الوقت_ في الوقت الذي تحول فيه حزب الله اللبنانيّ إلى قوّة تملك من الجهوزية والحنكة السياسية، والقدرات العسكرية ما لم تمتلكه بعض الدول، أعرب العديد من الخبراء والمُختصين والمُحللين للشؤون العسكريّة في "إسرائيل" عن خشيتهم العارمة من قوّة سلاح البريّة في جيش الاحتلال، موضحين أنّ المعركة الأخيرة التي خاضتها القوات الإسرائيليّة كانت في حرب تشرين/ أكتوبر عام 1973، مؤكّدين أنّ قادة العدو يمتنعون من أيّ حرب جديدة خشية الثمن الباهِظ من خلال استخدام جيش البريّة في الـ”عمليات” التي يقومون بها ضدّ الفصائل الفلسطينيّة في قطاع غزّة.
معادلة الصواريخ
بما أنّ المقاومة اللبنانيّة المتمثلة في "حزب الله" حققت انتصارات كبيرة على "إسرائيل" وفرضت معادلاتها وغيّرت المحاور القتالية، بالاستناد إلى القوة العسكريّة بأبعادها العقائدية والماديّة، وأحدثت وقعها وصخبها على المستوى المحليّ وعلى امتداد المنطقة، قال مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) والمُقرّب من دوائر صنع القرار الأمنيّ عاموس هارئيل، إنّه يسود الاعتقاد بأنّه إذا صحّت الانتقادات ضدّ الوحدات البريّة في جيش الاحتلال، فهذا يعني أنّ كلّ الأحاديث عن قوّة البريّة الإسرائيليّة لا أساس لها من الصحّة، وأنّ "إسرائيل" ليست قادرةً على حسم المعركة لا ضدّ حزب الله على الجبهة الشماليّة للأراضي الفلسطينة المحتلة، ولا ضدّ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزّة المحاصر منذ عقد ونصف العقد.
وبالاستناد إلى أن قدرات حزب الله شهدت نقلة نوعية كبيرة على الصعيد العسكري، إذ زادت ترسانته من الأسلحة من نحو 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب 2006 إلى ما يقدر بـ150 ألف صاروخ حسب بعض التقديرات، ومنها تقدير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكذلك الإعلام الاسرائيلي ومسؤوليه، وقد زاد عدد مقاوميه من بضعة آلاف عام 2006 إلى أكثر من عشرين الفاً إبان الحرب حسب التقديرات نفسها، بات العدو يضع سيناريو يُرجّحه للحرب المقبلة في لبنان، وهو ثلاثمئة قتيل إسرائيليّ خلال تسعة أيام، وليس هذا فحسب بل تتوّقع تل أبيب أنْ يُطلق ما معدّله 1500 صاروخ يوميًا من لبنان، وهذا ما كشفته صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، نقلاً عن الجنرال أفيف كوخافي القائد العّام لجيش الاحتلال.
وفيما تستند قوة المقاومة اللبنانية العسكرية على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، وتستخدم استراتيجية الحزب عادةً القذائف والصواريخ كأسلحة هجومية، إضافة إلى وحدات المشاة الخفيفة والدروع المضادة للدروع، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، أشارت الصحيفة العبرية إلى أنّ هذه الصورة رسمها الجنرال كوخافي خلال إيجاز عرضه أمام القادة والجنود التابعين للعدو تزامنًا مع اختتام الأسبوع الثالث من التدريبات العسكرية الواسعة المسمّاة “مركبات النار”، أظهر فيه مدى تأثير حزب الله على التدريبات الجارية، وكيف أنّ هاجسه بالنسبة للكيان لا يزال كما كان في السابق، أيْ الهاجس نفسه، الذي يقُضّ مضاجع الإسرائيليين، قيادةً ومستوطنين.
وتتحدث تقارير إعلامية أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، فضلًا عن آلاف من القذائف المضادة للدبابات التي يتمتع عناصره بمهارات في استخدامها، وتشمل نقاط القوة التكتيكية لحزب الله التغطية والإخفاء، والنيران المباشرة، وإعداد المواقع القتالية، فيما ترجح تقديرات العدو أن لدى المقاومة اللبنانية 45000 صاروخ قصيرة المدى تصل إلى 40 كم، من دون قذائف الهاون التي يمتلكها التنظيم إلى جانب 80000 صاروخ متوسط وطويل المدى يتميز بدقته.
