الوقت- دعت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) السلطات السعودية إلى الإفراج الفوري عن الداعية السعودي البارز سفر بن عبد الرحمن الحوالي، المحتجز تعسفيا منذ 2018.
من هو الحوالي؟
وُلد سفر بن عبد الرحمن الحوالي عام 1955 في مدينة الباحة جنوب السعودية، وعرف منذ طفولته باجتهاده في التحصيل العلمي، فحصل على الشهادة الابتدائية ثم التحق بمعهد بلجرشي العلمي، فأنهى دراسته خلال خمس سنوات، سافر بعدها إلى المدينة المنورة حيث نال الشهادة الجامعية في الشريعة من الجامعة الإسلامية.
أكمل دراساته العليا في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، حيث حصل على درجة الماجستير والدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى. عمل الحوالي رئيسًا لقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى لفترتين رئاسيتين لثماني سنوات، وأُقيل من الجامعة بسبب مواقفه الرافضة للتدخل العسكري الأمريكي خلال حرب الكويت عام 1990.
سبب الاعتقال
منذ عام 2005، عام مرض وقعود سفر الحوالي، لم يسمع للرجل صوت أو يرى له حرف بسبب المرض الذي أقعده. إلا أنه وفي السنوات القليلة الماضية ظهر له كتابان:
الأول: «المعجم الوجيز»، وهو معجم ألفبائي يضم تعريفات مبسطة لعدد من المفاهيم والمصطلحات الفلسفية الغربية، القديمة والحديثة، وهو كتاب تجميعي لا أكثر.
أما الكتاب الثاني فهو: «المسلمون والحضارة الغربية»، ويقع في 3050 صفحة تقريبًا، ويبدو بالتصفح السريع أن الكتاب عبارة عن مذكرات الحوالي خلال السنوات الفائتة، وهو أشبه برصده وتحليله الشخصي، أو بمساعدة بعض تلاميذه، للأحداث التي جرت في العشر سنوات الأخيرة، ويبدو ذلك جليًا في وجود كثير من التفاصيل الحديثة التي ذكرها في الكتاب، وذلك يجعل احتمال كون الكتاب جمعًا لكتبه ومقالاته وأفكاره القديمة؛ أمرًا مستبعدًا إلى حد كبير.
لم يمر أسبوع على انتشار الكتاب إلكترونيًا، إلا وتم اعتقال الشيخ وثلاثة من أبنائه، وهو ما أثار حفيظة الكثيرين نظرًا لتقدم سن الشيخ وتأخر حالته الصحية. الكتاب يتضمن محاور كثيرة جدًا، وهو عبارة عن رؤية الشيخ الكلية للإسلام والغرب والسياسة والاجتماع الإنساني والمعرفة والعمل، ويبدو في مجمله أنه خلاصة خبراته وأفكاره وتحليلاته، ومضمونه يشير إلى بقاء الأفكار المركزية التي عاش عليها واعتنقها هي ذاتها لم تتطور كثيرًا منذ التسعينيات.
يتضمن الكتاب عشرة أبواب ومقدمة وملاحق، ولعل الصفحات الملتهبة في الكتاب تتركز في مقدمته وملاحقه الثلاثة، وخاصة ملحق النصيحة لآل سعود، والذي حوى كثيرًا من الانتقادات على سياساتهم الخارجية والداخلية، بل تشكيكًا في مشروعية احتكارهم للحكم في السعودية، ونقدًا لكثير من القرارات التي اتخذها سلمان وولده مؤخراً، داخليًا وخارجيًا.
فلم يترك الحوالي أمرًا إلا وسطر فيه نقدًا أو توجيهًا أو تلميحًا، وهو ما اعتبر شجاعة منه وإقدامًا على مواجهة النظام السعودي في الوقت الراهن. ولأن فلسفة بن سلمان الراهنة هي «سندمرهم تدميرًا»، قاصدًا الصحوة كما ذكر في خطابه المشهور في الإعلان عن مشروع «نيوم»، فلم يتأخر كثيرًا قرار اعتقال الحوالي وأبنائه وفق الاستراتيجية السلمانية الحالية تجاه الإسلاميين.
وقبل اعتقاله احتج على إنفاق الحكومة السعودية نحو 65 مليار دولار على الترفيه والاحتفالات وقال: "أليس من الأفضل إنفاق هذه المليارات من الدولارات على البرامج التلفزيونية في مجال الدين والجهاد؟"
اعتقلت السلطات السعودية سفر الحوالي وأبناءه عبد الله وعبد الرحمن وإبراهيم وعبد الرحيم وشقيقه سعد الله بين 11 و 13 يوليو / تموز 2018.
معاناة بعد الاعتقال
منذ اعتقاله، لم يكن لدى الحوالي فرصة كبيرة للتواصل مع عائلته بسبب إعاقته الشديدة في الكلام وعدم قدرته على إجراء مكالمات هاتفية كما لم تتخذ السلطات السعودية أي خطوات لتسهيل اتصال الحوالي بأسرته أو بمستشاره القانوني.
وبسبب تعرض الحوالي لسكتات دماغية كثيرة، ما أضعف حديثه بشكل دائم، فهو في وضع صعب للغاية.
كما عانى من كسر في الحوض وفشل كلوي تطلب رعاية طبية مستمرة وتدهورت حالة الحوالي الجسدية فور اعتقاله.
وقد حُرم هذا المبشر السعودي من الرعاية الطبية منذ ذلك الحين على الرغم من إعاقته وكبر سنه وحالته الجسدية السيئة. وكنوع من العقاب على انتقاده ولي العهد السعودي، يُحرم عمليا من الاتصال بأسرته في مركز الاحتجاز ويعيش في خوف من اضطهاد أقاربه.
وبسبب تدهور الحالة الجسدية لسفر الحوالي الذي لا يستطيع الكلام والاعتناء بنفسه، قررت منظمة حقوق الإنسان "الكرامة" إحالة قضيته إلى لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
أرسلت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان في 12 أكتوبر / تشرين الأول 2020 شكوى إلى هذه اللجنة الأممية بخصوص الحالة الجسدية وظروف سفر الحوالي، أكدت فيها إصرار السلطات السعودية على مضايقة هذا المبشر السعودي وأقاربه.
وفي هذه الشكوى، تم التأكيد على أن حياة سفر الحوالي مهددة بشكل خطير ولا يمكن علاجه في السجن، لأن كبار السن معرضون لخطر الإصابة بأمراض مزمنة.
بالنظر إلى الحالة الجسدية لسفر الحوالي خلال تفشي فيروس كورونا وظروف احتجازه، طالبت منظمة الكرامة لجنة الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالإفراج عنه فوراً ودون قيد أو شرط.
كما دعت منظمة الكرامة الأمم المتحدة إلى معالجة قضية انتقام السلطات السعودية من سفر الحوالي وعائلته بشكل مباشر حيث أكدت أنه بناءً على التزاماتها، يجب على السعودية إطلاق سراحه وأفراد أسرته فورًا ووقف أي مضايقة وترهيب ضدهم.
تتيح اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مطالبة السلطات السعودية باتخاذ الإجراءات اللازمة على الفور، حتى قبل دراسة وقائع القضية.
انتقام من أصحاب الرأي
بينت المنظمات الحقوقية أن المعتقلين بالسجون السعودية، وخاصة معتقلي الرأي الذين تسعى السلطات لعقابهم أكثر كنوع من الانتقام، كما كشفت المنظمات الحقوقية أنهم يُرغَمون على الوقوف على قدم واحدة. أو على كرسي لساعات طويلة، ويحرَمون أحياناً من النوم والطعام والأدوية الضرورية. وأكدت أن مقتل القرني يُسلط الضوءَ على الانتهاكات، التي تتضمن التعذيب والحرمان من العلاج وكذلك الحرمان من الاتصال بالعائلة. وشددت المنظمات على أنه يتعرض لها غالبية معتقلي الرأي في السجون السعودية.حيث توفي في يناير 2019 أحمد العماري الزهراني بسبب نزيف في الدماغ، بعد تعرُّضه للتعذيب في سجن ذهبان. و توفي أيضاُ الصحفي صالح الشحي، في 19 يوليو 2020، بعد شهرين فقط من الإفراج غير المتوقع عنه. لكن رغم تصريح السلطات السعودية أنه توفي بسبب كورونا؛ لكن ظروف وفاته، مثل ظروف الإفراج عنه يحيطها الغموضُ. كما توفي المعتقل زهير علي شريدة في مايو 2021 في ظروف وملابسات غامضة.
يواجه الكثير من معتقلي الرأي ممن تمت إحالتهم إلى القضاء محاكمات مطولة لا أجل لها، بمن فيهم الداعية سلمان العودة والباحث الشرعي حسن فرحان المالكي، المعتقلان منذ سبتمبر 2017، وقد طالب الادعاء العام بتنفيذ عقوبة الإعدام بحقهما على أساس دعاوى فضفاضة ومبهمة.
وقد مددت محاكمتهما عدة مرات دونما سبب واضح، آخرها في 16 أكتوبر، حين أجّلت المحكمة الجزائية المتخصصة مرةً أخرى جلسة محاكمة المالكي، دون تحديد موعد آخر لها. وقد طالت أحكام الإعدام الصادرة إثر محاكماتٍ جائرة لا تستوفي الإجراءات القانونية الواجبة، عددًا أكبر من المعتقلين في السعودية، بمن فيهم ثلاثة من قبيلة الحويطات، شادلي وعطالله وإبراهيم الحويطي، إلى جانب عدد من القاصرين.
وفي تطور جديدٍ مقلق، أصدرت المحاكم السعودية خلال الشهرين الماضيين أحكامًا بالسجن على عددٍ من الأفراد لمددٍ طويلة للغاية، وذلك على خلفية ممارستهم حقهم في حرية التعبير، ومن هؤلاء حكمان بالسجن لمدة 34 و45 سنة على التوالي بحقّ ناشطتي حقوق المرأة سلمى الشهاب ونورة القحطاني لنشاطهما السلمي على تويتر، و50 سنةً بحقّ عبدالإله الحويطي وعبدالله دخيل الحويطي لوقوفهما مع أسرتهما في رفض التهجير القسري من منازلهم الواقعة في المناطق المخصصة لمشروع "نيوم"، وفي 10 أكتوبر، حكم على 10 رجال من الجالية المصرية النوبية بالسجن لمدة 10 و18 سنة لتنظيمهم فعالية سلمية لإحياء ذكرى حرب أكتوبر.
انتهاكات فادحة وصمت مخزٍ
تمارس سلطات الرياض العديد من الانتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان من اعتقالات تعسفية وإعدامات للمواطنين وحصار وحروب مع الدول المجاورة بشكل يومي، كذلك تعمل المنظمات الحقوقية على تسليط الأضواء على الانتهاكات والتي بدأت تؤثر على سمعة سلطات الرياض وتؤرق كبار المسؤولين.
وشن الأمير محمد بن سلمان حملة اعتقالات تعسفية واسعة ضد أمراء ورجال الأعمال ورجال الدين والكفاءات والنخب من كل المناطق والتيارات والتوجهات والمهن، وامتلأت السجون بالمعتقلين والمعتقلات وهذه أول مرة يتم فيها اعتقال عدد كبير من النساء لأسباب تتعلق بحرية الرأي والعمل الحقوقي. سياسة التهميش والتغييب والاستخفاف بالشعب لم تتغير في عهد الملك سلمان وابنه ولي العهد الأمير محمد الذي يروج للانفتاح والترفيه، فهو في الحقيقة كبقية العهود السابقة الحاكمة في السعودية من حيث عقلية الاستبداد وتهميش للشعب المغيب والمطلوب منه في كل عهد وسلطة أن يطبل ويمجد سياسة الملك سلمان وابنه ولي العهد.
برزت انتقادات دولية واسعة لسجل انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية منذ عهد الملك سلمان وابنه الأمير محمد بن سلمان، وأصبح حديث الصحافة ووسائل الإعلام الدولية حول حقوق الإنسان نقلا عن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان متكرراً وبشكل أسبوعي وحتى يومي، ولكن تستمر السلطات السعودية في ممارساتها القاسية بحق السجناء وتصدر أحكاماً بحقهم لا تستند إلى أي أدلة. رغم كل المطالبات إلا أن الانتهاكات السعودية لم تتوقف بل تتمدد حيث كانت قد تعرّضت المقرّرة الأممية أغنيس كالامار التي تتولى التحقيق في قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إلى تهديدات بالقتل حيث ذكرت المقررة الأممية أنه تم إبلاغها من طرف زملاء في الأمم المتحدة، في يناير/ كانون الثاني 2020 بأن مسؤولا سعوديا رفيع المستوى، هدد بأن "يتعامل معها"، وهو تهديد مبطن قد يفهم منه خطر على حياة الإنسان. و في تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس واتش بعنوان "الثمن الفادح للتغيير"، يتحدث عن مساوئ تولي بن سلمان منصب ولي العهد، وما يسميها "الإصلاحات لصالح المرأة والشباب"، والتي رأت أنه منذ تعيينه "زادت الانتهاكات، في حين لا تزال سلطة القانون ضعيفة، وقد تتقوّض متى شاءت القيادة السياسية في المملكة".
وتحدث التقرير عن محاولة بن سلمان التخفي وراء ما أسمتها "المظاهر البرّاقة المستجدة والتقدم الذي أحرزه لنساء المملكة وشبابها"، لكنها رأت أنه "يقبع خلف حقيقة مُظلمة، مع سعي سلطاته إلى إزاحة أي شخص في المملكة يجرؤ على الوقوف في طريق صعود ابن سلمان السياسي".