الوقت- انضمت مدينتا أوسلو النرويجية ولييج البلجيكية، إلى قائمة المدن الأوروبية التي أعلنت عن مقاطعتها لإسرائيل، بسبب سياستها الانتقامية من الشعب الفلسطيني وانتهاكها القانون الدولي في الأراضي المحتلة، وذلك بعدما كانت بلدية برشلونة السباقة في المقاطعة.
واعتمدت بلدية مدينة لييج البلجيكية، اقتراحا تقدم به حزب العمال اليساري “PTB”، يقضي بقطع جميع العلاقات مع إسرائيل بسبب عدم احترامها القانون الدولي.
وقال رئيس حزب العمال اليساري، راؤول هديبو، إن هذا القرار هو “فوز عظيم لحزبنا، بفضل دعم الأشخاص الذين احتشدوا أمس أمام المجلس البلدي لمدينة لييج، مضيفا: “قررنا وقف العلاقات مع إسرائيل ما دامت مستمرة في انتهاك القانون الدولي”.
وأشار في تدوينة له بالقول: “بعد أوسلو وبرشلونة، لييج تنضم إلى مدن التضامن مع فلسطين، دعونا نواصل المعركة حتى تحذو المزيد والمزيد من المدن حذوها”، معتبرا أن هذه خطوة مهمة في الكفاح من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الصدد، رحبت اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، أوسع ائتلاف في المجتمع الفلسطيني وقيادة حركة المقاطعة “BDS”، بقرار مدينة لييج البلجيكية قطع جميع العلاقات مع إسرائيل، مشددة على أن “هذا الكيان يشكل نظام استعمار وأبارتهايد واحتلال عسكري ضد الشعب الفلسطيني”.
وفي النرويج، قررت بلدية العاصمة أوسلو حظر استيراد سلع وخدمات الشركات التي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في المستعمرات الإسرائيلية، لكونها تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
ورحبت فلسطين، أمس الأربعاء، بقرار بلدية أوسلو، حيث اعتبر وزير الاقتصاد الوطني الفلسطيني، خالد عسيلي، أن القرار “خطوة في الاتجاه الصحيح والتزام بمبادئ وقواعد القانون الدولي الذي يعتبر الاستيطان بمختلف أشكاله غير شرعي”.
ودعا الوزير الفلسطيني جميع الدول والشركات إلى “الالتزام بقرارات مجلس حقوق الإنسان والانتصار للشرعية الدولية في هذا المجال”، مشيرا إلى أن الحكومة الفلسطينية تبذل جهودا لمحاسبة وملاحقة الشركات التي تنشط في الاستيطان.
من جانبها، قدمت حركة المقاطعة “BDS”، الشكر إلى مجموعات التضامن والنقابات والأحزاب النرويجية التي عملت بِجد حتى الوصول لهذا القرار، داعية جميع المدن في أنحاء العالم إلى الانضمام لأوسلو وبرشلونة ولييج لقطع علاقاتها مع إسرائيل، “وقوفاً في وجه التواطؤ العالمي مع جرائم الاحتلال ودعماً للنضال الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والمساواة”.
وكانت رئيسة بلدية برشلونة الإسبانية، آدا كولاو، قد أعلنت شهر فبراير المنصرم، عن تعليق علاقاتها المؤسسية مع إسرائيل، وتجميد اتفاقية التوءمة مع مدينة تل أبيب، “إلى أن تضع السلطات حدا للانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان بحق الفلسطينيين”.
وقالت رئيس بلدية برشلونة، اليسارية آدا كولاو، في رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن قرار تعليق التوءمة مؤقتًا بين المدينتين المتوسطتين، جاء إثر عريضة رفعتها عدة مجموعات مؤيدة للفلسطينيين في برشلونة.
وقادت هذه الحملة أكثر من 100 منظمة تنتمي للمجتمع المدني الكتالوني، بهدف مطالبة حكومة مدينة برشلونة بوقف علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل، وإظهار التضامن مع القضية الفلسطينية.
الحملة التي نُظمت تحت شعار “برشلونة تقول لا للفصل العنصري، برشلونة تقول نعم لحقوق الإنسان”، حققت أزيد من 5 آلاف توقيع من أحزاب يسارية ومنظمات ونشطاء وسكان، وذلك في أقل من شهرين، وهو ما فاق التوقعات المنتظرة.
يأتي ذلك في وقت قررت فيه بلدية برشلونة مواصلة الحفاظ على توءمة مماثلة مع مدينة غزة الفلسطينية، فيما دعمت أحزاب اليسار ونشطاء حركة مقاطعة الاحتلال “BDS”، قرار إلغاء التوءمة مع تل أبيب.
وثمنت شخصيات دولية مؤثرة ومعروفة في جميع أنحاء العالم، ضمنهم علماء ونشطاء حائزون جوائز نوبل، قرار بلدية برشلونة بقطع علاقاتها مع مع المؤسسات الإسرائيلية الرسمية، معتبرين القرار أفضل رد على الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
ويتعلق الأمر بأزيد من 54 شخصية بارزة، من ضمنهم حائزون على جائزة نوبل، ونجوم هوليوود، وكتاب وموسيقيون ومسرحيون ونشطاء، وشخصيات سياسية أممية، حيث أشادوا بقرار رئيسة بلدية برشلونة بإلغاء اتفاقية التوءمة مع تل أبيب.
