلك قوات سوريا الديمقراطية إلى تحديد التحالف الأمريكي باعتباره المسؤول عن هجمات تركيا المستمرة ضدها.
وسرعان ما ردّ مسؤولو البيت الأبيض على البيان الأخير لقوات سوريا الديمقراطية، بعد ساعات فقط من نشره، وزعم "صالح مسلم"، الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أن البنتاغون أبلغ قوات سوريا الديمقراطية على الفور أنهم لن يردوا على الهجمات التركية، وهذا الموقف من واشنطن هو في الواقع ضوء أخضر لأنقرة، لمواصلة عملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية بكثافة أكبر.
وقال يوسف الناعمة، الخبير السياسي في هذا الصدد: منذ بداية العام الجاري، هاجم الجيش التركي قواعد قوات سوريا الديمقراطية 30 مرة، حيث تحدث هذه الهجمات بين الحين والآخر وبالتدريج، لأن أنقرة لا تريد دفع زعيم "قسد" نحو التعاون مع دمشق، وهذا في حين أن دمشق فتحت دائماً ذراعيها لقادة "قسد"، لكن أنقرة لا تريد أن يحدث ذلك.
وأضاف هذا الخبير السوري: "قوات سوريا الديمقراطية تعرف جيدًا أنه إذا هاجم الجيش التركي، فإن واشنطن ستتركهم وشأنهم! لقد شهدوا هذا الأمر مرات عديدة، وحتى في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي كانت هناك مشاورات في هذا المجال.
كما تحدث "سركيس كاسارجيان"، الخبير في الشأن التركي، عن أسباب استياء قادة قوات سوريا الديمقراطية من السياسات الأمريكية تجاه تركيا، قائلاً: المشكلة التي تواجهها قوات سوريا الديمقراطية حالياً، هي أن أهمية تركيا ازدادت مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ويتوقع قادة قوات سوريا الديمقراطية أن يتبنى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مواقف أقوى ضد تركيا، لكن هذا أمر صعب للغاية بالنظر إلى استمرار الحرب في أوكرانيا.
وأضاف هذا الخبير في الشؤون التركية: إن البيان الأخير لقوات سوريا الديمقراطية، هو في الواقع محاولة للضغط على الولايات المتحدة، لإجبار التحالف الدولي تركيا على وقف مهاجمة قواعد قوات سوريا الديمقراطية، لكنني لا أعتقد أن هذا البيان سيكون فعالاً.
وفي الوقت نفسه، أشار كاسارجيان إلى أن تقليل اعتماد قوات سوريا الديمقراطية على أمريكا أمر مستبعد، فالتهديد بعدم التعاون مع الولايات المتحدة وقوات التحالف لن يتحقق أبداً، لأن وجود "قسد" يعتمد بشكل أساسي على وجود التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبمعنى آخر، إعلان انتهاء تعاون قوات سوريا الديمقراطية مع التحالف الدولي، يعني فقدان أهم ورقة لعب وبقاء هذه القوات، ولن تقوم بمثل هذا الانتحار السياسي أبداً.
كما اعتبر أن أسباب التوجه العسكري الأخير الذي اتبعته أنقرة ضد قوات سوريا الديمقراطية، هي الأزمة السياسية داخل تركيا، وأضاف: من الأساليب السياسية السائدة في تركيا أنهم يصدرون أزماتهم الداخلية إلى الخارج؛ وفي هذه الأثناء، فإن قضية الأكراد لها أهمية مزدوجة، وفي الواقع، يعدّ اللعب بالورقة الكردية من أكثر برامج أنقرة ربحيةً، لأنها القضية الوحيدة التي تتفق عليها الحكومة والمعارضة.
ووفقاً للعديد من الخبراء، تحاول تركيا الاستفادة القصوى من الفرصة الحالية، وتدرك أنقرة جيداً احتياجات الغرب، وتحاول في هذا الصدد الاستفادة من ملفات مثل مسألة انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو تطورات الحرب في أوكرانيا.
يشار إلی أن الهجمات التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية قد اشتدت خلال الشهرين الماضيين، ويقال إن الطائرات المسيرة التابعة للجيش التركي، اغتالت أكثر من 70 قيادياً في قوات سوريا الديمقراطية خلال هذه الفترة.
ويرى بعض المحللين أن أنقرة، في الخطوة الثانية من سياساتها المسببة للتوتر في الملف السوري، تفكر في تصميم وتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة الحدودية شمال سوريا، هذا في حين أن قوات سوريا الديمقراطية تمرّ بأسوأ أيامها، وحتى الشركاء الدوليون وداعمو هذه المجموعة في السنوات الأخيرة تركوهم وشأنهم.