تدريبات إسرائيليّة
لا يخفى على أحد التقارير التي تتحدث أنّ قدرات حزب الله العسكريّة تفوق القدرات التي يعرفها العالم عنه، وأنّ قوة حزب الله في تزايد مستمر، الشيء الذي جعل العدو الصهيونيّ لإنشاء خطط محتملة لخوظ حرب ضد المقاومة اللبنانيّة، وإنّ القتال البري الذي يجري التدرب عليه من قبل جنود العدو هذه الأيام، هو على عمق عشرات الكيلومترات في مناطق مشابهة للمناطق اللبنانية، وزعمت هاآرتس في تقريرها، أنّ الجيش الإسرائيليّ أوضح للمستوى السياسي أنّه على الرغم من أنّ إطلاق الصواريخ من جانب حزب الله سيستمر حتى آخر لحظة إلّا أنه من يوم لآخر سيتراجع من ناحية الكم والجودة والمدى، شريطة أنْ تكون الضربة البريّة في وقت مبكر من القتال.
ووفق الخطة الإسرائيليّة الجديدة لقسم اللوجستيات المسماة “محور المحاور” والتي يجري تدريب الجنود الإسرائيليين عليها في مناورة “مركبات النار”، فإن الآلاف من ناقلات الجند المدرعة والدبابات والعتاد العسكريّ لآلاف الجنود الذين سيتم استدعاؤهم للحرب في المستقبل سيتم نقلها من خلال شبكة من الطرق الترابية الجديدة التي تم شقها في العام المنصرم على جانبي الطرق الرئيسية وفي الأحراش والجبال وتبلغ نحو 2500 كم، إضافة إلى أنّ طواقم القتال المشتركة وجنود سلاح المشاة والهندسة والمدرعات التابعة للحتلال الغاصب ستكون بالتزامن مع سلاح الجو الذين يتدرّبون هذه الأيام على عمليات برية ضد المقاومة البنانيّة، برفقة عناصر من شعبة الاستخبارات المنتشرين في الألوية والكتائب، من بينهم وحدات الجمع المتطورة مثل الوحدة 8200 و 9900 و 504.
وفي هذا الخصوص، تابعت الصحيفة العبريّة قائلةً إنّ جانبًا رئيسيًا آخر، يتمّ التدرب عليه حاليًا من قبل القوات البرية التابعة للعدو، ويتعلّق بمديرية أهداف الاستخبارات، والتي أصبحت تنتج بالفعل الآن عشرات الأهداف الجديدة كل أسبوع لبنك الأهداف في لبنان، والذي أصبح يحتوي الآن على عشرات الآلاف من هذه الأهداف الإسرائيليّة، مبينة أنّ استثمار جيش العدو في العاميْن الماضييْن يميل إلى التفضيل الزائد في حجم الأولوية للكتلة الحرجة من القوات البريّة التي عادت مؤخرًا إلى التدرب بعد عامين من التراجع غير المسبوق حسب وصفها.
ومن الجدير بالذكر أنّ المسؤولين العسكريين الإسرائيليين مُتردّدون بشأن إعداد وتجهيز الإسرائيليين لحرب مستقبلية مع حزب الله، فهناك سيناريو مرجعي من جهة يتحدث عن وابل من الصواريخ والإصابات التي لم يشهدها الكيان منذ إقامة الدولة الطائفيّة على أنقاض شعب فلسطين في النكبة عام 1948، ومن ناحية أخرى لا يرغبون في التسبّب في الذعر بين الجمهور، على حدّ تعبيرهم، حيث إنّ اللّواء احتياط في جيش الكيان، والمسؤول السابق لملف تلقّي شكاوى الجنود، يتسحاق بريك، قال إنّ وضع قوات العدو في تدهور، وأنّه منذ 1965 لم يشهد الجيش مثل هذا التراجع، مُشدّدًا في الوقت ذاته على أنّه طالب بتشكيل لجنة تحقيقٍ خاصّةٍ بذلك، لكن دون جدوى.
ختاماً، تحولت المقاومة اللبنانيّة "حزب الله" إلى تهديد حقيقيّ لكيان الاحتلال الغاشم عبر إرساء معادلات ردعٍ جديدةٍ نتيجة، تجعل العدو الإسرائيلي يحسب ألف حساب قبل الدخول في أيّ حرب، في وقت تتحدث فيه بعض الدراسات أنّ حزب الله يعد أضخم قوة عسكرية خارج إطار الجيوش النظامية في العالم، و يمتلك ترسانة هائلة من المدفعية الصاروخية، إضافة إلى صواريخ باليستية، ومضادات للطائرات، وأسلحة مضادة للدبابات إضافة إلى القذائف المضادة للسفن قادرة على ردع العدم أكثر مما يتخيل، وهنا تظهر المقاومة في لبنان كقوة مهمة تُخيف الصهاينة بشدّة، بالمقابل، يظهر العدو الصهيونيّ بمواقفه عاجزاً عن إدراك وتفسير حجم تنامي وثبات المقاومة في لبنان وغيره، مقدماً للداخل الإسرائيلي على وجه الخصوص، انتصارات مخجلة ومكشوفة للتغطية على فشله الحقيقيّ وارتباكه وضعفه، فيما تسجل المقاومة في أكثر من دولة حضوراً مهماً يبرهن على قوتها وثباتها في مواجهة الجبروت الإسرائيليّ.