المواجهة المشروعة
تعتبر المقاطعة أسلوبا نموذجياً كأحد أوجه المواجهة المشروعة والجهاد ضد الاحتلال كي تنال الشعوب حريتها واستقلالها. والمقاطعة (الاقتصادية) تعني بمفهومها العام إيقاف التبادل السلعي والخدماتي بشكل كلي أو جزئي مع الطرف المراد مقاطعته بما يخدم مصالح وأهداف الطرف الداعي للمقاطعة، ويشمل التعامل الاقتصادي والخدماتي بكافة أشكاله أي وقف التبادل السلعي والخدماتي مع الطرف المطلوب مقاطعته بهدف التأثير عليه سياسياً أو أضعافه عسكرياً واقتصادياً، وتأتي المقاطعة بهدف إحداث الضغط والتأثير على أمريكا و الكيان الإسرائيلي بما يخدم المصالح العامة للأمة الإسلامية.
المقاطعة عبر التاريخ
من أروع صور المقاطعة بالتاريخ الحديث ( إضراب عام 1936) الذي قام بتنفيذه الشعب والثوار الفلسطينيون ضد اليهود والاحتلال البريطاني وقد استمر هذا الإضراب لمدة ستة أشهر مسجلا أطول وأفضل إضراب (مقاطعة ) في التاريخ, كذلك لا ننسى التجربة الهندية الشجاعة والتي نفذها الشعب الهندي بزعامة المهاتما غاندي ضد المستعمر البريطاني “للقارة الهندية” وكذلك مقاطعة الشعب الفيتنامي الصامدة المتميزة ضد المحتلين الأمريكيين والفرنسيين حتى نالوا حريتهم وكبرياءهم، وهنا لا ننسى الانتفاضة الفلسطينية المباركة عام 1987م ونموذجها البطولي المشرف في الجهاد ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية، باعتبارها تكتيكا ضمن أوجه الجهاد الأخرى.
خسائر الشركات الأمريكية من المقاطعة
ان السوق الحرة الأمريكية قد يصل بها الحال إلى ما عانته عدة شركات أمريكية مع بدأ المقاطعة الشعبية في مطلع عام 1987 مع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية حيث أشارت عدة تقارير حينها عن خسائر فادحة تكبدتها العديد من الشركات التي تقدم دعما، مباشراً، أو غير مباشر، للكيان الإسرائيلي، بعد أن استجاب ملايين المسلمين والعرب لدعوات مقاطعتها الكثيرة، تأكيدا على تمسكهم بدعم ونصرة الفلسطينيين، ورفضا منهم للمشاركة بطريقة أو أخرى في قتل إخوانهم.
وأشارت إحصائية رسمية نشرتها الصحف البريطانية والأمريكية إلى تعرض الشركات الأمريكية والغربية في الدول العربية لخسائر كبيرة؛ نتيجة للمقاطعة الشعبية التي بدأت مع اندلاع الانتفاضة، حيث انخفضت الكوكاكولا بنسبة 20%، وانخفضت مبيعات الوجبات الأمريكية السريعة ماكدونالدز بحوالي 35%، فيما انخفضت مبيعات شركات ايريال الأمريكية للمنظفات بنسبة 25%، وأكدت الإحصائيات أن قيمة العلامة التجارية العالمية لشركة أمريكية أخرى تنتج مشروباً غازياً قد انخفضت بنسبة 13%، وكمؤشر إلى تأثر هذه الشركة بحملات المقاطعة في الدول العربية والإسلامية، فقد تجاوزت خسائرها في إحدى الدول العربية أكثر من نصف رأسمالها في هذه الدولة.
وفي خطوة مهمة على المستوى الاستراتيجي ولمساندة الحقوق الفلسطينية اصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قاعدة بيانات بأسماء الشركات العاملة في المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية وفقا للقانون الدولي وتأتي أهمية التزام تلك الشركات بقواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والتوقف الفوري عن العمل والتعاون مع المستوطنات الاستعمارية في الأرض الفلسطينية المحتلة وضرورة متابعة تنفيذ قرارات مجلس حقوق الإنسان ذات الصلة وتطبيقها على الشركات التي تنتهك قرارات المجلس وتستمر في التعاون الاستثماري والاقتصادي مع تلك المستوطنات تحت طائلة المساءلة القانونية والملاحقة القضائية وأن هذه الخطوة المهمة تأتي في إطار محاصرة ورفض النشاط الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في فلسطين امتثالا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتزاما بقرار مجلس حقوق الإنسان بهذا الشأن وانسجاما مع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2004 بشأن الجدار والاستيطان، وأن إصدار القائمة سيساهم في إنهاء تورط هذه الشركات بالمنظومة الاستعمارية باعتبارها ملزمة قانونيا بوقف أنشطتها وسيمنع الشركات الأخرى في العالم من العمل في المستوطنات.
إن نضال الشعب الفلسطيني ضد منظومة الاستعمار-الاستيطاني الصهيوني مستمر منذ مطلع القرن الماضي حتى اليوم إلا أن الكيان الإسرائيلي يستمر بقمعه للفلسطينيين واستعماره للأرض دون رقيب أو عتيد وذلك بسبب فشل الحكومات على المستوى الدولي بمحاسبة الكيان الصهيوني، واستمرار الشركات والمؤسسات العالمية بمساعدتها في جرائمها ضد الفلسطينيين وانتهاكاتها للقانون الدولي.
وانطلاقاً من فشل الحكومات و"المجتمع الدولي" وأصحاب القرار في وقف الاضطهاد الإسرائيلي المركّب ضد الشعب الفلسطيني، تبرز أهمية هذه الحركات المطالبة بمقاطعة الكيان الصهيوني كشكل رئيسي من أشكال المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، وكأهم شكل للتضامن العالمي مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه.